6000 فرصة عمل بـ “ثمن بخس”.. هكذا تخسر الشركات معركة جذب الكفاءات المؤهلة في الشمال

يواجه القطب الصناعي بإقليم الفحص أنجرة، الذي يُعد قاطرة للاستثمار في شمال المغرب، مفارقة تنموية لافتة للنظر: طفرة استثمارية متسارعة تقابلها فجوة مقلقة في الكفاءات المهنية المؤهلة.
هذه الحالة الاستثنائية على المستوى الوطني تتجلى في ارتفاع قياسي للطلب على اليد العاملة يتجاوز بكثير العرض المتوفر من الكفاءات المطلوبة.
وتشير الأرقام الرسمية الصادرة عن الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات (أنابيك) إلى مؤشر بالغ الأهمية، حيث تجاوز عدد مناصب الشغل الشاغرة داخل المنظومة الصناعية بالإقليم حاجز 6000 منصب.
تثير هذه المعطيات الضخمة تساؤلات جدية حول مدى مرونة وقدرة منظومة التكوين المهني المحلية والوطنية على مواكبة السرعة الخارقة للتحولات الاقتصادية التي يشهدها الإقليم.
فالبرامج التدريبية التقليدية تبدو غير قادرة على تلبية الاحتياجات النوعية والدقيقة للمشاريع الاستثمارية الكبرى التي تحتضنها المنطقة، والتي تركز بشكل أساسي على قطاعات استراتيجية وحيوية.
وتكشف التقارير الميدانية أن الشركات العملاقة العاملة في القطاعات الرئيسية مثل صناعة السيارات ومكوناتها، الخدمات اللوجستية والمينائية المتقدمة، النسيج التقني، والمهن التقنية الدقيقة (Précision Engineering)، تواجه صعوبة بالغة ومتزايدة في استقطاب وتوظيف الكفاءات اللازمة.
ويحدث هذا التحدي رغم نسب الإدماج المهني المرتفعة التي حققها الإقليم في صفوف الشباب خلال السنوات الأخيرة، مما يؤكد أن المشكلة لا تتعلق بكمّ الخريجين، بل بنوعية التأهيل وملاءمته لاحتياجات سوق العمل المتطور.
يشدد الفاعلون المؤسساتيون ورؤساء المقاولات على أن جوهر الأزمة يكمن في ضعف ملاءمة (Adéquation) برامج التكوين لمتطلبات المقاولات الحديثة.
وقد تفاقمت هذه المشكلة مع التسارع الكبير للاستثمارات المرتبطة بالمهن الخضراء (Green Jobs) وصناعة المركبات الكهربائية (EV)، وهي مجالات تكنولوجية عالية وتتطلب تأهيلاً متخصصاً وعميقاً ما زال غير متوفر بالقدر الكافي في السوق المحلي.
هذا النقص في الكفاءات المتخصصة يهدد بشكل مباشر قدرة الشركات على تنفيذ خططها التوسعية واعتماد التكنولوجيات الجديدة بكفاءة.
ومع استمرار الطفرة الاستثمارية بخطى أسرع من خطط تطوير الموارد البشرية وتأهيلها، تشير المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية إلى أن فجوة الكفاءات قد تتسع أكثر، مما قد يؤدي إلى تباطؤ في وتيرة النمو الصناعي واستغلال الفرص الاستثمارية بشكل كامل. ه
ذا الوضع يضع القطب الصناعي الفحص-أنجرة أمام تحديات هيكلية كبرى تستدعي من مختلف الجهات المعنية -الحكومة، منظومة التكوين، والمستثمرين- اتخاذ إجراءات عاجلة وفورية.
يجب أن تركز هذه الإجراءات على إعادة هندسة شاملة لبرامج التكوين المهني لتصبح أكثر استجابة ودينامية، وتطوير شراكات استراتيجية مع القطاع الخاص لإنشاء مراكز تكوين متخصصة “على المقاس”، وإطلاق حملات تأهيل متقدمة ومكثفة تهدف إلى إعادة التوازن بين العرض والطلب على اليد العاملة المؤهلة، لضمان استدامة وجاذبية النمو الصناعي في هذه المنطقة الواعدة.




