لماذا تزايدت مخاوف وول ستريت مؤخرًا من تكرار سيناريو الانهيار المصرفي؟
بعد أقل من عام من انهيار ثلاثة مقرضين إقليميين أمريكيين خلال ربيع عام 2023، والذي ترتب عليه فوضى في السوق وتحركات عاجلة من المنظمين لمنع انتشار الأزمة المصرفية، يشعر المستثمرون بقلق متزايد اليوم من احتمال تكرار هذا السيناريو.
في أزمة الربيع الأخير، كانت تتركز المخاطر بشكل أساسي حول أسعار الفائدة، لكن هذه المرة تدور المخاوف الرئيسية حول سوق العقارات التجارية الذي تبلغ قيمته 20 تريليون دولار.
ويرجع ذلك لحقيقة أنه بعد عقود من النمو المدعوم بأسعار الفائدة المنخفضة والائتمان السهل، وصل سوق العقارات التجارية إلى طريق مسدود مع ارتفاع الفائدة وتشديد شروط الائتمان.
ما علاقة العقارات بالبنوك؟
– انخفضت تقييمات العقارات المكتبية بشكل حاد منذ أن غيّر الوباء طريقة العيش والعمل والتسوق لدى الكثيرين، كما أضرت جهود الاحتياطي الفيدرالي لمكافحة التضخم من خلال رفع أسعار الفائدة بالصناعة المعتمدة بشكل كبير على الائتمان.
– هذه أخبار سيئة بالنسبة للبنوك الإقليمية، حيث تمتلك المصارف الأمريكية نحو 2.7 تريليون دولار من القروض العقارية التجارية، ومعظم هذا المبلغ (80%) لدى البنوك الإقليمية الأصغر حجمًا، وفقًا لتقديرات “جولدمان ساكس”.
– الجزء الأكبر من هذا الدين على وشك بلوغ أجل الاستحقاق، وفي ظل سوق مضطرب، قد تواجه البنوك الإقليمية مشاكل في تحصيل القروض، حيث من المقرر سداد 2.2 تريليون دولار من الآن وحتى نهاية 2027.
لماذا تجددت المخاوف؟
– تفاقمت المخاوف الأسبوع الماضي عندما أعلن بنك “نيويورك كوميونيتي بانكورب- New York Community Bancorp” عن خسارة مفاجئة قدرها 252 مليون دولار في الربع الأخير مقارنة بربح 172 مليون دولار قبل عام.
– كما أعلن عن خسائر قروض بقيمة 552 مليون دولار، وهي زيادة كبيرة من 62 مليونًا في الربع السابق، مشيرًا إلى أن الزيادة ترجع جزئيًا إلى الخسائر المتوقعة في القروض العقارية التجارية.
– فقد سهم البنك نصف قيمته تقريبًا خلال جلسات التداول الخمس الماضية، وانخفض مؤشر البنوك الإقليمية الأمريكية بنحو 7% خلال نفس الفترة، ولم تنحسر المخاوف داخل الولايات المتحدة فقط.
– قال بنك “أوزورا” الياباني الأسبوع الماضي إن القروض المعدومة المرتبطة بالعقارات المكتبية في الولايات المتحدة مسؤولة جزئيًا عن خسائره السنوية المتوقعة البالغة 28 مليار ين (190 مليون دولار) العام الماضي.
– خصص “دويتشه بنك”، أكبر مصرف في ألمانيا، 133 مليون دولار خلال الربع الأخير لاستيعاب حالات التخلف عن السداد المحتملة لقروضه العقارية التجارية في الولايات المتحدة، وهذا أكثر من أربعة أضعاف المبلغ المخصص قبل عام.
القلق يتملك الجميع
– تبيع الشركات عقاراتها بأسعار أقل بكثير من قيمتها الأصلية، فمثلًا باع صندوق تقاعد كندي حصة قدرها 29% من مبنى إداري في وسط مدينة مانهاتن مقابل دولار واحد، بعدما استثمر 71 مليون دولار في المبنى.
– أصدر مجلس مراقبة الاستقرار المالي الأمريكي، تقريرًا في ديسمبر الماضي أشار فيه إلى العقارات التجارية باعتبارها خطرًا ماليًا رئيسيًا محتملًا.
– جاء في التقرير: “مع تراكم الخسائر الناجمة عن محفظة قروض العقارات التجارية، يمكن أن تمتد الآثار إلى النظام المالي الأوسع، مع خفض القيم السوقية وخلق دوامة هبوطية أوسع نطاقًا، وحتى تقليل إيرادات الضرائب العقارية”.
– حاولت وزيرة الخزانة “جانيت يلين” طمأنة المشرعين في شهادتها أمام الكونجرس الثلاثاء، بالقول إنه رغم الخسائر في قطاع العقارات التجارية التي تشكل مصدر قلق، فإن السلطات التنظيمية تعمل على احتواء الأزمة.
– قالت “يلين” إن المنظمين يعملون على التأكد من أن احتياطيات خسائر القروض ومستويات السيولة في النظام المالي كافية للتعامل مع تداعيات الضغوط في سوق العقارات التجارية.
– في وقت سابق، قال رئيس الفيدرالي “جيروم باول”، إن البنك المركزي يعمل مع بعض البنوك الصغيرة والإقليمية التي تتعرض بشكل كبير للعقارات التجارية، وتواجه تحديات في هذا الصدد.
– لكنه أضاف: “يبدو الأمر وكأنه مشكلة سنعمل على حلها لسنوات، وهي مشكلة كبيرة، ومع ذلك، لا يبدو أنها تحتوي على العناصر التي رأيناها في بعض الأحيان في الماضي، مثل الأزمة المالية العالمية”.
– مع ذلك، أقر “باول” بأنه سيكون هناك حاجة لإغلاق أو دمج بعض البنوك أو حتى “إزالتها من الوجود” بسبب هذه الاضطرابات، مشيرًا إلى أنها ستكون بنوكًا أصغر حجمًا على الأرجح.