السفن الفارغة..انعكاسات الحرب التجارية على التجارة العالمية وسلاسل الإمداد

في صباح يوم جديد على سواحل المحيط الهادئ، كانت السفينة “نورث ستار” تستعد للانطلاق من ميناء نينجبو الصيني متوجهة إلى ميناء لوس أنجلوس الأمريكي، لكنها بدت هذه المرة فارغة تمامًا، دون أي حمولة.
هذا المشهد الكئيب يعكس جانبًا من أزمة اقتصادية في طور التشكل، حيث أصبحت العديد من السفن حول العالم تبحر فارغة في أعقاب التوترات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، الولايات المتحدة والصين.
تعود هذه الظاهرة إلى تباطؤ التجارة العالمية بعد أن فرضت الإدارة الأمريكية رسوماً جمركية صارمة على الواردات الصينية وصلت إلى 145%، بينما فرضت الصين بدورها رسومًا بنسبة 125% على السلع الأمريكية، مما أدى إلى تراجع التجارة بين البلدين بشكل كبير.
مع دخول هذه الرسوم حيز التنفيذ، شهدت حركة الشحن تباطؤًا ملحوظًا، وتحول ميناء لوس أنجلوس -أكبر بوابة للبضائع الصينية إلى الولايات المتحدة- من مركز يعج بالنشاط إلى محطة شبه فارغة.
هذا التباطؤ في النشاط أدى إلى توقعات من شركة الاستشارات البحرية “دريوري” بأن حجم شحن الحاويات عالميًا سينخفض بنسبة 1% في عام 2025، وهو ما سيكون التراجع الثالث منذ عام 1979.
تشير بيانات ميناء لوس أنجلوس إلى انخفاض كبير بنسبة 35% في البضائع الصينية، مع توقف شبه تام للشحنات القادمة من الصين.
وتوقع الميناء انخفاض النشاط بشكل أكبر في الأسبوع الذي يبدأ في 4 مايو 2025، مع تراجع بنسبة 11% مقارنة بالأسبوع الحالي.
ميناء لوس أنجلوس، الذي يمثل شريانًا اقتصاديًا حيويًا للولايات المتحدة، يعد نقطة وصول أكثر من 20% من إجمالي البضائع المستوردة إلى البلاد. وعليه، فإن أي خلل في نشاطه يؤثر ليس فقط على الاقتصاد الأمريكي، بل على حركة التجارة العالمية بأسرها.
عدد الحاويات المجدولة (أسبوعيًا) في ميناء لوس أنجلوس: |
|
الفترة الزمنية (الأسبوع الذي يبدأ بتاريخ) |
عدد الحاويات المجدولة (بالألف) |
13 أبريل |
110 |
20 أبريل |
115 |
27 أبريل |
90 |
4 مايو |
80 |
وقد امتدت آثار الرسوم الجمركية إلى باقي الموانئ الأمريكية، حيث انخفضت حجوزات الحاويات القياسية بنسبة 45% بحلول منتصف أبريل 2025 مقارنة بعام 2024.
كما ألغت شركة “هاباغ-لويد” الألمانية 30% من شحناتها المتجهة إلى الولايات المتحدة، ما يعكس حالة من القلق والاضطراب في الأسواق العالمية بسبب النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين
هذه الظاهرة ليست جديدة، فقد حدثت خلال فترة رئاسة “دونالد ترامب” في عام 2018 عندما بدأت الولايات المتحدة بفرض تعريفات جمركية على الواردات الصينية، ما أدى إلى تراجع حركة التجارة وزيادة الإبحارات الفارغة.
ووفقًا لشركة “دريوري”، فإن واردات الولايات المتحدة من الصين قد تنخفض بنسبة 40% إذا استمرت الرسوم الجمركية الحالية، وهو ما يعكس تقليصًا كبيرًا في حجم التجارة بين البلدين .
وفي ظل استمرار أزمة الرسوم الجمركية، حذر تجار التجزئة من أن المستهلكين الأميركيين قد يواجهون رفوفًا فارغة في المتاجر واضطرابات في سلاسل الإمداد، مشابهة لتلك التي شهدها العالم خلال جائحة كورونا.
وقد بدأ تجار التجزئة بالفعل في إلغاء شحناتهم من البضائع الصينية، ما يهدد بنفاد المخزون في غضون 6 إلى 8 أسابيع.
من المتوقع أن تؤدي الرسوم الجمركية إلى ارتفاع إضافي في أسعار الشحن البحري، التي شهدت زيادات كبيرة في السنوات الأخيرة. كما توقعت شركة “أبولو جلوبال مانيجمينت” حدوث ركود اقتصادي كبير في الولايات المتحدة بحلول صيف 2025 إذا استمرت هذه السياسات.
على الصعيد العالمي، تراجعت توقعات نمو الاقتصاد العالمي لعام 2025 من 3.0% إلى 2.7%، وهو ما يعكس المخاوف من استمرار النزاع التجاري وتأثيراته السلبية على الاقتصاد العالمي.
بينما تبحر السفن فارغة وتجاهد سلاسل الإمداد للبقاء، تبقى الأسواق على حافة الهاوية، معلقة على نتائج المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والصين. هذه المفاوضات قد تكون العامل الحاسم في تحديد مسار التجارة العالمية في السنوات القادمة، في ظل تصاعد التوترات الاقتصادية والجمركية.