من الأولمبياد إلى السوق: ازدهار الرياضات الشتوية في الصين واقتصادها المُتنامي
شهدت الصين تحولًا غير مسبوق في علاقتها بالرياضات الشتوية، حيث أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياة الملايين، مما أدى إلى إطلاق سوق ضخم بلغ حجمه 181 مليار دولار في عام 2024، مع توقعات قوية باستمرار نموه في السنوات القادمة.
في مشهد غير تقليدي، انطلقت السيدة وانج لين، التي تعتبر مبتدئة في رياضة التزلج، على منحدر في مدينة ووشي، جنوب الصين، حيث لا تسقط الثلوج عادة.
وبفضل المنشآت الحديثة مثل مركز “ووشي بونسكي”، أصبح بإمكان سكان المناطق الجنوبية، الذين اعتادوا على شتاء معتدل، الاستمتاع بالرياضات الشتوية التي كانت تقتصر سابقًا على المناطق الشمالية.
بحلول نهاية عام 2023، بلغ عدد منشآت الرياضات الشتوية في الصين 2,847 منشأة، بزيادة سنوية بلغت أكثر من 16%.
هذه المنشآت لعبت دورًا رئيسيًا في جعل التزلج والرياضات الشتوية في متناول الجميع، بما في ذلك المبتدئين والأطفال في المدن الكبرى مثل شنغهاي وشنتشن.
أسهمت دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين 2022 في إشعال شغف الصينيين بالرياضات الشتوية، حيث جذبت أكثر من 300 مليون شخص للمشاركة في الأنشطة المتعلقة بالجليد والثلج. ا
اليوم، أصبح من الطبيعي رؤية حلبات التزلج مكتظة بالأطفال والكبار حتى في المناطق التي نادرًا ما تشهد تساقط الثلوج.
و في الموسم الماضي، استقبلت الصين أكثر من 385 مليون زيارة شتوية ترفيهية، بزيادة قدرها 38% مقارنة بالعام السابق. وفي مدينة هاربين، التي تعتبر وجهة سياحية شتوية تقليدية، تجاوز عدد الزوار 87 مليونًا، مما أسهم في تحقيق إيرادات قياسية بلغت 124.8 مليار يوان.
مع توقعات بتوسع سوق الرياضات الشتوية في الصين ليصل إلى 1.5 تريليون يوان بحلول 2030، يبدو الاقتصاد الشتوي في الصين فرصة استثنائية لإعادة تشكيل نماذج الأعمال وتعزيز التنمية المستدامة.
كما أسهمت الأحداث الرياضية الكبرى مثل دورة الألعاب الوطنية الشتوية في تحفيز الإنفاق المحلي وتعزيز النمو الاقتصادي.
أصبحت الرياضات الشتوية في الصين نموذجًا للتقدم التكنولوجي والابتكار الصناعي. من خلال تقنيات الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي، تطورت المعدات الشتوية لتصبح أكثر ذكاءً وملاءمة، مثل النعال الذكية التي تقيس الأداء وأحذية التزلج المدفأة، مما يضمن تجربة أكثر أمانًا ومتعة.
اليوم، تنتج الصين مجموعة واسعة من معدات الرياضات الشتوية التي تلبي احتياجات جميع المستويات، من الترفيه إلى الاحتراف.
تعتمد رؤية الصين المستقبلية على إنشاء بيئة رياضية شتوية شاملة، تربط بين المنشآت الداخلية في المناطق الجنوبية والمواقع الطبيعية في الشمال، مما يوفر تجربة رياضية متكاملة على مدار العام.
كما تواصل الحكومة الصينية دعم القطاع من خلال مبادرات مثل إنشاء مسارات جوية جديدة، وتسهيلات التأشيرات، وعطلات مخصصة لجذب الزوار الدوليين.
لم يقتصر تأثير هذه الطفرة على الجانب الاقتصادي فحسب، بل امتد ليشمل الثقافة والمجتمع. تسهم الرياضات الشتوية في تعزيز نمط حياة صحي ونشط، وتجمع العائلات من جميع الأعمار، كما تساهم في إعادة تشكيل الهوية الثقافية للمناطق التي لم تعرف الثلوج يومًا.
و مع استمرار توسع قطاع الرياضات الشتوية في الصين، يبدو أن “الثلج الذهبي” سيصبح أحد الأعمدة الأساسية للاقتصاد الصيني في المستقبل.
و من خلال بنية تحتية متطورة، وابتكار تقني، ودعم حكومي مستمر، تقف الصين على أعتاب عصر جديد من الهيمنة في مجال الرياضات الشتوية على الساحة العالمية.
الرسالة واضحة: الصين ترحب بالجميع، سواء كانوا مبتدئين أو محترفين، للمشاركة في مغامرتها الشتوية المثيرة، مما يعزز مكانتها كلاعب رئيسي في هذا القطاع العالمي المتنامي.