من قمة النجاح إلى تهم الاحتيال والغرق: قصة مايك لينش، المعروف بـ ‘بيل جيتس بريطانيا
توفي رجل الأعمال “مايك لينش” -البالغ من العمر 59 عامًا- بعد العثور على جثته بعد أيام من غرق يخت فخم قبالة ساحل صقلية بسبب عاصفة مفاجئة، وكان قبل شهرين فقط حقق انتصارًا كبيراً في محاكمة أمريكية تمت خلالها تبرئته من مزاعم احتيال.
وفي مصادفة غريبة، جاء حادث غرق اليخت في نفس اليوم الذي توفى فيه “ستيفن تشامبرلين” زميل “لينش” السابق والمقرب له ونائب الرئيس المالي لدى شركة “أوتونومي”، بعدما صدمته سيارة أثناء الركض.
تحولت حياة “لينش” من سلسلة من النجاحات التجارية والثراء والشعبية السياسية إلى تسليمه للولايات المتحدة في معركة قانونية طويلة الأجل، ورغم نجاته منها وتبرئته إلا أنه لم ينجو من عاصفة حقيقية أنهت حياته، ثم انتشال جثته أي بعد أربعة أيام من وقوع الحادث.
ورغم وصفه بـ “بيل جيتس” بريطانيا، لتحقيقه نجاحات في مجال التكنولوجيا على غرار ما فعله الملياردير الأمريكي “بيل جيتس”، إلا أن قصة حياة “لينش” تختلف بصورة كبيرة عن المؤسس المشارك لشركة “مايكروسوفت”.
مَن بيل جيتس بريطانيا؟
ولد “لينش” في إلفورد -وهي بلدة كبيرة في شرق لندن- لوالدين أيرلنديين في عام 1965، ونشأ بالقرب من تشيلمسفورد في مقاطعة “إسيكس” الإنجليزية، وكانت والدته ممرضة ووالده رجل إطفاء، ونشأ في بيئة متواضعة، لكنه حصل في سن الحادية عشرة على منحة دراسية لمدرسة خاصة في شرق لندن.
والتحق بعد ذلك بجامعة “كامبريدج” حيث درس العلوم الطبيعية مع التركيز على مجالات الإلكترونيات والرياضيات، وبعد إكمال دراسته الجامعية أكمل درجة الدكتوراه في معالجة الإشارات والاتصالات.
وأسس في نهاية الثمانينيات شركة “لينيت سيستمز” Lynett Systems والتي أنتجت تصميمات ومنتجات صوتية لصناعة الموسيقى، وبعد ذلك بسنوات أسس شركة للتعرف على بصمات الأصابع باسم “كامبريدج نيروداينامكس” Cambridge Neurodynamics
ولكن الخطوة الأبرز في تاريخه هي المشاركة في تأسيس شركة البرمجيات “أوتونومي” في عام 1996 في كامبريدج كشركة فرعية من “كامبريدج نيروداينامكس” ثم توسعت بعد ذلك لتصبح واحدة من أكبر شركات التكنولوجيا في بريطانيا.
وبعد 15 عامًا أصبحت أكبر شركة تكنولوجيا مدرجة في بورصة لندن وتوظف 200 شخص في عشرين دولة، وتعاقد عملاء من بينهم “إيه تي أند تي” و”بي إن بي باريبا” على برامجها.
وقام رئيس الوزراء المحافظ الأسبق “ديفيد كاميرون” بضم رجل الأعمال الشهير إلى مجلس العموم والتكنولوجيا، وأضافته هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” إلى مجلس إدارتها كمدير غير تنفيذي، وفي عام 2006 حصل على وسام الإمبراطورية البريطانية لمساهمته في تقدم الصناعة.
وظهر “لينش” في قائمة “فوربس” للمليارديرات في عامي 2014 و2015 بثروة صافية مليار دولار، ومع ذلك خرج من القائمة في 2016 عندما كان يواجه تكاليف قانونية وسط نزاعه من “هيوليت باكارد”.
وهو أب لابنتين إحداهما تبلغ من العمر 18 عامًا -وتوفيت معه في نفس الحادث- والأخرى 21 عامًا، ويمتلك منزلاً في منطقة تشيلسي الثرية في لندن، وفقًا لصحيفة “التايمز”، ومزرعة في سوفولك لأنه كان يهوى تربية ورعاية الماشية.
الغرق في معركة قانونية
في عام 2011، باع “لينش” شركته “أوتونومي” إلى الأمريكية “هيوليت-باكارد” مقابل 11 مليار دولار، وأصبح معروفًا بعدها لدى وسائل الإعلام في المملكة المتحدة باسم “بيل جيتس البريطاني”، لأنه كان بمثابة مثال نادر لرجل أعمال بريطاني نجح في بناء وتوسيع نطاق أعمال تقنية عالمية مهمة.
