الأخباراقتصاد المغربالشركات

لغز “سامير” المستعصي..تسع سنوات من الترقب ومستقبل مجهول لأكبر مصفاة نفط في المغرب

على مدى تسع سنوات عجاف، ظل مصير “الشركة المغربية لصناعة التكرير” (سامير)، القلب النابض لقطاع تكرير النفط في المغرب، معلقاً في براثن التصفية القضائية.

فمنذ توقفها عن العمل في عام 2015، مثقلة بديون تجاوزت 4 مليارات دولار، تحولت “سامير” إلى لغز اقتصادي وقضائي معقد، عصي على الحل رغم محاولات البيع المتكررة وعروض الاستثمار المتعددة.

ففي عام 2016، دخلت “سامير” رسمياً مرحلة التصفية القضائية، وبعدها بعام واحد، طرح القضاء التجاري بالدار البيضاء أصول الشركة للبيع في مزاد علني بسعر افتتاحي قدر بنحو 2.1 مليار دولار.

وعلى الرغم من استقبال أكثر من 35 عرضاً محلياً ودولياً، باءت جميع المحاولات بالفشل. وفي خضم هذا التعثر، لجأ المالك السابق، رجل الأعمال السعودي محمد العمودي، في عام 2018، إلى التحكيم الدولي مطالباً بتعويضات ضخمة.

يرى الحسين اليماني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز، أن “العائق الأكبر أمام إتمام عملية البيع يكمن في غياب رؤية واضحة من الحكومة لمستقبل صناعة التكرير في المغرب”.

هذا الغموض يجعل أي مفاوضات مع مستثمرين محتملين صعبة، خاصة وأن استثمارات التكرير تتطلب تخطيطاً طويل الأمد لضمان تحقيق العائد المطلوب”.

قبل توقفها، كانت “سامير” تغطي حوالي 64% من احتياجات المغرب من المشتقات النفطية المكررة، مما كان يمنح البلاد هامشاً للتحكم في الأسعار المحلية.

كما كانت تملك قدرة تخزينية هائلة تقدر بنحو مليوني متر مكعب من مختلف المواد البترولية، وفقاً لتقرير سابق لمجلس المنافسة.

وفي تطور آخر، ألزم مركز التحكيم التابع للبنك الدولي المغرب في نوفمبر الماضي بدفع تعويض قدره 150 مليون دولار للعمودي، وهو مبلغ أقل بكثير من الـ 2.7 مليار دولار التي طالبت بها شركته “كورال بتروليوم هولدينغ”.

وقد استندت الشركة في دعواها إلى “خرق المغرب لاتفاقية حماية الاستثمار” المبرمة مع السويد.

لكن، وكما صرح مصدر حكومي لـ”الشرق”، فإن “الحكومة المغربية لم تستسلم لهذا القرار وتسعى جاهدة للحصول على قرار جديد لصالحها، حيث قدمت طلبات لوقف التنفيذ والإلغاء. ولا تزال لجان المركز الدولي تدرس الملف، مما يعني أن مصير القضية لم يحسم بعد، وهذا قد يؤثر سلباً على جهود بيع المصفاة حالياً”.

و في الوقت الذي أنهى فيه مركز التحكيم إجراءاته الأولية، أعلنت وزارة الانتقال الطاقي عن “دراسة مشروع جديد لإعادة إحياء موقع سامير”، دون الكشف عن تفاصيله.

بينما أكدت وزيرة الاقتصاد والمالية على “عزم البلاد تطوير قطاع الطاقة والبتروكيماويات وتعزيز ريادتها في مجال الطاقات المتجددة”.

وكانت “سامير”، التي تقع في مدينة المحمدية، تشكل شرياناً حيوياً للاقتصاد المحلي، حيث كانت توفر الآلاف من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة. وتشير تقديرات نقابية إلى أن إعادة تشغيلها قد تسترجع حوالي 4500 وظيفة.

تأسست “سامير” عام 1959 بشراكة بين الحكومة المغربية وشركة النفط الإيطالية (ENI). وبعد استحواذ الدولة على حصة الشريك الإيطالي، تم إدراج الشركة في بورصة الدار البيضاء عام 1996. وفي العام التالي، بيعت حوالي 67% من أسهمها لمجموعة “كورال” السويدية.

مع مرور السنوات دون تشغيل، تتزايد المخاوف بشأن تدهور حالة المعدات. إلا أن الحسين اليماني يؤكد أن “المصفاة لا تزال قادرة على الإنتاج وتحتاج إلى حوالي 300 مليون دولار لإعادة تأهيلها في غضون سنة إلى 15 شهراً”، معتبراً أن “هذه التكلفة منطقية بالنظر إلى ميزانية الصيانة السنوية السابقة”.

وإلى جانب مساعي البيع، اقترحت نقابة العمال حلولاً أخرى مثل التأميم أو فتح اكتتاب وطني لتمويل إعادة التشغيل.

بلغت قيمة واردات المغرب من المنتجات النفطية المكررة حوالي 12 مليار دولار في العام الماضي. ويرى خبراء أن إعادة تشغيل “سامير” قد يخفض هذه الكلفة بنحو ملياري دولار سنوياً، بالنظر إلى الفارق الحالي بين سعر النفط الخام والمكرر.

ويقدر الاستهلاك السنوي للمغرب من المواد البترولية بنحو 10 مليارات لتر.

في انتظار الحسم في ملف التفويت، تصدر المحكمة التجارية بالدار البيضاء بشكل دوري إذناً قضائياً باستمرار عقود عمل موظفي الشركة، وهو ما يراه المصدر الحكومي “دليلاً على وجود إرادة لإيجاد حل للملف، وأن الخيار الأفضل هو البيع الكلي للمصفاة لتحقيق أكبر فائدة استثمارية وتوفير الوقت”.

يذكر أن المغرب كان من الدول التي تدعم أسعار المحروقات قبل رفع الدعم في عام 2015. وفي آخر سنة مالية معلنة، سجلت “سامير” خسائر بنحو 250 مليون دولار عام 2014، بينما بلغت إيراداتها 4.4 مليار دولار.

ولا يزال مصير صغار المساهمين، الذين يمثلون حوالي 27% من رأسمال الشركة، مجهولاً في انتظار إعادة التشغيل.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى