التحليل النقدي: لماذا يبقي الفيدرالي الأمريكي على أسعار الفائدة رغم المخاطر الاقتصادية؟

في قرار غير مفاجئ، قرر الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إبقاء أسعار الفائدة ثابتة خلال الاجتماع الثالث على التوالي، رغم تزايد الضغوط من البنوك المركزية الأخرى التي اتجهت نحو تخفيف تكاليف الاقتراض.
هذا التباين في السياسات النقدية بين الدول المتقدمة يثير العديد من التساؤلات، خصوصًا في ظل الحرب التجارية العالمية التي أطلقها الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”. فما الذي يفسر هذا الموقف الحذر من الفيدرالي؟
خلال الاجتماع الأخير، أشار الفيدرالي إلى ضرورة التريث وانتظار مزيد من البيانات الاقتصادية قبل اتخاذ أي خطوة لتغيير أسعار الفائدة.
ذلك يعود إلى حالة عدم اليقين التي تشهدها الأسواق، إضافة إلى تزايد المخاطر المتعلقة بالتضخم والبطالة. وعلى الرغم من أن هذه المخاطر قد تبدو مبررا للإسراع في التيسير النقدي، إلا أن الظروف الاقتصادية الفريدة في الولايات المتحدة قد تتطلب نهجًا أكثر حذرًا.
على عكس أمريكا، التي فرضت زيادة كبيرة في الرسوم الجمركية، لم تفرض الدول الأخرى نفس الإجراءات الصارمة على تجارتها مع الدول الأخرى.
وبالتالي، اقتصرت تداعيات الحرب التجارية على تراجع الطلب وضعف أسواق العمل في تلك الدول، دون التأثير الكبير على التضخم كما هو الحال في الولايات المتحدة.
لقد استهدف الرئيس ترامب الصين بشكل رئيسي في حربه التجارية، مما أدى إلى وفرة في السلع الصينية التي كانت موجهة للأسواق الأمريكية، وبالتالي تأثير أقل على الاقتصادات الأخرى.
هذا التغير في المعروض يقلل من مخاطر التضخم في تلك الأسواق مقارنة بالوضع في الولايات المتحدة، التي قد تواجه نقصًا في المعروض بسبب زيادة الرسوم الجمركية.
يُظهر الفيدرالي التزامًا بنهج يعتمد على البيانات في اتخاذ قراراته. كما أشار رئيس الفيدرالي “جيروم باول” إلى أن تأثير الرسوم الجمركية على الاقتصاد الأمريكي لا يزال غير واضح بالكامل.
وتابع باول قائلاً إن الرسوم الجمركية كانت أعلى من المتوقع، ما يجعل من الصعب التنبؤ بما إذا كان التضخم أو البطالة سيشكلان تهديدًا كبيرًا. بالإضافة إلى ذلك، تعتمد القرارات المستقبلية على طول الفترة الزمنية التي تستمر خلالها الرسوم الجمركية.
باول أكد أيضًا أن الاقتصاد الأمريكي لا يزال قويًا بما يكفي لتبرير الموقف المتأني للفيدرالي. من هنا، يرى الفيدرالي أن تكلفة الانتظار منخفضة نسبياً، في حين أن خفض الفائدة الآن قد يؤدي إلى مخاطر كبيرة تتمثل في زيادة التضخم، الذي لم يصل بعد إلى المستوى المستهدف (2%).
إحدى التعقيدات الرئيسية التي يواجهها الفيدرالي هي تقلبات سياسات الرئيس ترامب التجارية. فبعد فرض تعريفات جمركية على العديد من الدول، أوقف ترامب بعضها ثم أعاد فرضها على قطاعات محددة، مما يجعل تقدير الأثر الفعلي لهذه السياسات على الاقتصاد الأمريكي أمرًا معقدًا.
الفيدرالي يواجه تهديدًا مزدوجًا يتمثل في تأثير الرسوم الجمركية على نشاط الأعمال. قد تتمكن الشركات من نقل التكاليف إلى المستهلكين، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار. وفي حال عدم قدرة الشركات على ذلك، قد تضطر إلى تسريح العمال ورفع الأسعار في نفس الوقت، مما يؤدي إلى زيادة في التضخم والبطالة معًا.
من هنا، يظل الفيدرالي في وضع معقد. فالضغوط التضخمية المستمرة، وتقلب السياسات التجارية، وعدم اليقين الاقتصادي تمنعه من اتخاذ خطوة لخفض الفائدة، رغم مخاطر تباطؤ النمو وارتفاع البطالة. وعلى الرغم من هذه التحديات، لا يزال الاقتصاد الأمريكي قويًا بما يكفي لتبرير التريث.