ناخبون أمريكيون قلقون من فكرة بقاء ترمب رئيساً إلى الأبد
مع اقتراب الجولة الثانية من المواجهة الانتخابية بين جو بايدن ودونالد ترمب، بدأ المتخصصون في السياسة يرصدون قلقاً غير اعتيادي في أوساط الناخبين المترددين، فهم يخشون أن ترمب، إن عاد إلى البيت الأبيض، قد يرفض تركه حين تنتهي ولايته.
لمس نائب رئيس مؤسسة “ديفيد بيندر” للبحوث سيجي كاربنتر هذه الخشية في مطلع أبريل حين كان يدير مجموعات تركيز تضمّ أناساً صوتوا لبايدن في 2020 لكن أملهم خاب لذا يفكرون بالانتقال إلى الطرف الآخر. قال كاربنتر: “كنا تحدثنا إلى رجال من أصول لاتينية وسيدات من أصول آسيوية من جزر المحيط الهادئ سينتخبون في ولايات حاسمة، وقد سألوا مباشرة عما قد يحصل في حال رفض ترمب ترك السلطة”.
سلالة حاكمة
يعمل كاربنتر منذ عقد في إدارة مجموعات تركيز لصالح الحزب الديمقراطي، لكن لم يسبق أن صادف مثل هذه المخاوف في أي من الدورات الانتخابية السابقة. قال: “هذا ليس أمراً كنا نعمل على قياسه، لكن ما رأيناه حتى الآن يؤشر إلى وجود مخاوف حقيقية”.
لمس الخبراء الاستراتيجيون الجمهوريون الأمر نفسه. قالت سارة لونغويل، الرئيسة التنفيذية لشركة “لونغويل بارتنرز” (Longwell Partners) وناشرة الموقع الإلكتروني المحافظ (Bulwark): “يظهر هذا الأمر في مجموعات التركيز لدينا… حتى إنه حصل قبل بضعة أيام فقط”.
شاركت لونغويل مقطعاً مصوراً يسجل تعامل مجموعة من الناخبين المترددين في إحدى الولايات المتأرجحة حين سُئلوا إن كان يراودهم قلق من أن ينتهك ترمب التعديل الدستوري الذي يسمح له بتولي الرئاسة لولاية واحدة إضافية إن فاز بانتخابات نوفمبر.
سأل مدير الجلسة الحاضرين: “هل يعتقد أحدكم أنه لن يلتزم بالتعديل الدستوري رقم 22 ويغادر منصبه بعد انتخابات 2028؟ هل يتخوف أحدكم من ذلك؟” فرفع سبعة من أصل ثمانية مشاركين أيديهم إيجاباً. حتى إن رجلاً من بنسلفانيا أعرب عن قلقه من أن يذهب ترمب أبعد من ذلك ويسعى لإنشاء سلالة حاكمة. قال: “لا أستبعد ذلك، بالأخص أنه يسيطر الآن على اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري… قد يتولى دون جونيور الولاية التالية، وهو يحق له بولايتين، ثم يخلفه بارون فيتولّى ولايتين أخرتين، سيصبح لدينا نظام وراثة مزيف”.
بقدر ما يبدو بعيداً عن الواقع، فإن احتمال أن يخالف ترمب النص الدستوري الذي يسمح للشخص بتولي الرئاسة مرتين فقط أو أن يتجاهل هذا النص بكل بساطة، يدفع بعض الناخبين المترددين نحو بايدن. وذلك على الرغم من تحفظاتهم تجاه الرئيس الحالي، سواء بسبب عمره أو بشأن الاضطرابات في الشرق الأوسط أو ارتفاع معدلات التضخم.
يعمل اليوم الخبراء الاستراتجيون في الحزبين على تقصي مدى انتشار هذه المشاعر، بالأخص في أوساط الناخبين المترددين الذين يرجّح أن يكونوا عاملاً أساسياً في حسم نتيجة الانتخابات.
“آخر انتخابات حرة”
يظهر أن استفزازات ترمب هي التي تغذي المخاوف من تمسكه بالرئاسة إلى الأبد. ولعل أعمال الشغب في مبنى الكابيتول في 6 يونيو 2021 أوضح دليل على ذلك، فقد حاول مؤيدو ترمب بتشجيع منه أن يعطّلوا المصادقة على نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020 من أجل إبقائه في سدّة الرئاسة. ولاحقاً، دعا ترمب من خلال منشور عبر وسائل التواصل الاجتماعي في 2022 لـ”إبطال” أجزاء من الدستور رداً على التزوير الانتخابي الذي زعم زوراً أنه حصل في 2020.
في ديسمبر، دعا شون هانيتي، الذي يستضيف برنامجاً على قناة “فوكس نيوز”، الرئيس السابق ليحاول التخفيف من مخاوف الناخبين تجاه تبنيه لخطاب سلطوي. بدل أن يفعل ترمب ذلك، أجاب بأنه سيكون “ديكتاتوراً” في أول يوم من ولايته الرئاسية فقط. ثم شرح في مقابلة مع صحيفة “تايم” أن تعليقه هذا كان مجرد مزحة، لكنه أضاف أنه يعتقد أن “كثيراً من الناس أحبوا ذلك”.
