التوسع الصيني في أمريكا اللاتينية: تحول جيوسياسي قد يغير موازين القوى
يتزايد النفوذ الصيني في الأسواق الناشئة بوتيرة سريعة، خاصة في أمريكا اللاتينية، مما يخلق بيئة مشحونة بالتوترات الجيوسياسية بين القوى العالمية.
الهيمنة الصينية على سلاسل التوريد العالمية للموارد الحيوية، بما في ذلك المعادن الأرضية النادرة، أصبحت محور قلق رئيسي للقوى الغربية، لا سيما في ظل اعتماد تقنيات الطاقة النظيفة والتطور الصناعي.
تعد أمريكا الجنوبية مركزًا غنيًا بالمواد الأساسية المستخدمة في تصنيع المركبات الكهربائية والطاقة المتجددة، مثل الليثيوم والنيكل والكوبالت. وفقًا لتقارير حديثة، تسيطر الصين على حوالي ثلث المعادن الأرضية النادرة عالميًا، وسدس احتياطيات الجرافيت، وثُمن احتياطيات الليثيوم.
وتأتي استثمارات الصين المكثفة في هذه الموارد كجزء من استراتيجية جيوسياسية طويلة الأمد، حيث امتلكت شركات صينية حصصًا كبيرة في منتجي الليثيوم الرئيسيين في تشيلي والأرجنتين، بالإضافة إلى توقيع اتفاقيات تجارة واسعة مع البرازيل.
يشهد قطاع الطاقة النظيفة في أمريكا اللاتينية هيمنة واضحة من الشركات الصينية، حيث تُنتج حوالي 90% من تقنيات الرياح والطاقة الشمسية المستخدمة في المنطقة بواسطة هذه الشركات.
علاوة على ذلك، تسيطر بكين بشكل متزايد على البنية التحتية للطاقة، حيث استحوذت على معظم توزيع الكهرباء في تشيلي، ووسّعت نفوذها في بيرو عبر شراء شركات كبرى لتوزيع الطاقة.
كما أظهرت مبادرة “الحزام والطريق” فعاليتها في تعزيز حضور الصين في المنطقة، حيث وقعت 22 دولة من أمريكا اللاتينية على هذه المبادرة.
وتعد بيرو نموذجًا لهذا التوسع الصيني، إذ باتت تحت السيطرة الكاملة لشبكات الكهرباء المملوكة للصين في العاصمة ليما.
في ظل إدارة بايدن، اعترفت الولايات المتحدة بالخطر الذي يمثله النفوذ الصيني في أمريكا اللاتينية، لكن جهودها لتعزيز سلاسل التوريد الخاصة بالموارد الحيوية ما زالت تواجه تحديات كبيرة.
بينما طورت الصين علاقات تجارية قوية مع دول المنطقة، كافحت واشنطن لمجاراة هذا التقدم، خصوصًا في مجالات استخراج وتنقية المعادن.
من المتوقع أن يشهد عهد ترامب، في حال عودته للرئاسة، تصعيدًا كبيرًا في التوترات مع الصين. تشير التقارير إلى أن ترامب قد يتبنى سياسات أكثر عدوانية تجاه بكين، بما في ذلك فرض رسوم جمركية جديدة وتدابير تجارية صارمة.
مثل هذا النهج، على الرغم من إثارة الجدل، يعكس مخاوف أمريكية من أن استثمارات الصين في المنطقة ليست اقتصادية بحتة، بل تخدم أهدافًا جيوسياسية، مثل عزل تايوان وتعزيز الأنظمة الاستبدادية.
إلى جانب الاستثمار الاقتصادي، عززت الصين علاقاتها العسكرية والدبلوماسية مع دول مثل فنزويلا، التي تعاني من عزلة غربية بسبب العقوبات.
و من خلال تقديم الدعم الاقتصادي وتوسيع التبادل التجاري، تكتسب بكين نفوذًا كبيرًا في هذه الدول، مما يعزز وجودها الاستراتيجي في المنطقة.
في ظل هذه التطورات، يظل التوسع الصيني في أمريكا اللاتينية عاملًا محوريًا يعيد تشكيل العلاقات الجيوسياسية والاقتصادية في المنطقة.
وبينما تسعى الولايات المتحدة للحفاظ على نفوذها، تواجه تحديًا كبيرًا أمام استراتيجية الصين الشاملة التي تجمع بين الاقتصاد، السياسة، والعلاقات العسكرية.