ما الذي يدفع المستثمرين للعزوف عن الأندية الإنجليزية؟

كانت أندية الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم أرضًا خصبة لاستثمارات الأمريكيين على مدى العقدين الماضيين، وبحلول هذا الموسم 2024- 2025 امتلكوا – كليًا أو جزئيًا – نصف الفرق.

هذا الاهتمام نما بشكل كبير مع استحواذ مجموعة بقيادة الملياردير “تود بوهلي” على نادي تشيلسي قبل عامين، ومع ذلك، فإن المستثمرين الأمريكيين يشعرون بنفور متزايد من كرة القدم الإنجليزية، بحسب ما ذكره مشاركون في نشاط بيع وشراء الفرق لوكالة “بلومبرج”.

ووفقًا للمصادر المطلعة، يأتي هذا التراجع في الاهتمام تجاه الأندية الإنجليزية مدفوعًا بـ “المعاناة” التي يشهدها نادي تشيلسي، وذلك على الرغم من إنفاقه أكثر من مليار جنيه إسترليني (1.3 مليار دولار) على اللاعبين.

وقالت مجموعة المصادر – تضم مستشارين ومستثمرين أمريكيين وبريطانيين – إن الخسائر المالية وضعف التقدم في جهود الحد من الإنفاق المفرط أدت إلى إبعاد المستثمرين الأمريكيين عن الدوري الرياضي الأكثر شعبية في العالم.

كما حذروا أيضًا من خطر عدم التأهل للمسابقات الأوروبية المربحة، أو الأسوأ من ذلك، الهبوط إلى الدرجة الثانية بالنسبة لبعض الأندية، في الوقت نفسه يرى المستثمرون الأمريكيون أن استثمار أموالهم في الرياضات المحلية أصبح أكثر جاذبية.

استراتيجية غير تقليدية

– في لعبة كرة القدم حيث يُسمح بمشاركة 11 لاعبًا فقط لكل جانب، أصبح تشيلسي متضخمًا للغاية، فعندما انطلق الموسم الجاري كان لديه 42 لاعباً مسجلاً، وهي القائمة الأكبر بين أندية الدوري الممتاز هذا الموسم، كما أنها الأصغر سنًا بمتوسط عمر 24.8 عام.

– يعكس الفريق المتضخم الاستراتيجية غير التقليدية للمالكين الجدد للنادي اللندني، ومع ذلك، فإن فك شفرة كيفية جني الأموال من كرة القدم الأوروبية ما زال أمراً صعباً، وفي هذه الحالة يكون مكلفًا للغاية.

– في عام 2022، بيع نادي تشيلسي مقابل مبلغ قياسي قدره 4.3 مليار جنيه إسترليني (5.5 مليار دولار) للمستثمرين الأمريكيين بقيادة “بوهلي” وشركة الأسهم الخاصة “كليرليك كابيتال”، التي أصبح مؤسسها المشارك “بهداد إغبالي” الوجه الأكثر شهرة للنادي.

– عادة، لا تحقق الأندية عوائد كبيرة لأن النجوم والوسطاء يستولون على أغلب الكعكة، ومع ذلك، اتجهت شركات الاستثمار الخاصة الأمريكية إلى كرة القدم الأوروبية على مدى السنوات القليلة الماضية، حريصة على تطبيق النماذج التي نجحت في مجال التمويل.

– تؤكد هذه الشركات استخدام نماذج الأداء الإحصائي لرصد اللاعبين المقومين بأقل مما يستحقون، وهو نهج عُرف لأول مرة في دوري البيسبول الأمريكي، وتستخدمه شركة “ريد بيرد كابيتال بارتنرز” الأمريكية، التي تمتلك نادي إيه سي ميلان الإيطالي، وتولوز الفرنسي، وحصة أقلية في ليفربول.

– لكن “بوهلي” و”كليرليك” خالفا النهج، ففي موسم 2022- 2023، أنفقا قرابة 700 مليون دولار على شراء نجوم صاعدين، بما في ذلك “إنزو فرنانديز” و”ميخايلو مودريك”، اللذين عرضا عليهما صفقات لمدة ثماني سنوات ونصف السنة، وظل تشيلسي مشتريًا صافيًا منذ ذلك الحين.

المستثمرون ينفرون

– قال “روجر ميتشل”، الذي يقود شركة الاستشارات التي تركز على قيمة الاستثمار الرياضي “ألباشيارا”: “لا يوجد سيطرة على التكاليف، ولديك منافسون غير عقلانيين مثل ’تود بوهلي‘ الذي يشوه السوق، الدوري الإنجليزي الممتاز لديه منتج رائع، لكنه ليس عملاً تجاريًا”.

– من جانبه ذكر “بوهلي” أنه “لا يوجد شيء غير عقلاني” في نهج تشيلسي، الذي وصفه بأنه “أساس طويل الأجل لإنشاء فريق قيادي عظيم”، مضيفًا أن قوة العلامة التجارية للأندية الكبيرة، مثل تشيلسي، لا يمكن تكرارها أيضًا، مما يمنحها القدرة على النمو عالميًا.