فيما تلهب تلميحات ترمب حول تجاوز الصلاحيات الرئاسية حماسة كثير من مؤيديه، إلا أنها مصدر قلق لدى ناخبين آخرين، من ضمنهم بعض من دعموه في ما مضى.
لوري ماكامون جدة من بلدة ألما في ويسكونسن صوتت لترمب في 2016 لكنها تراجعت عن تأييده بسبب تصريحاته الأخيرة، ولن تصوّت له في نوفمبر. فقد أعربت عن قلقها من ألا يتنازل ترمب عن السلطة في حال إعادة انتخابه. وقالت: “استناداً إلى ما سمعته منه ومن أشخاص أمثال ستيف بانون، ستكون هذه آخر انتخابات حرة ونزيهة لنا”.
تأثير قرارات المحكمة العليا
يقول الخبراء الاستراتيجيون والمتخصصون في الإحصاءات إن كثيراً من الناخبين غير الملتزمين حزبياً لا يجدون لغة ترمب ظريفة أو ساخرة، ولا يرون في احتمال الاستيلاء على السلطة أمراً مضحكاً.
وقال أخصائي الاستطلاعات براين بينيت لدى شركة “نافيغيتر ريسرتش” (Navigator Research) المؤيدة للديمقراطيين: “حين نسأل عن سجله على صعيد الديمقراطية، نلاحظ كثيراً من القلق حتى في أوساط الجمهوريين حيال ما ستكون عليه ولاية ترمب الثانية”. يظهر هذا القلق جلياً أيضاً في أوساط الناخبين غير الديمقراطيين من خلال الاستطلاعات العامة. فقد وجد استطلاع جامعة كوينيبياك أن 21% من الناخبين المستقلين، و8% من الناخبين الجمهوريين اعتبروا أن “الحفاظ على الديمقراطية في الولايات المتحدة” أهم قضية تواجهها البلاد.
يجلب التخوف من أن يقوم ترمب بأمر غير مسبوق ليقوّض الديمقراطية، متغيراً جديداً إلى السباق الذي كان ليبدو مألوفاً لولاه بين المرشحين غير المحبوبين اللذين سبق أن تواجها. قال عدّة متخصصين في المقابلات مع الناخبين إنهم رصدوا تحولاً جوهرياً في الطريقة التي ينظر فيها الأشخاص إلى دوافع ترمب ونواياه مقارنة مع الساسة الآخرين.
قال كاربنتر، مدير مجموعة التركيز: “عادة، حين نشير إلى مخاوف حيال أجندة أحد المرشحين، يشكك الناس ويجنحون لإجراء بحوثهم الخاصة أولاً أو يعتبرون ذلك هجوماً، لكن هذا لا ينطبق على ترمب. فالناخبون يعتقدون أنه سيحاول إلغاء القيود التي تحدد الفترة الرئاسية، ويعتريهم القلق حيال ما قد يحدث”.
انطلاقاً من المحادثات مع الناخبين غير الملتزمين حزبياً، توصّل كاربنتر إلى استنتاج بأن هذا التحوّل في الآراء يعزى إلى ما هو أبعد من أحداث 6 يناير وخطابات ترمب التحريضية، إذ يعود جزء كبير منه إلى عامل أقل بروزاً، هو المحكمة العليا. فقرارها الصادر في 2022 الذي قضى بإلغاء حكم “رو ضد وايد” وبالتالي إلغاء حق النساء الدستوري بالإجهاض دفع الناخبين نحو التفكير أكثر بالأمور الأخرى التي يعتبرونها من المسلّمات، والتي يمكن أن يطرأ عليها تغيير أو تلغى من أساسها. قال كاربنتر: “ازداد حجم ما يمكن اعتباره تهديداً حقيقياً بسبب رو… منذ ذلك القرار بدأت تسمع الناخبين يقنعون أنفسهم بالتخلي عن النظر لأمر ما على أنه بعيد عن الواقع”.
خشية ترمب فائدة لبايدن
أظهرت معظم استطلاعات الرأي الجديدة تقدم ترمب على بايدن، بما يشمل ستاً من سبع ولايات حاسمة، بحسب آخر استطلاع رأي لبلومبرغ نيوز مع “مورنينغ كونسلت”. ويسعى الديمقراطيون جاهدين لاستغلال أي نقطة ضعف محتملة لدى ترمب، وربما يعمدون لتضخيم المخاوف حيال احتمال استيلائه على السلطة.
كانت المجموعة الليبرالية “برايوريتيز يو إس إيه” (Priorities USA) طلبت أخيراً من 1500 ناخب محتمل في ثماني ولايات حاسمة تصنيف أكثر من عشرين خطاباً وسياسة لترمب من “الأكثر” إلى “الأقل” إثارة للقلق. وأظهرت النتائج التي تُنشر للمرة الأولى أن تصريح ترمب حول كونه “ديكتاتوراً” ودعوته لانتهاك الدستور كانت “الأكثر إثارة للقلق” بين كافة الخيارات المقترحة.