ولكن بعد عام واحد من الصفقة الضخمة، أمرت “ميج ويتمان” المديرة التنفيذية لـ “إتش بي” بخفض قيمة الشركة 8.8 مليار دولار، وأطلقت معركة قانونية ضد “لينش” متهمة إياه بالتلاعب في الحسابات وتضخيم قيمة “أوتونومي” وقت البيع وطالبت بتعويضات بقيمة 5 مليارات دولار، ما أدى لغرق “لينش” والعديد من زملائه في فضيحة احتيال استمرت عقدًا من الزمن.
وكان “لينش” -الذي حقق حوالي 815 مليون دولار من بيع “أوتونومي”- ينفي دائمًا تهم الاحتيال، متهمًا “إتش بي” بجعله كبش فداء لإخفاقاتها، بينما أصر الادعاء حينها على أن المدير التنفيذي أجبر المرؤوسين على مساعدته على التلاعب بسجلات “أوتونومي” وخداع “إتش بي” لدفع مليارات الدولارات.
اتهمته السلطات وآخرين بالمشاركة في مخطط ضخم بصفته المدير التنفيذي لـ”أوتونومي” لخداع “إتش بي” عن طريق رفع قيمة شركته قبل بيعها، وأدانت هيئة محلفين أمريكية المدير المالي السابق للشركة “سوشوفان حسين” بالاحتيال في 2018، وسجن لمدة خمس سنوات.
وفي 2023، تم تسليم “لينش” من بريطانيا للولايات المتحدة لمحاكمته ومواجهة عقوبة بالسجن لمدة عقدين من الزمان حال إدانته بسبع عشرة تهمة، وأمضى 13 شهرًا في سان فرانسيسكو قيد الإقامة الجبرية، لكن في يونيو من هذا العام تمت تبرئته من كافة التهم.
وصرح “لينش” بعد صدور حكم محكمة “سان فرانسيسكو”: أتطلع للعودة للمملكة المتحدة وإلى أكثر ما أحبه: عائلتي والابتكار في مجالي.
وعلى الرغم من التبرئة، إلا أن قضية الاحتيال لم تغلق لأنه في 2022 قضت المحكمة العليا في لندن في قضية احتيال مدنية بأن “إتش بي” تعرضت للخداع ودفعت مبالغ زائدة لشراء “أوتونومي”، ولكن لم تحكم المحكمة بعد بالتعويضات التي تطالب بها الشركة الأمريكية.
نهاية حزينة
للاحتفال بالانتصار في المعركة القضائية، دعا “لينش” -الذي كان يخشى الموت في السجن إذا ثبتت إدانته في مزاعم “إتش بي”- أصدقاءه وعائلته ومحاميه على يخت “بابزيان” الفخم البالغ طوله 56 مترًا الذي تعود ملكيته لزوجته “أنجيلا باكاريس”.
ولكن ضربت عاصفة عنيفة اليخت الذي كان يحمل العلم البريطاني، وذكر شهود عيان لوسائل الإعلام أن اليخت -كان يحمل 10 أفراد من الطاقم و12 راكبًا- غرق سريعًا بعد كسر صاريه.
وتم العثور على جثة “لينش” بعد رحلة بحث صعبة قام بها غواصو الإنقاذ، ووصلت إلى الميناء الخميس الثاني والعشرين من أغسطس في كيس أزرق، كما تم انتشال جثث خمس ركاب آخرين منهم “جوناثان بلومر” رئيس مجلس الإدارة الدولي لبنك “مورجان ستانلي” وزوجته “جودي بلومر”، وابنة “لينش” البالغة من العمر 18 عامًا “هانا”.
كما تم العثور على جثة الطاهي “ريكالدو توماس” بعد وقت قصير من غرق اليخت، في حين كانت “باركيس” زوجة “لينش” من بين الناجين إلى جانب خمسة ضيوف آخرين وتسعة من أفراد الطاقم العشرة.
ورفضت الشركة الإيطالية المصنعة لليخت اقتراحات البعض بأن الصاري المصنوع من الألومنيوم ربما ساهم في الحادث، واتهمت الطاقم بدلاً من ذلك بسلسلة من الأخطاء التي أدت لدخول اليخت للماء في العاصفة حتى انقلب.
وحيرت السرعة التي اختفى بها اليخت -الذي تبلغ قيمته 35 مليون دولار- تحت الأمواج المحققين المخضرمين في الحوادث البحرية.
وحاليًا تحقق السلطات الإيطالية في سبب غرق اليخت في غضون دقائق فقط على بعد مئات الأمتار من الميناء، لكن التحقيق لا يزال في مرحلة مبكرة.
وتضع تلك الحادثة في البحر الأبيض المتوسط نهاية رحلة “لينش” الذي كان ذات يوم يمثل قصة نجاح بريطانية نادرة في مجال التكنولوجيا، وكان محبوبًا في مجاله وألهم أجيالاً لبدء أعمالهم الخاصة سواء في المملكة المتحدة أو خارجها.