توشيبا .. سنوات الفضائح والإخفاق تنتهي بمغادرة بورصة طوكيو بعد 74 عامًا
منذ فترة ليست بعيدة، كانت المنتجات الإلكترونية التي تصنعها شركة “توشيبا” اليابانية تحظى بتقدير ملايين الأشخاص حول العالم باعتبارها تمثل الصورة المثلى للتكنولوجيا اليابانية.
لكن المجموعة الصناعية تعرضت لسلسلة من الفضائح والأزمات خلال السنوات الأخيرة، انتهت بمغادرة بورصة طوكيو بعد 74 عامًا من الإدراج، لتبدأ مسارًا غير واضح المعالم
استحواذ محلي وإدارة جديدة
شطبت بورصة طوكيو سهم “توشيبا” من سجلات السوق في العشرين من ديسمبر الجاري، بعد أن أقر مساهمو الشركة في اجتماع عقد في الثاني والعشرين من نوفمبر الماضي حذف السهم من السوق، لتنهي 74 عامًا من كونها شركة عامة
تحولت “توشيبا” إلى شركة خاصة، بعد الاستحواذ على أعمالها من تحالف استثماري بقيادة شركة الأسهم الخاصة اليابانية “جابان إندستريال بارتنرز “
قامت شركة الأسهم الخاصة التي تحمل اختصارًا اسم “JIP” ببناء سجل حافل من خلال اقتطاع أعمال من الشركات الصناعية الكبرى، مثل وحدة الحاسب المحمول من “سوني”، ووحدة الكاميرا من “أوليمبوس”، كما يقودها مصرفي سابق حاصل على ماجستير في إدارة الأعمال من وارتون
وضعت عملية الاستحواذ البالغة قيمتها 14 مليار دولار شركة “توشيبا” تحت سيطرة محلية، بعد خلافات كبيرة مع مستثمرين نشطين في الخارج خلال السنوات الماضية.
ومن المقرر أن يستمر الرئيس التنفيذي الحالي للشركة “تارو شيمادا” في منصبه بعد عملية الاستحواذ
تواصل الحكومة اليابانية مراقبة الوضع في “توشيبا” عن كثب، مع حقيقة أن عدد موظفي الشركة يبلغ نحو 106 آلاف شخص، مع النظر إلى بعض عملياتها باعتبارها مهمة للأمن القومي
وتشمل عمليات “توشيبا” الحالية البطاريات والرقائق والطاقة النووية والدفاع، بعد أن باعت وحدات أخرى خلال السنوات الماضية
تاريخ من الإبداع
تعود جذور “توشيبا” إلى مصنع أنشئ في عام 1875، بعد أقل من عقد من انتهاء العزلة الثقافية والاقتصادية اليابانية
واندمجت شركة “شيبورا” المالكة للمصنع الأول الخاص بالشركة مع “طوكيو إلكتريك” في عام 1939، قبل أن يتم تغيير اسم الكيان الناشئ إلى “توشيبا” في عام 1978
نجحت “توشيبا” في تجاوز الاضطرابات الناتجة عن الحرب العالمية الثانية، قبل أن تكتسب شعبية ونجاحاً كبيرين مع بزوغ نجم الاقتصاد الياباني الذي أصبح آنذاك ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة
تمتلك “توشيبا” تاريخاً طويلاً من الإبداعات، حيث طورت عشرات المنتجات الإلكترونية الجديدة، ما يشمل أول تلفاز ملون وغسالة وثلاجة في اليابان
وأصبحت الشركة اليابانية بمثابة علامة تجارية عالمية موثوقة، حيث عُرفت بأجهزة التلفاز والحاسب الآلي المحمولة الخاصة بها
وسّعت “توشيبا” أعمالها لتصبح تكتلاً ضخمًا يعمل في صناعات أشباه الموصلات والطاقة النووية
أزمات وفضائح
لكن رحلة نجاح المجموعة اليابانية وصلت إلى نقطة تحول منذ 8 سنوات تقريبًا، بسبب مشاكل إدارية ضخمة
بدأت أزمات “توشيبا” في الظهور منذ عام 2015، بعد الكشف عن احتيال محاسبي تضمن مبالغة مسؤولي الشركة في تقدير أرباحها لمدة سبع سنوات بإجمالي 1.59 مليار دولار
كما كشفت الشركة عن المزيد من المخالفات المحاسبية في عام 2020، بالإضافة إلى وجود ادعاءات تتعلق بالحوكمة وطريقة اتخاذ قرارات المساهمين
أشار تحقيق صدر عام 2021 إلى أن “توشيبا” تواطأت مع وزارة التجارة اليابانية لقمع مصالح المستثمرين الأجانب، باعتبار الشركة أصلاً استراتيجياً
لم تتوقف مشاكل “توشيبا” عند هذا الحد، حيث شهد عام 2017 تعرض وحدة الطاقة النووية الأمريكية التابعة للشركة “وستنجهاوس” إلى الإفلاس، ما أدى إلى تجاوز الديون لإجمالي الأصول في ذلك العام
تسبب إفلاس “وستنجهاوس” في معاناة “توشيبا” من انهيار أعمالها النووية، بالإضافة إلى التزامات تتجاوز 6 مليارات دولار
ولمعالجة هذا الخلل بين الديون والأصول، اختارت “توشيبا” قبول الأموال من المستثمرين النشطين في الخارج
لكن تدخل المستثمرين الخارجيين تسبب في مشاكل جديدة بالنسبة لـ”توشيبا”، ما يشمل خلافات كبيرة حول مسار الأعمال
اضطرت “توشيبا” لبيع وحدات التلفاز وأجهزة الحاسب الآلي والأنظمة الطبية الخاصة بها، مع فصل أعمال وحدة أشباه الموصلات والمعدات الطبية
انخفضت المبيعات الإجمالية لمجموعة “توشيبا” بمقدار 50% تقريبًا على مدى الثماني سنوات الماضية
كما وصل هامش الربح التشغيلي لـ”توشيبا” إلى 3% في السنة المالية 2022، ما يعتبر أقل من هامش ربح شركات “هيتاشي” و”سوني” البالغ 7% و10% على الترتيب
شهدت الشركة اليابانية قدرًا كبيرًا من الجدل حول ما إذا كان ينبغي تقسيم الشركة إلى وحدات أصغر، حيث أعلنت خططاً لتقسيم أعمالها إلى ثلاث شركات منفصلة، قبل أن تفشل هذه الخطط لاحقاً
شكلت “توشيبا” لاحقًا لجنة لاستكشاف ما إذا كان من الممكن تحويلها إلى شركة خاصة
ماذا ينتظر العملاق الياباني؟
و من غير الواضح كيف يخطط الملاك الجدد لتغيير نموذج أعمال “توشيبا”، لكن رئيسها ذكر أن الخدمات الرقمية ذات الهامش المرتفع ستكون موضع تركيز
بدأت “توشيبا” بالفعل تحركات جديدة بعد إقرار عملية الاستحواذ، حيث تعاونت مع شركة “روم” لاستثمار 2.7 مليار دولار في مرافق التصنيع لإنتاج رقائق للطاقة مستخدمة في السيارات الكهربائية وغيرها من المنتجات
كما ذكرت الشركة أنها ستركز أيضًا على مجالات النمو مثل البنية التحتية الاجتماعية وتكنولوجيا الكم
و قالت “أولريك شيدي” أستاذة الأعمال اليابانية في جامعة كاليفورنيا إن “توشيبا” بحاجة إلى الخروج من الأعمال ذات هامش الربح المنخفض، وتطوير استراتيجيات تجارية أفضل لبعض تقنياتها المتقدمة
ذكرت تقارير أنه من المرجح إعادة إدراج “توشيبا” في سوق الأسهم في غضون خمس سنوات تقريباً، ما سيتطب استعادة ثقة المستثمرين
بينما يرى محللون أن فصل الأعمال وليس الطرح العام الأولي، هو الطريقة الأكثر جدوى في الفترة المقبلة بالنسبة للشركة
قال “داميان ثونغ” رئيس أبحاث اليابان في “ماكواري كابيتال سيكيوريتيز” إن الطرح العام الأولي لشركة “توشيبا” مستقبلاً سيكون صعباً دون خطة نمو مقنعة تنطوي على توسع عالمي
يرى “أوساناي أتسوشي” الأستاذ في كلية “واسيدا” للأعمال إن “توشيبا” لم يكن أمامها خيار سوى شطب أسهمها من بورصة طوكيو، مع ميل حاملي الأسهم إلى البحث عن المكاسب قصيرة الأجل، في الوقت الذي يحتاج فيه المديرون إلى وضع استراتيجيات طويلة
يعتقد “أتسوشي” أنه إذا تمكنت إدارة الشركة اليابانية من وضع استراتيجية ناجحة، فيمكن إعادة إحياء “توشيبا”، مع حقيقة أنها لا تزال تمتلك تقنيات تنافسية في كل من البرامج والأجهزة
لكن التحدي الأبرز أمام الشركة اليابانية في الفترة المقبلة يتمثل في محاولة الموازنة بين سداد الديون من جانب والاستثمار من جهة أخرى