تشير تقديرات ماكينزي الحديثة إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يساهم بما يصل إلى 15 تريليون دولار في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2030، وهو ما يعكس التغير الجذري الذي يحدث في مختلف القطاعات الاقتصادية.
فقد أصبح الذكاء الاصطناعي بالفعل جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، حيث يتم استخدامه لتحسين الإجراءات، تبسيط العمليات، وتقديم رؤى جديدة قائمة على البيانات.
ورغم التوقعات الاقتصادية المتفائلة، فإن الأثر الاقتصادي لتبني الذكاء الاصطناعي سيكون تدريجيًا، في البداية بطيء بسبب تكاليف الاستثمار الأولية، ثم سيتسارع مع تقدم المنافسة وتطوير القدرات.
ولكن، هناك مفارقة واضحة تكمن في أن الذكاء الاصطناعي قد يهدد بقدرة الإنسان على التفكير النقدي واتخاذ القرارات المستقلة. إذا استقبلنا هذا الذكاء الاصطناعي دون وعي كامل، قد نعرض أنفسنا للخطر ونتجاهل الصفات التي تميزنا كبشر.
الانتقال من استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة إلى الاعتماد الكامل عليه هو أمر يحدث بسرعة. في عام 2021، أظهرت الأبحاث أن المستخدمين يقبلون المعلومات التي يقدمها الذكاء الاصطناعي دون التدقيق في صحتها أو فهم كيفية عملها.
وفي عام 2023، ثبت أن الذكاء الاصطناعي أصبح يؤثر بشكل كبير في عملية اتخاذ القرارات البشرية، حيث أدى إلى تقليل مستوى التفكير النقدي.
ومع تزايد استخدام الذكاء الاصطناعي، يزداد خطر ما يسمى “الخمول المعرفي”، حيث يقلل الأشخاص من جهدهم الذهني ويتخلى البعض عن التفكير العميق لصالح الراحة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي.
إن التعامل مع هذه التقنيات يتطلب توازنًا دقيقًا. نحن بحاجة إلى ما يسمى “الازدواجية المعرفية”، التي تجمع بين الذكاء البشري الفطري والذكاء الاصطناعي.
من جانب، يتطلب الأمر تعزيز قدراتنا الطبيعية مثل الذكاء العاطفي والإبداع والتفكير الأخلاقي من خلال تعلم العلوم الإنسانية والفنون. ومن الجانب الآخر، يتطلب الأمر أن نفهم كيفية عمل الخوارزميات بشكل جيد لضمان استفادتنا منها بشكل رشيد.
|
مقترحات لتسخير الذكاء الاصطناعي مع الحفاظ على دور العقل البشري |
|
|
التعلم المستمر |
– يتعين على الأفراد الاستثمار في اكتساب أساسيات الذكاء الاصطناعي، والتعرف على الأدوات المتاحة وكيفية استخدامها. – ويمكن الاستفادة من الدورات التدريبية عبر الإنترنت التي تقدم معارفَ مُعمّقة في هذا المجال، مثل التعلّم الآلي، ومعالجة اللغات الطبيعية، والشبكات العصبية. |
|
التكامل بين الذكاء البشري والاصطناعي |
– يمكن تسخير الذكاء الاصطناعي كأداة لتعزيز الإنتاجية، على سبيل المثال، في المساعدة على الكتابة أو توليد الصور. – ومع ذلك، يبقى الإنسان هو صاحب القرار في تحديد الإطار العام والمحتوى، إذ لا يمكن للآلة أن تحل محل الإبداع البشري. |
|
الاستثمار في الإبداع |
– يجب التركيز على تطوير المهارات التي تُميِّز البشر، كالتفكير النقدي، والإبداع الفني، والموسيقى، والكتابة. – تتطلب هذه المهارات صقلاً مستمراً وهي التي تمنحنا التميز في عالم يزخر بالذكاء الاصطناعي. |
|
التعاون مع الذكاء الاصطناعي لا الاعتماد عليه |
– يجب توخي الحذر في استخدام الذكاء الاصطناعي، بحيث لا نسمح له بالتحكم في قراراتنا أو تعريض قدرتنا على اتخاذ قرارات مستقلة للخطر. – بل ينبغي لنا استخدامه كمعين لتحسين أعمالنا اليومية دون أن نفقد قدرتنا على التفكير. |
الفهم العميق لما نحن عليه كبشر، وليس فقط ما نفعله، يمكننا من استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة تعمل في مصلحتنا دون أن تهدد استقلالنا الفكري والإنساني.
كما يجب أن نطبق هذه الأدوات بوعي كامل، مع تعزيز الحواجز الأخلاقية والقيم الإنسانية التي تفتقر إليها الآلات.
إذا تم استثمار الذكاء الاصطناعي بشكل حكيم، فإنه يمكن أن يعزز قدراتنا البشرية. في المجالات مثل الكتابة، يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي مساعدًا في توفير الأفكار والنصوص، ولكن لا بد أن يبقى الكاتب البشري مسؤولًا عن تحديد النبرة المناسبة وإعطاء السياق الضروري.
و في مجالات مثل التمويل، يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل كميات ضخمة من البيانات، ولكن الخبراء البشريون يبقون في موقعهم لتقديم التقييمات الأخلاقية وتحليل المخاطر.
بمواكبة التطور السريع للذكاء الاصطناعي، من الضروري أن نكون يقظين. الاستثمار في تطوير مهاراتنا في فهم الخوارزميات، مع تعميق قدراتنا الإنسانية الطبيعية، هو طريقنا نحو النجاح في المستقبل.
قد يعتقد البعض أن هذه المسؤوليات تضيف عبئًا إضافيًا على المهنيين، ولكن “الازدواجية المعرفية” يمكن أن تساهم في تقليل التوتر الناجم عن العمل الروتيني أو المعالجة غير الفعالة للمعلومات.
ومن خلال تعزيز التنسيق بين الذكاء البشري والاصطناعي، يمكننا الازدهار سويا، بدلًا من مجرد التكيف مع الذكاء الاصطناعي.
كيف يمكننا الاستفادة من الذكاء الاصطناعي مع الحفاظ على دورنا البشري؟ الجواب يكمن في الحفاظ على التوازن بين القدرات البشرية والتكنولوجية.
في النهاية، الذكاء الاصطناعي ليس تهديدًا بقدر ما هو أداة يمكن أن تعزز قدراتنا. إذا نجحنا في دمج الذكاء البشري مع الاصطناعي بشكل حكيم، سنحقق أفضل النتائج ونستفيد من إمكاناتنا بالكامل.