قال نيك أهاميد، نائب مدير “برايوريتيز يو إس إيه” التنفيذي: “في نهاية المطاف، نتوقع أن ما سيحسم الانتخابات هو الخيار الواضح الذي سيضطر الناخبون لاتخاذه في ما يخصّ الإجهاض والاقتصاد وحماية الديمقراطية… وعد ترمب بالديكتاتورية سيؤثر على كل من هذه القضايا في حال انتخابه”.
يتفق كثير من الخبراء الاستراتيجيين الجمهوريين مع هذا الرأي. وقال أخصائي استطلاعات رأي جمهوري غير مرتبط بأي جهة طلب عدم الكشف عن اسمه لتجنب إغضاب حملة ترمب إن “هذا ما تراهن عليه حملة بايدن… في نهاية المطاف، سيتملّك الخوف الناس حيال ما ستكون عليه ولاية ترمب المقبلة ما سيدفعهم نحو بايدن”.
بعد أشهر من تعمّد الصمت، قال ترمب أخيراً في مقابلة مع مجلة “تايم” في أبريل إنه لن يتولى الرئاسة إلا لفترتين رئاسيتين فقط. لكن ذلك لم يطمئن معارضيه من أمثال أهاميد الذي أشار إلى الجهود المنظمة التي تبذلها “مؤسسة هيريتج” (Heritage Foundation) وغيرها من الهيئات المؤيدة لترمب من أجل توسيع صلاحيات الرئيس جذرياً. وكانت مجلة “أميركان كونسيرفاتيف” (American Conservative) المحافظة نشرت مقالاً في مارس دعت فيه إلى إبطال التعديل 22 للدستور”، واعتبرت أنه يفرض “قيوداً تعسفية على الرؤساء الذين يتولون فترات رئاسية غير متتالية وعلى الديمقراطية بحدّ ذاتها”.
مساعٍ فشلت
ثمة تاريخ طويل لمحاولات إبطال هذا التعديل الدستوري. فقد تمت المصادقة على التعديل رقم 22 عام 1951، ويعود ذلك بشكل أساسي إلى انتخاب الرئيس الديمقراطي فرانكلين روزفلت لأربع ولايات متتالية، وهو أمر لا سابقة له أثار مخاوف حينئذ من أن يكتسب الرؤساء الذين يبقون في مناصبهم لفترات طويلة صلاحيات واسعة جداً، ما قد يقوّض مبادئ الديمقراطية.
أثار التعديل لاحقاً استياء عدد من الرؤساء الشعبيين ومؤيديهم في الحزبين. عام 1987، قال رونالد ريغان في مقابلة تلفزيونية مع ديفيد فروست إنه يرغب في “إطلاق تحرك” من أجل إبطال التعديل الذي رأى أنه ينتقص من حق المواطنين “بالتصويت إلى شخص ما قدر ما يريدون”.
كان أعضاء ديمقراطيون في مجلس النواب تقدموا بمشروع قانون لإبطال التعديل 22 خلال ولاية بيل كلينتون، ثم مجدداً في عهد باراك أوباما، ولكن المشروعين لم يحققا أي تقدم.
تعديل الدستور أمر بالغ الصعوبة، يتطلب تصويت أغلبية الثلثين في مجلسي النواب والشيوخ أو انعقاد مؤتمر دستوري بدعوة من ثلثي الهيئات التشريعية في الولايات، على أن يتم التصديق بعدها على أي تعديل من ثلاثة أرباع الولايات. حتى أشد مؤيدي ترمب لا يرون أن هذا السيناريو واقعي، ويعتبرون أن الحديث عن إبطال التعديل يهدف بالأساس إلى إغاظة منتقدي الرئيس السابق.
قال بانون: “الغاية من ذلك كليةً هي إزعاج الليبراليين… سيكون صعباً جداً إقناع الولايات بالموافقة على التعديل، مع أن البعض في تجمع (اجعل أميركا عظيمة مجدداً) سيسعدون إذا فعلنا ذلك”.
مع ذلك، يطرح احتمال محاولة ترمب إلغاء القيود على الفترات الرئاسية في حال إعادة انتخابه في نوفمبر تهديداً جدياً بالنسبة لجزء لا يستهان به من الناخبين، على الرغم من نفيه ذلك. ويبدو أن ذلك يدفعهم نحو بايدن.
أظهر استطلاع من “أن بي سي نيوز” مع “بابليك أوبينيون ستراتيجيز” (Public Opinion Strategies poll) أن 16% من الناخبين المسجلين يعتبرون “التهديدات للديمقراطية” أهم القضايا التي تواجه البلاد. بين هؤلاء الناخبين، تفوق بايدن على ترامب بفارق 67 نقطة، بنسبة 81% مقابل 14%.
تعدّ السيدة ماكامون من ويسكنوسن التي صوتت في السابق لترمب، نفسها ضمن هذه المجموعة. وقالت “سأصوّت لبايدن حتى لو كان في غيبوبة”.