– تحاول فرق الدوري الإنجليزي الممتاز مثل توتنهام وبرينتفورد وكريستال بالاس وولفرهامبتون ووست هام وغيرها، بيع حصص أقلية منذ أشهر، لكن دون جدوى حتى الآن.

– يقول “آدم سومرفيلد” من شركة “سيرتوس كابيتال”، والذي يقدم المشورة للمستثمرين الأثرياء في عالم الرياضة، إن العديد من هذه الأصول تسوق بشكل مبالغ فيه كما أن سعرها مبالغ فيه.

– وفقًا لـ “سومرفيلد”، يدفع هذا المزيد من العملاء نحو فرق السيدات والرياضات المتخصصة مثل البادل، إلى جانب الفرص الكبيرة في أندية كرة القدم الأمريكية بعد السماح باستثمارات الأسهم الخاصة مؤخرًا.

– يضيف “سومرفيلد”: “المستثمرون الأمريكيون الذين نتعامل معهم يحبون أن يُعرض عليهم فرصة فريدة، إنهم يريدون فرصة لإحداث تأثير قصير المدى باستثمار مماثل الحجم”.

– فيما يقول ممثل لصندوق رياضي أمريكي كبير، إن الدوري الإنجليزي الممتاز أصبح تنافسيًا للغاية لدرجة أنه من “الصعب احتواء التكاليف”، وبالإضافة إلى ذلك، هناك علامات على انخفاض المنافسة على حقوق البث.

أداء مخيب للآمال

– في المواسم الثلاثة الأخيرة، تجاوز إنفاق تشيلسي على أجور اللاعبين وأقساط الشراء 100% من إيرادات النادي، ومن بين لاعبيه صغار السن ارتفعت قيمة عدد محدود للغاية منهم.

– مع إبعاد تشيلسي عن المنافسات الأوروبية الكبرى تأثرت النتائج المالية، وفي موسم 2022- 2023، ارتفعت أقساط شراء اللاعبين إلى مستوى غير مسبوق في الدوري الإنجليزي الممتاز بلغ 203 ملايين جنيه إسترليني، مما أدى إلى خسائر فادحة.

– سجل النادي في ذلك الموسم خسارة قدرها 90 مليون جنيه إسترليني قبل خصم الضرائب، لكن على الجانب الآخر ارتفعت الإيرادات إلى مستوى قياسي بلغ 512 مليون جنيه إسترليني.

– يعتقد أحد المسؤولين التنفيذيين لمجموعة رياضية أمريكية أن معظم فرق الدوري الإنجليزي الممتاز ستستمر في خسارة الأموال ما لم يحالفها الحظ في بيع اللاعبين، قائلًا إنه من الصعب رؤية قيود حازمة على إنفاق اللاعبين، مثل سقف الرواتب الصارم.

– بشكل جماعي، قفزت إيرادات الدوري الإنجليزي الممتاز، التي استفادت من الإقبال الجماهيري القوي وصفقات البث المربحة، إلى ما يقرب من 7 مليارات جنيه إسترليني سنويًا، ومع ذلك، حققت أربعة فرق فقط من أصل 20 فريقًا ربحًا تشغيليًا في موسم 2022- 2023.

– من بين الفرق الخاسرة نادي فولهام، الذي يمتلكه رجل الأعمال الأمريكي “شاهيد خان”، وأستون فيلا المملوك جزئيًا للملياردير الأمريكي ومستثمر الأسهم الخاصة “ويس إيدنز”، وبالنسبة لتشيلسي، بلغت الخسارة قبل الضرائب نحو 210 ملايين جنيه إسترليني للموسمين الماضيين مجتمعين.

– يقول “بيتر جريف”، وهو مصرفي سابق في بنك “جولدمان ساكس”، والذي يرأس الآن شركة تتطلع إلى الاستثمار في أندية كرة القدم، إن الدوري الإنجليزي يشهد “سباق تسلح” ويجب أن تُمنح الأندية فرصة لكسب المال لدعم نفسها.

– يمكن للاعبين الشباب الموهوبين قيادة أندية مثل تشيلسي إلى القمة يومًا ما، لكن النتائج في الرياضة يصعب التنبؤ بها أكثر من الصناعات التقليدية، وهذا يعني أن استراتيجية “بوهلي” جريئة وقد تكون مجزية على المدى الطويل، لكنها تقلل من فرص تصحيح المسار المالي الحالي.

– رغم ذلك، تظل أعين الكثير من المستثمرين على الدوري الإنجليزي، ولعل مجموعة لوائح الإنفاق الجديدة التي يجري اختبارها هذا الموسم، تساعد في دفع البطولة نحو مزيد من الربحية والتمويل المستدام كما يأمل المنظمون.