في سوق الأوراق المالية، يُعد التكهن سلاحًا ذا حدين، إذ يمكنه أن يكون دافعًا قويًا لتحريك السوق نحو تحقيق أرباح ضخمة، أو قد يتحول إلى فخ يوقع المتداولين في قرارات غير محسوبة.
ومن بين الأسواق التي تشهد هذه الظاهرة بشكل ملحوظ، يبرز سوق لندن للذهب كمثالٍ بارز على تأثير هذه التكهنات.
تحت الأرض في خزائن ضخمة، يخزن بنك إنجلترا ما يعادل 500 مليار دولار من الذهب نيابة عن الدول والبنوك التجارية والمؤسسات المالية الأخرى.
في الآونة الأخيرة، ومع تكهنات بفرض الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” رسومًا جمركية على الذهب، شهد سوق العقود الآجلة الأمريكي قفزة في الطلب على المعدن الأصفر، مما دفع المستثمرين للاستفادة من الفرص الناشئة في السوق من خلال عملية تُعرف بالـ”آربيتراج”.
على الرغم من الطلب المتزايد على سحب الذهب المخزن في بنك إنجلترا، إلا أن فريقًا مكونًا من 15 موظفًا فقط يتولى عملية استخراج سبائك الذهب التي تزن كل منها 12.5 كجم.
و بسبب الطبيعة غير المنتظمة لهذه العمليات، يصعب توظيف فريق أكبر بشكل دائم، حيث أن تكاليف هذا التوظيف ستكون مرتفعة.
يتم تخصيص كل سبيكة ذهبية لكل عميل بشكل فردي، مما يتطلب من الموظفين البحث في مخزون البنك الذي يحتوي على نحو 420 ألف سبيكة. لذا، يتطلب الأمر تحريك وإعادة ترتيب المنصات في خزائن البنك للوصول إلى السبيكة المطلوبة.
يقع بنك إنجلترا في قلب لندن على طبقة من الطين، ما يمنع من تخزين الذهب على ارتفاعات كبيرة لتجنب خطر انهيار المبنى. ولذلك، يتم تخزين السبائك على ارتفاع لا يتجاوز مستوى الصدر.
في يناير الماضي، شهد بنك إنجلترا أكبر تدفق للذهب منذ عام 2012، حيث سُحِبَ نحو 8.145 ألف سبيكة، بمعدل يصل إلى 370 سبيكة يوميًا. ورغم ذلك، ما زالت هناك تراكمات كبيرة في طلبات السحب التي قد تستغرق أسابيع لتلبية جميعها.
بمجرد تجهيز الطلبية، يتم نقل السبائك عبر شاحنات مدرعة إلى المطارات في ضواحي لندن. حيث يتم شحن الذهب في رحلات تجارية تصل إلى 5 أطنان، ولكن قبل الوصول إلى الأسواق، يتعين عليه المرور عبر سويسرا لتقسيم الشحنات إلى سبائك صغيرة بوزن كيلو جرام واحد. ومن ثم، تُسلم هذه السبائك في بورصة “كومكس نيويورك” عبر العقود الآجلة.
عندما تنحسر الحاجة إلى جلب الذهب إلى الولايات المتحدة، سيعود المعدن الأصفر سريعًا إلى الأسواق الخارجية. وتبدأ السبائك الصغيرة رحلتها مجددًا نحو آسيا والبنوك المركزية، قبل أن تُحوَّل إلى سبائك أكبر وتُعاد إلى خزائن بنك إنجلترا.
تكشف هذه العملية عن الطريقة التي تتحكم بها التكهنات في تحديد حركة الذهب، مما يسلط الضوء على التفاعلات المعقدة في سوق المعادن الثمينة على مستوى العالم.
