الاقتصادية

هل تُعكس أرقام النمو في الجزائر حقيقة الأداء الاقتصادي؟ وهل تُبالغ الجزائر في أرقامها الاقتصادية؟

الطريقة الغريبة التي يتم بها احتساب الناتج الداخلي الخام في الجزائر تثير الكثير من الجدل، حيث يتم استخدام حسابات غير مألوفة بما في ذلك احتساب القطاع غير المهيكل واعتماد سعر صرف “مصطنع”.

و بناءً على هذه الطريقة، أعلن النظام الجزائري عن تضاعف ثروة البلاد بحلول عام 2027، وهذا يعني في غضون خمس سنوات فقط.

ومع وجود هذا الارتفاع الكبير الذي لا يعكس تطورًا حقيقيًا في هيكل الاقتصاد الجزائري، هناك بعض الحقائق التي تشير إلى عدم صحة هذا “الإنجاز”.

و بناءً على التقديرات، ارتفع الناتج الداخلي الخام للجزائر من 187 مليار دولار، وهو الرقم الذي أعلنه صندوق النقد الدولي، إلى 225 مليار دولار وفقًا لتصريحات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في 5 أغسطس. ومن ثم، زاد إلى 233 مليار دولار حسبما صرح أيمن بن عبد الرحمان، الوزير الأول السابق، في 17 سبتمبر 2023.

ومن المتوقع أن تصل الثروة التي ينتجها الاقتصاد الجزائري إلى 273 مليار دولار في عام 2024، وهذا يعني زيادة بنسبة 46% خلال ثلاث سنوات فقط، دون أي تغيير هيكلي في الاقتصاد.

هذا النمو السريع جعل الجزائر واحدة من أقوى الدول في إفريقيا، إذ أصبحت ضمن أعلى ثلاث دول من حيث الناتج الداخلي الخام، تفوقاً حتى على نيجيريا.

ورغم التفاؤل الذي أعرب عنه تبون بخصوص مستقبل الجزائر الاقتصادي، فإن الإعلانات المتكررة عن هذه الزيادات القياسية للناتج الداخلي الخام لا تقوم على أسس واقعية.

تحديد الناتج الداخلي الخام يعتمد على إنشاء الثروة خلال عام واحد، وهو يستند على القيم المضافة لجميع القطاعات الاقتصادية، مع إضافة الضرائب والرسوم وخصم الدعم على الواردات.

ومع ذلك، يجب مراعاة التغيرات في الأسعار وسعر صرف العملة لتقييم النمو الحقيقي، وقد تكون الزيادات المعلنة في الناتج الداخلي الخام نتيجة لتلاعب في الإحصائيات وسعر الصرف.

و يبدو أن هذا النمو القوي في الناتج الداخلي الخام للجزائر لا يعكس واقعياً تحسناً هيكلياً في الاقتصاد، بل قد يكون نتيجة لتلاعب في البيانات والتقديرات المالية.

اكتشافات نفطية وغازية جديدة.. هل ترهن اقتصاد الجزائر للمحروقات؟ |  Maghrebvoices

أمام الجدل المثار حول الزيادة المفاجئة في الناتج الداخلي الخام للجزائر، قامت السلطات الجزائرية بتوضيح أن الارتفاع الكبير في الناتج الداخلي لعام 2022 يعود إلى تغيير في السنة المرجعية للحسابات، دون الكشف عن الطريقة المستخدمة في الاحتساب.

ويمكن أن يكون تغيير السنة المرجعية للحسابات فرصة لإدخال تحسينات في قياس النشاط الاقتصادي أو تصحيح الأخطاء في التقديرات السابقة، مما يؤدي طبيعياً إلى زيادة في الناتج الداخلي الخام.

بناءً على هذا التفسير، قامت الجزائر بتغيير السنة المرجعية لحساب الناتج الداخلي الخام من عام 1989 إلى عام 2001، مما أدى إلى قفزة في الناتج الداخلي بشكل آلي.

وبعد ذلك، في سبتمبر 2023، قررت السلطات الجزائرية إعادة تقييم حساب الناتج الداخلي الخام دون الكشف عن الطريقة المستخدمة، مما أدى إلى زيادة الناتج الداخلي من 187 مليار دولار في عام 2022 إلى 233 مليار دولار، أي زيادة بنسبة 46%.

وفي أعقاب هذا التغيير، أعلنت الوزيرة المحافظة السامية للرقمنة في ديسمبر 2023 عن تغيير جديد في السنة المرجعية لعام 2024، مع تحولها إلى سنة 2011، بهدف تحسين الحسابات الاقتصادية الوطنية.

