الاقتصادية

سوق السندات.. أداة ضغط فعّالة ضد قرارات ترامب

في الثامن من أبريل الجاري، أي قبل يوم واحد من إعلان الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” عن تعليق الرسوم الجمركية المرتفعة، كان كبير الاستراتيجيين العالميين السابق لدى “جيه بي مورجان”، “ماركو كولانوفيتش”، قد توقَّع تلك الخطوة بدقة.

وقال “كولانوفيتش” إن توقعاته كانت بناءً على ما وصفه بـ “انهيار سوق السندات”، حيث تهافت المستثمرون على بيع السندات الحكومية، مما أدى إلى انخفاض أسعارها وارتفاع العوائد عليها. ولفت إلى أن هذه السوق تحظى باهتمام بالغ من الإدارة الأمريكية.

في اليوم التالي، جاء إعلان “ترامب” بتعليق العمل بالرسوم الجمركية المرتفعة على جميع الدول – باستثناء الصين – مع تطبيق الحد الأدنى 10% لمدة 90 يومًا.

وأكد “ترامب” أن قراره جاء بعد مراقبته لحالة سوق السندات “شديدة التعقيد” وللذعر الذي انتاب المستثمرين. وأشار أحد مستشاريه إلى أن التقلبات في السوق كانت السبب الرئيسي وراء اتخاذ هذا القرار “العاجل”.

اللافت في هذا السياق هو أن سوق السندات كانت قادرة على التأثير على “ترامب” ودفعه إلى تعديل قراراته التي كانت ستؤدي إلى إشعال حرب تجارية واسعة، في الوقت الذي لم تُثر فيه سوق الأسهم التي تعتبر أكبر حجمًا. فما هو دور هذه السوق بالضبط؟

تُعد سندات الخزانة الأمريكية الأداة الأساسية التي تستخدمها الحكومة الفيدرالية لجمع التمويل عبر الاقتراض في السوق المفتوحة.

وبالمقابل، تُعتبر هذه السندات خيارًا استثماريًا شائعًا، لما تتمتع به من سمعة كأحد الأصول الأكثر أمانًا في العالم، خاصة أن الدولة التي تصدرها تعد القوة الاقتصادية والعسكرية العظمى.

أنواع سندات الخزانة الأمريكية

النوع

نبذة

الأذون

 
– تُصدر بآجال استحقاق قصيرة للغاية (4، 8، 13، 17، 26، أو 52 أسبوعًا).

– تُصدر بخصم وتُسترد بقيمتها الاسمية، ما يجعلها خيارًا استثماريًا منخفض المخاطر.

– يُحسب الفرق كدخل فائدة خاضع للضريبة.

– تتيح للمستثمرين استرداد أموالهم بسرعة وإعادة استثمارها في فرص أخرى.
 

السندات المتوسطة

 
– تُصدر بآجال استحقاق تتراوح بين سنتين و10 سنوات.

– تُدفع الفائدة عليها كل 6 أشهر.

– تتيح للمستثمرين مرونة في التخطيط، حيث يُمكن الاحتفاظ بها حتى تاريخ الاستحقاق أو بيعها في السوق الثانوية.

– تُعفى من ضرائب الولايات والحكومات المحلية، ما يجعلها خيارًا شائعًا للمستثمرين الذين يتطلعون إلى تقليل التزاماتهم الضريبية.
 

السندات الطويلة

 
– تُصدر بآجال استحقاق تزيد على 10 سنوات، وغالبًا ما تكون 30 عامًا.

– تُدفع الفائدة عليها كل 6 أشهر.

– عند تاريخ الاستحقاق، يحصل حامل السند على القيمة الاسمية للسند، ما يجعله مصدر دخل موثوقًا لمن يتطلعون إلى التخطيط للمستقبل.

– مُعفاة من ضرائب الولايات والحكومات المحلية، وحققت أداءً جيدًا تاريخيًا، حتى خلال فترات الركود الاقتصادي.

وبحلول أواخر مارس، بلغ حجم سوق سندات الخزانة الأمريكية 28.6 تريليون دولار، وهو ما يعكس زيادة سنوية تقدر بـ 6.1%.

كما شهدت السوق إصدارات جديدة من الديون وصلت إلى 7.3 تريليون دولار خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام. ورغم أن هذه السوق أقل حجمًا من سوق الأسهم الأمريكية بحوالي 20 تريليون دولار، إلا أنها كانت الأكثر تأثيرًا في سياسة “ترامب” الذي أبدى مرارًا عدم اهتمامه بسوق الأسهم.

32ef7439 38a0 4b52 b6fc f78c936ba8a3 Detafour

تُعد سندات الخزانة من الأصول التي تؤثر بشكل مباشر على استقرار الاقتصاد الأمريكي والعالمي. هي أيضًا أكبر سوق للسندات الحكومية وأكثرها سيولة في العالم، وتشكل معيارًا لأسعار الفائدة على مستوى العالم، كما تُعد مؤشرًا هامًا للتنبؤ بالركود الاقتصادي.

تقوم الحكومة الأمريكية بتمويل عملياتها ونفقاتها عبر إصدار سندات الخزانة، التي تُعد أداة أساسية أيضًا في تنفيذ السياسة النقدية عن طريق شراء أو بيع هذه السندات في السوق المفتوحة.

وتصدر وزارة الخزانة الأمريكية سنداتها عبر مزادات علنية، حيث يتم تحديد الأسعار والعوائد بناءً على العرض والطلب.

تتمثل العوائد في الفوائد السنوية التي يمكن أن يتوقعها المستثمر من استثماره، ويعتبر العائد على سندات الخزانة عادةً أقل من غيرها من الأوراق المالية نظرًا لانخفاض المخاطر المرتبطة بها.

كما أن هناك علاقة عكسية بين أسعار الفائدة وأسعار السندات: عندما ترتفع الفائدة، تنخفض أسعار السندات، ما يؤدي إلى زيادة العوائد.

624626fe 7ff1 4bff 946d f616e20f5935 Detafour

بينما تجاهلت إدارة “ترامب” التصحيح العنيف الذي شهدته سوق الأسهم الأمريكية هذا العام، ولم تعتبره إلا “ألمًا صحيًا” لعلاج مشاكل الاقتصاد، إلا أن زيادة القلق في سوق السندات دفعها إلى تعديل سياستها لإرضاء المستثمرين.

كانت الإدارة تستهدف خفض العائد على السندات لأجل 10 سنوات، في محاولة لتخفيف الأعباء على الأسر الأمريكية المثقلة بالديون وعلى الحكومة التي تعاني من عبء الاقتراض الكبير.

لكن مع تقلبات الأسعار وارتفاع العوائد، بدأت سوق السندات تظهر علامات على فقدان ثقتها كأحد الأصول الآمنة.

بينما كان الذهب يشهد قفزات سريعة في الأسعار، مما يُعتبر مقياسًا لبحث المستثمرين عن بدائل آمنة، بدأت المخاوف تتزايد بشأن مستقبل سوق السندات. وكانت تقلبات الأسعار والعوائد تشكل تهديدًا لسمعة السندات الأمريكية كملاذ آمن، خاصة بعد انخفاض قيمة الدولار.

أدى الضغط من المستثمرين إلى تراجع “ترامب” عن قراراته بشأن الرسوم الجمركية، وتراجعت الإدارة الأمريكية لتجنب حدوث أزمة مالية واسعة.

و يبقى السؤال: هل استوعب “ترامب” الدرس تمامًا؟ أم سيعود مجددًا لسياسات قد تؤدي إلى المزيد من المخاطر الاقتصادية؟

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى