ما العلاقة التي تربط الأسهم بالاقتصاد؟ وأيهما يحرك الآخر؟
عادة ما تتأثر سوق الأسهم بالعوامل الاقتصادية للبلاد، والتي يعتبرها المستثمرون إشارة حول أداء الشركات والفرص المتاحة أمامها في المستقبل، كما يمكن للتغيرات غير الاقتصادية مثل الأوضاع السياسية والاضطرابات الاجتماعية التأثير على حركة الأسهم ومعنويات المتداولين.
وعلى سبيل المثال إذا أظهرت البيانات الاقتصادية تحسنًا في إنفاق المستهلكين، سيتوقع المستثمرون مزيدًا من الإقبال على المنتجات الاستهلاكية وهو ما يدعم أسهم الشركات العاملة في هذا القطاع، علاوة على كون ذلك إشارة داعمة للنمو، لكن مثلًا إذا تباطأ الاقتصاد ستتوقع الشركات أداءً سيئًا خاصة في ما يتعلق بتوفير التمويل وتوسع العمليات والطلب على السلع الأساسية وثيقة الصلة بالنمو مثل الطاقة.
وعن تأثر الأسهم بالتغيرات السياسية، فأمثلة ذلك كثيرة، ولعل أبرزها كان الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 2016، حين كانت تخشى الأسواق فوز المرشح الجمهوري “دونالد ترامب” لميوله الشعبوية وما لذلك من تداعيات على العلاقات والتجارة الدولية.
وبالفعل هبطت المؤشرات الرئيسية لـ”وول ستريت” بشكل حاد -في تعاملات ما قبل الافتتاح- عقب إعلان “ترامب” فوزه على منافسته الديمقراطية “هيلاري كلينتون”، لكنها سرعان ما عوضت هذه الخسائر وتحولت لتحقيق مكاسب بفضل تعهداته بخفض الضرائب وزيادة الإنفاق.
أما الاضطرابات الاجتماعية مثل الاحتجاجات وأعمال الشغب واسعة النطاق -مثل أحداث أصحاب السترات الصفراء في فرنسا- فتشكل ضغطًا على الحكومات وتنذر بتغيرات مرتقبة، وهو أمر قد يصيب الأسواق بعدم اليقين ويضغط على الأسهم.
ولعل أي مهتم بتحركات الأسواق يعي جيدًا ويلاحظ ارتباط حركة الأسهم بمثل هذه العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في كثير من المناسبات، لكن كيف يؤثر سوق الأسهم نفسه على الاقتصاد والشركات والأفراد داخل المجتمع؟
العلاقة بين الاقتصاد والأسهم
– بشكل عام، يعد سوق الأسهم مؤشرًا أو مرآة للظروف الاقتصادية في البلاد، فإذا كان الاقتصاد يسير على ما يرام ويحقق نموًا في الناتج ستشهد معظم الشركات زيادة في الربحية مع فرص للتوسع، حسبما أفاد موقع “إيكونوميكس هيلب” في تقرير له.
هذه الزيادة في الأرباح تجعل أسهم الشركات أكثر جاذبية، لأنها بطبيعة الحال تعني توزيعات نقدية أكبر على المساهمين، ومع امتداد أجل النمو الاقتصادي تطول فرصة الاستفادة من مكاسب الأسهم، لكن أيضًا على النقيض، إذا كان السوق يرى ركودًا قادمًا، سوف تنخفض الأسعار.
إذا كانت تتوقع الأسواق دخول الاقتصاد في حالة ركود فسوف تهبط الأسهم، ويرجع ذلك لحقيقة أن الركود يعني انخفاضًا في الأرباح وحتى احتمال إفلاس الشركات، وهو خبر سيئ للمساهمين، وفي حال سيطر عدم اليقين على المستثمرين، فإنهم سيميلون إلى شراء السندات والأصول الآمنة مثل الذهب والين لتلافي الخطر المحتمل.
– بشكل عام، تؤثر اتجاهات الأسهم نفسيًا على الأفراد والشركات، إذ يمكن للأسواق الصاعدة خلق شعور بالثقة تجاه الاقتصاد، وبطبيعة الحال هذه الثقة تعني دخول المزيد من المستثمرين إلى البلاد وخاصة إلى سوق الأسهم، وينعكس التأثير إذا ما كان الاتجاه هبوطياً يصيب بالتشاؤم.
هل تؤثر الأسهم في الاقتصاد؟
– يمكن لأصول أخرى مثل العملات والذهب والسندات والعقارات أن تتأثر وفقًا للحالة الشعورية في الأسواق سواء كانت متفائلة أو متشائمة إزاء آفاق الاقتصاد وأداء الشركات في المستقبل المنظور، بحسب “زاكس إنفستمنت ريسيرش” للأبحاث.
– هناك مقولة ساخرة شائعة في “وول ستريت” تقول “استطاع سوق الأسهم أن يتوقع عشر فترات ركود اقتصادي من آخر 5 فترات”، ويعني ذلك أنه رغم تنبؤ السوق بقدوم الركود في بعض الأوقات، ففي أوقات أخرى لا يكون للأمر علاقة بالاقتصاد وإنما مجرد تصحيح للقيم المبالغ فيها أو تغير في معنويات السوق.
– يمكن للأثر الاقتصادي المترتب على اضطرابات الأسهم أن يكون عميقًا مثلما حدث في الولايات المتحدة عندما انهار السوق عام 1929 وتراجعت أسعار الأسهم بنسبة 23% على مدى 4 أيام.
– أدى هذا الانهيار إلى التعجيل بحدوث الكساد الكبير والذي كان له تداعيات على الاقتصاد العالمي خلال ثلاثينيات القرن الماضي، إذ انخفض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 15% في 3 سنوات.
– بخلاف ذلك، وخلال انهيار سوق الأسهم الأمريكي في 1987، والذي تسبب في تراجع الأسهم العالمية بنحو 25%، لم تمتد آثار هذا الاضطراب إلى اقتصاد البلاد (على الرغم من تأثيره على السياسة النقدية للولايات المتحدة وبلدان أخرى خشية الركود)، وحتى الاقتصاد العالمي واصل النمو بوتيرة معتدلة.
– بحسب “إنفستوبيديا” تؤثر أسواق الأسهم على الناتج المحلي الإجمالي بشكل غير مباشر عن طريق تأثيرها على الظروف المالية وثقة المستهلك، فعندما تكون في اتجاه الصعود يزداد التفاؤل بشأن الاقتصاد.
كيف تؤثر على الأفراد والشركات؟
– بعيدًا عن أثرها في السياسات النقدية والظروف المالية للبلدان، فإن للأسهم أثراً آخر غير مباشر على الاقتصاد عن طريق الأفراد والشركات، فمثلًا زيادة ثقة المستهلك تدفعه نحو إنفاق المزيد من الأموال وكذلك الكيانات التجارية، وهذا الإنفاق يدعم النشاط الاقتصادي.
– مع ارتفاع أسعار الأسهم، تزداد القيم السوقية للشركات، وهذا يعني تعاظم قدرتها على اقتراض الأموال مقابل تكلفة أقل، وبالتالي تسارع وتيرة توسع العمليات والاستثمار في مشاريع جديدة وتوظيف المزيد من العمال، وفي نهاية المطاف يعزز ذلك الناتج المحلي الإجمالي.
– إذا كان ارتفاع الأسهم سببًا في تحفيز الاقتصاد، فالعكس صحيح، إذ يؤدي هبوطها الملحوظ إلى عكس العوامل المحفزة، متسببًا في تراجع إنفاق المستهلكين وهبوط قيم الشركات وبالتالي ضعف القدرة على الاقتراض وتباطؤ التوسع والاستثمار.
– على أي حال، لا يختلف الكثيرون حول أثر العوامل الاقتصادية في تحديد حركة الأسهم، لكن مسألة تأثر الاقتصاد بأداء الأسواق هو الأمر الذي يتجادل بشأنه المحللون، إذ يشكك فيه البعض ويرون أن العواقب الاقتصادية اللاحقة لانهيار الأسواق تاريخيًا كانت مدفوعة بأسباب أخرى مثل السياسة وإجراءات البنوك المركزية والحروب.