وهذا يتماشى مع توصيات اللجنة الإحصائية للأمم المتحدة بإعادة تقييم الحسابات الوطنية كل خمس سنوات تقريباً. ويفسر هذا التغيير الجديد الزيادة المتوقعة في الناتج الداخلي الخام لعام 2024 بقيمة 165 مليار دولار.

ومع ذلك، حتى بعد هذه التغييرات، لا يزال هناك جدل حول مصداقية الأرقام المعلنة. يشير الخبراء إلى أن أخذ القطاع غير المهيكل بعين الاعتبار واستخدام سعر صرف مصطنع للدينار مقابل الدولار قد أدى أيضاً إلى تضخيم الناتج الداخلي الخام.

فعلى سبيل المثال، تم تضمين جزء من الاقتصاد غير المهيكل بقيمة 90 مليار دولار في حسابات الحكومة، مما أدى إلى زيادة الناتج الداخلي بشكل اصطناعي.

وبالإضافة إلى ذلك، يؤدي استخدام سعر صرف مصطنع للدينار مقابل الدولار إلى تشويه احتساب الناتج الداخلي الخام. ففي السوق الموازية، يبلغ سعر الصرف حوالي 222 ديناراً للدولار الواحد، بينما يبلغ سعر الصرف الرسمي 134 ديناراً، مما يؤدي إلى تقليل قيمة الناتج الداخلي الخام بشكل كبير.

و يظل النقاش مستمراً حول مصداقية الأرقام المعلنة وطرق حساب الناتج الداخلي الخام، مما يستدعي إجراءات تصحيحية لضمان دقة البيانات ومصداقيتها.

ZCWRZW6UC5DRNOCQEOK25A43PM Detafour

و يظهر تأثير سعر الصرف المصطنع بوضوح في نيجيريا، التي تتصدر الآن قائمة الدول الأكثر ثراء في إفريقيا متفوقة على الجزائر. تشهد نيجيريا فجوة كبيرة بين سعر الصرف الرسمي وسعر السوق الموازية.

ومن خلال خفض قيمة العملة لمواءمة الأسواق، ارتفع سعر الصرف من 460 نيرة مقابل الدولار في يونيو 2023 إلى 840 نيرة في نوفمبر 2023، وصعد إلى 1611 نيرة في فبراير 2024.

بالرغم من أن هذه التعديلات العملية على قيمة العملة قادت إلى مواءمة أسعار الصرف، فقد أثر ذلك على الناتج الداخلي الخام للبلاد عند تعبيره بالدولار، وأدى إلى تراجع مرتبة نيجيريا من القوة الاقتصادية الأولى إلى الرابعة في إفريقيا.

ومن الواضح أن هذا التأثير، الذي يتمثل بالنيرة، أدى إلى زيادة الناتج الداخلي الخام لنيجيريا من 202.4 تريليون نيرة في عام 2022 إلى 296.4 تريليون نيرة في عام 2024.

وباستمرار سعر الصرف على مستوى مصطنع (كما في الجزائر)، يمكن توقع أن يصل الناتج الداخلي الخام لنيجيريا إلى 644 مليار دولار في عام 2024، مما يحافظ على مكانتها كأكبر اقتصاد في القارة الإفريقية.

و تظهر هذه التلاعبات بسعر الصرف بوضوح أن الزيادة الكبيرة في الناتج الداخلي الجزائري لا تعكس تحولاً حقيقياً في السياسات الاقتصادية.

و يبقى الاقتصاد الجزائري معتمداً بشكل أساسي على صادرات النفط والغاز، حيث تأتي أكثر من 95% من إيرادات الصادرات من هذه القطاعات. ورغم الفشل في تنويع الاقتصاد وتحسين السياسات الصناعية، فإن السلطات الجزائرية تواصل استخدام عائدات النفط والغاز لدعم السلم الاجتماعي ولا تتبنى رؤية استراتيجية لتحويل الاقتصاد.

وبالتالي، فإن الزيادة الكبيرة في الناتج الداخلي الجزائري لا تعكس نمواً اقتصادياً حقيقياً، بل تعتمد على تلاعب بالأرقام وتقنين سعر الصرف واعتماد سياسات اقتصادية ريعية.

بالإضافة إلى ذلك، يتعين التركيز على تحقيق النمو الاقتصادي الحقيقي من خلال زيادة القيمة المضافة للإنتاج وتقليل معدلات البطالة.

ويجب أيضاً التحكم في التضخم الذي يظل مرتفعاً، إذ بلغ 9.3% في عام 2023. وتضع الزيادة المتوقعة في الناتج الداخلي الجزائري إلى 400 مليار دولار في عام 2027 مسؤولية كبيرة على السلطات لتحقيق نمو اقتصادي حقيقي وتحسين الظروف الاقتصادية للمواطنين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى