مصفاة سامير: بين قرار التحكيم ورهان إعادة التشغيل
يفتح قرار التحكيم الدولي الأخير بشأن قضية مصفاة سامير آفاقًا جديدة أمام مستقبل هذه المنشأة الصناعية الحيوية. فبعد سنوات من التوقف والنزاعات القانونية، باتت إعادة تشغيل المصفاة أكثر من أي وقت مضى مطلبًا ملحًا، سواء بالنسبة للعاملين أو بالنسبة للاقتصاد الوطني المغربي.
و لقد شكل إغلاق مصفاة سامير في عام 2015 ضربة قوية للاقتصاد الوطني، حيث أدى إلى ارتفاع أسعار المحروقات وتراجع الإنتاج الصناعي.
و في عام 2017، عرض القضاء المغربي الشركة وأصولها للبيع، ولكن رغم تلقي عروض محلية وأجنبية عديدة، لم يتم قبول أي منها.
وبعد ذلك بسنة، لجأ مالكها السابق، رجل الأعمال السعودي محمد العمودي، إلى طلب التحكيم لدى المركز الدولي لتسوية المنازعات المتعلقة بالاستثمار، مدّعياً أن “المغرب خرق اتفاقية حماية الاستثمار مع بلده المستثمر في المصفاة، السويد”.
طالب العمودي بتعويض ضخم قدره 2.7 مليار دولار، لكن مركز التحكيم الدولي منح منتصف يوليو الجاري تعويضاً قدره 150 مليون دولار، وهو ما يمثل 5.5% من المبلغ المطلوب.
ورغم أن القرار يُدين الحكومة المغربية، فإن انتهاء عملية التحكيم يمثل بارقة أمل لـ450 عاملاً في المصفاة لإعادة تشغيلها، إذ لطالما بررت الحكومة عدم التدخل لحل أزمة الشركة بوجود الملف في التحكيم.
و يرى الحسين اليماني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز، أن “صدور القرار يعني أن الحكومة لم يعد لديها مبرر، وعليها الآن العمل على تسهيل إجراءات بيع الشركة وأصولها بدون الديون المتراكمة”.
وأضاف أن الحكومة “عليها أن توضح رؤيتها لمستقبل صناعة التكرير لتشجيع عروض الشراء التي يمكن أن تُعيد الحياة إلى المصفاة”.
و كانت “سامير” مملوكة بالأغلبية لمجموعة “كورال بتروليوم هولدينغ” (Corral Petroleum Holdings) السويدية، التي يملكها العمودي، بعد أن اشتراها من الحكومة المغربية عام 1997.
وكانت تضمن للبلاد أكثر من نصف احتياجاتها من المواد البترولية عبر استيراد الخام وتكريره محلياً.
كما تسبب في فقدان آلاف فرص العمل. وقد أثارت هذه الأزمة جدلاً واسعًا حول مسؤولية كل من الحكومة والشركة السابقة المالكة للمصفاة.
ويأمل العاملون في المصفاة أن يساهم قرار التحكيم في تسريع وتيرة البحث عن مستثمر جديد قادر على إعادة إحياء هذه المنشأة الصناعية. ويؤكدون أن المصفاة لا تزال تمتلك إمكانات كبيرة، وأن إعادة تشغيلها سيمكن من توفير آلاف فرص العمل وتحقيق وفورات مهمة في فاتورة استيراد المحروقات.
من جهتها، أكدت الحكومة المغربية عزمها على إيجاد حل لهذه الأزمة، مشيرة إلى أهمية مصفاة سامير للاقتصاد الوطني. ومع ذلك، فإن هناك العديد من التحديات التي تواجه هذا المشروع، من بينها ديون المصفاة المتراكمة وتآكل معداتها خلال فترة التوقف.
بعد صدور قرار مركز التحكيم، صرحت نادية فتاح العلوي، وزيرة الاقتصاد والمالية، بأن “المغرب قرر بحث كافة سبل الاستئناف لإبطال قرار المركز”، وأكدت أن الحكومة تعتبر “المصفاة أصلاً ذا قيمة استراتيجية وتدرس مشروعاً لإحيائها”.
تبقى خيارات الطعن أمام المغرب محدودة وصعبة، وفقاً لصبري لحو، المحامي الخبير في القانون الدولي، الذي أكد أن “الاستئناف كما هو متعارف عليه في الأنظمة القانونية غير متاح أمام المركز الدولي، وما هو متاح هو طلب المراجعة أو طلب الإلغاء أمام نفس الهيئة، ولكن ذلك مقيّد بشروط صارمة”.
إن إعادة تشغيل مصفاة سامير يتطلب تضافر جهود جميع الأطراف المعنية، سواء كانت حكومية أو خاصة. كما يتطلب الأمر وضع خطة استراتيجية واضحة المعالم، تأخذ بعين الاعتبار التطورات التي شهدها قطاع الطاقة على المستوى العالمي.