ما الأسباب وراء فشل خطة تحرير الدرهم المغربي؟
في عام 2016، أعلن بنك المغرب عن خطة تحرير العملة الوطنية تدريجياً على ثلاث مراحل. لكن تم تأجيل هذه الخطة مرتين، الأولى في عام 2017 والثانية في عام 2020.
و ما حصل بالفعل هو العكس تماما، حيث عبرت البنوك بسلوكها قبيل انطلاق عملية تحرير الدرهم عن فقدان ثقتها في متانة المؤسسات الاقتصادية، وهي حقيقة طالما تمت تغطيتها بالخطابات السياسية المطمئنة، كمن يحاول تغطية الشمس بالغربال.
وهو يحيل إلى مشكل أعمق وهو ضعف ثقة الأفراد والفاعلين في المؤسسات الاقتصادية والسياسية، ويكشف مدى هشاشة المؤسسات والقواعد المؤطرة للاقتصاد والدولة والمجتمع.
في الواقع يؤكد النموذج المصري مرة أخرى درسا للمغرب حول أهمية الثقة في المؤسسات ومتانتها لإنجاح الإصلاحات الاقتصادية. ففي ظل أجواء سياسية واقتصادية شهدت تراجعات وتآكلا للثقة في المؤسسات المغربية خلال سنتي 2016 و2017، حفرت الدولة قبر هذا الإصلاح بيديها قبل أن يولد،وأدى إضعاف المؤسسات إلى ردود فعل سلبية تجاه المشروع الجديد من طرف الفاعلين البنكيين، وإلى تخوفات شعبية من تنفيذه.
وبشكل عام، فإن هشاشة المؤسسات السياسية والاقتصادية تعتبر مسألة معروفة في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلا أنها لا تؤخذ بشكل جدي لتفسير الإخفاقات الاقتصادية المستمرة.
فالسبب الرئيسي في فشل جل الإصلاحات الاقتصادية خلال العقود الأخيرة يرجع إلى رغبة النخب الحاكمة في السيطرة على المؤسسات السياسية والاقتصادية وتطويعها لخدمة مصالحها الفئوية بعيدا عن مصالح المواطنين والمستثمرين المستقلين.
ونتيجة لذلك تزعزع مناخ الثقة، وتسبب في تآكل مصداقية المؤسسات الاقتصادية أمام مصالح نخب «رأسمالية المحاباة» التي ضربت بجذورها في أغلب هذه الدول، مما جعل اقتصاديات هذه البلدان تتميز بفوارق اجتماعية كبيرة ونسب فقر عالية.
فرغم أنه يعيش استقرارا سياسيا ومؤسساتيا نسبيا منذ 2011، إلا أن طبيعة المؤسسات السياسية والاقتصادية لا زالت تتميز بالهشاشة. ومن ثمة يمكننا أن نفهم سلوك الفاعلين البنكيين تجاه سياسة الصرف الجديدة ومضارباتهم الواسعة من خلال النظر إلى ثقتهم في المؤسسات التي تحكم واقعهم.
فعلى مستوى حماية حقوق الملكية، التي تعتبر المؤشر المؤسساتي الأهم الذي يقيس قدرة المؤسسات على حماية ملكية الأفراد الخواص، يعتبر المغرب من بين البلدان التي تدهور فيها هذا المؤشر ما بين سنتي 1980 و2016؛ إذ انهار هذا المؤشر من 70 نقطة سنة 1995 إلى 40 نقطة من أصل 100 نقطة سنة 2016 حسب مؤشرات مؤسسة إيريتاج فوندايشن7.
ففي النهاية يؤدي انتهاك الملكية الخاصة وعدم قدرة القوانين والمؤسسات على حمايتها إلى تعطيل الدينامية الاقتصادية ككل. انهزمت الثقة في الاقتصاد المغربي أيضا أمام آلة الفساد التي تنخر الادارة والمؤسسات الاقتصادية والسياسية سواء بسواء.
فقد أظهرت تجربة حكومة عبد الاله بنكيران أنه كلما كانت الحكومة تتمتع بالمصداقية والإرادة كلما كانت لديها القدرة على مباشرة الإصلاحات المؤسسات الأساسية.
في حين فشل الإصلاح المتعلق بتحرير سعر صرف الدرهمبسبب ضعف حكومة سعد الدين العثماني الجديدة وعدم انسجام مكوناتها مما عمق بالتالي من مخاوف الفاعلين البنكيين في أداء الاقتصاد الوطني في ظل مناخ يطبعه فقدان الثقة المتزايد في مؤسسات البلد.
ومن ثمة على السلطات النقدية التفكير مليا في الآثار الاقتصادية والاجتماعية المحتملة على تحرير الدرهم في حالة ما لم يتم تمتين مؤسسات الاقتصاد الوطني.
لكن هذه الأهداف ستبقى أهدافا مؤجلة إلى حين تمتين المؤسسات وتنفيذ الاصلاحات الضرورية وعلى قائمتها تحرير صرف العملة المغربية وليس توسيع هامش الصرف في مجال ضيق جدا كما هو الوضع حاليا. إن تمتين المؤسسات السياسية والاقتصادية وتجويدها وخلق مناخ ثقة عال في اقتصاد البلد يعتبر شرطا أساسيا لإنجاز هذا الاصلاح وكل الاصلاحات الاقتصادية الأخرى.