تأثير قرار ترامب على تسعير الأدوية…بين العدالة وتهديد الابتكار

قبل يومين، وقع الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” أمرًا تنفيذيًا يهدف إلى خفض أسعار الأدوية في الولايات المتحدة بشكل جذري، من خلال ربطها بأسعار الأدوية في الدول المتقدمة باستخدام مبدأ “الدولة الأكثر تفضيلًا”.
هذا المبدأ يعتمد على فكرة بسيطة مفادها أن الولايات المتحدة لن تدفع أكثر من الدول المتقدمة الأخرى لشراء الأدوية. على سبيل المثال، إذا كانت ألمانيا أو كندا تدفع 100 دولار لدواء معين، فإن أمريكا ترفض دفع 200 أو 300 دولار لنفس الدواء.
يهدف القرار إلى الحد من ارتفاع أسعار الأدوية في الولايات المتحدة مقارنة ببقية الدول. على سبيل المثال، يُباع دواء “هوميرا” (المعالج لالتهاب المفاصل) في أمريكا بما يزيد عن 5000 دولار، بينما في أوروبا لا يتجاوز سعره الألف دولار!
وبالتالي، يسعى القرار لتقليص الفجوة السعرية بين أمريكا وبقية العالم، وضغط الشركات لتقديم أسعار أكثر عدالة.
في المقابل، ترى شركات الأدوية أن خفض الأسعار بهذه الطريقة قد يضر بأرباحها، ويؤثر على استثماراتها في تطوير أدوية جديدة، إذ قد تضطر بعض الشركات للتوقف عن بيع أدويتها في بعض الأسواق إذا لم تحقق الربحية المطلوبة.
تُظهر الإحصاءات أن أمريكا كانت تمثل نحو 50% من مبيعات الأدوية العالمية رغم أنها لم تتجاوز 13% من حجم استهلاك الأدوية في عام 2022، مما يعكس الفارق الكبير في أسعار الأدوية بين أمريكا والدول الأخرى.
ليس هذا هو المحاولة الأولى لـ”ترامب” في هذا الصدد؛ ففي الأشهر الأخيرة من فترته الرئاسية السابقة، حاول ربط أسعار 50 دواء في برنامج “ميديكير” بأسعار الدول الأخرى، ولكن محاولته فشلت بسبب قرار محكمة اتحادية أوقف الخطة.
فيما بعد، تخلت إدارة “جو بايدن” عن هذا الاقتراح تحت ضغوط من المستشفيات وشركات الأدوية.
القرار الجديد، الذي يهدف لخفض الأسعار عبر برنامج “ميديكير” و”ميديكيد” وصولًا إلى العلاجات التي تغطيها شركات التأمين الخاصة، يُتوقع أن يواصل الضغط على الوسطاء بين شركات الأدوية والمستهلكين.
هذا الضغط قد يدفع شركات الأدوية لبيع منتجاتها مباشرة للمرضى، بدلًا من الاعتماد على الوسطاء الذين يحصلون على جزء كبير من قيمة الأدوية.
أثارت هذه الخطوة قلق شركات الأدوية، حيث تراجعت أسهمها بشكل حاد بعد الإعلان عن القرار، ولكنها سرعان ما بدأت في تعويض بعض الخسائر بعد التشكك حول تنفيذ القرار بشكل كامل.
وتقدر بعض التحليلات أن شركات الأدوية الأوروبية قد تواجه انخفاضًا في أرباحها بنسبة 6% إذا تم تطبيق مبدأ “الدولة الأكثر تفضيلًا” على 50 دواءً أساسيًا، بينما يمكن أن يواجه الشركات الأمريكية خسارة بنسبة 10%.
شركات مثل “بريستول مايرز سكويب” و”فايزر” في أمريكا، و”أسترازينيكا” و”نوفو نورديسك” في أوروبا ستكون الأكثر تأثرًا.
وقد حذرت مجموعة “فارما” من أن هذا التخفيض سيؤثر سلبًا على استثمارات الشركات في تطوير الأدوية الجديدة، إذ أن السوق الأمريكي كان مصدرًا رئيسيًا لتمويل الأبحاث.
تختلف طرق تسعير الأدوية من دولة إلى أخرى. في المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، تتفاوض الحكومات مباشرة مع الشركات لتحديد الأسعار، بينما في الولايات المتحدة، تباع الأدوية بأسعار أعلى بكثير.
وعلى سبيل المثال، سعر دواء “ويجوفي” لعلاج السمنة في الولايات المتحدة يصل إلى 1349 دولارًا شهريًا، بينما في المملكة المتحدة يبدأ سعره من 130 جنيهًا إسترلينيًا (حوالي 165 دولارًا).
وقد أظهرت دراسة أجريت في 2021 أن أسعار الأدوية في أمريكا أعلى بكثير من مثيلاتها في 32 دولة أخرى، حيث تتجاوز الأسعار في أمريكا متوسط أسعار الأدوية بنسبة 256%.
يعتبر قرار ترامب خطوة جذرية قد تعيد تشكيل صناعة الأدوية عالميًا، حيث قد يسهم في تحسين وصول الأدوية للمرضى في أمريكا ودول أخرى قد تتبع نفس النهج. ولكن في الوقت ذاته، قد يُؤدي هذا القرار إلى تقليص الأرباح، مما يهدد الاستثمارات في البحث والتطوير.
إذا تبنت دول أخرى هذا المبدأ، فقد نشهد تحولات كبرى في سياسات تسعير الأدوية حول العالم، ما قد يُفضي إلى انخفاض الأرباح المرتفعة التي طالما استفادت منها شركات الأدوية في الأسواق الكبرى.
يُعتبر قرار ترامب بمثابة دعوة لإعادة النظر في كيفية تسعير الأدوية عالميًا. إذا نجحت هذه التجربة في أمريكا، فقد يكون لها تأثير بعيد المدى على أسعار الأدوية وابتكار الأدوية في المستقبل، مع الحاجة لتحقيق التوازن بين العدالة في الأسعار والاستدامة الاقتصادية في صناعة الأدوية.