لعبة القط والفأر بين الدولة ومكتنزي “الكاش”: من يربح الرهان في المغرب؟
في إطار تعزيز الشفافية المالية ومحاربة ظاهرة التهرب الضريبي، أعلنت وزارة المالية والاقتصاد المغربية، بالتعاون مع مديرية الضرائب، عن تنفيذ إجراء ضريبي جديد يخصم نسبة 5٪ من الضريبة على الدخل على الأموال المودعة في الأبناك.
و يهدف هذا الإجراء إلى تشجيع المواطنين على إيداع أموالهم في النظام البنكي بدلاً من تخزينها في أماكن غير رسمية، في خطوة تهدف للحد من انتشار ظاهرة “الكاش” (النقد المتداول) التي شهدت زيادة ملحوظة في السنوات الأخيرة، وهو ما كان له تأثيرات سلبية على الاقتصاد الوطني.
منذ تنفيذ هذا الإجراء، شهدت الأبناك المغربية تدفقًا غير مسبوق من فتح الحسابات البنكية وإيداع الأموال. فقد أقبل العديد من الأفراد الذين كانوا يخزنون أموالهم في خزائن منزلية أو في الشركات على إيداع مبالغ ضخمة، ما لم يكن يلاحظ في السابق.
و تشير بعض التقارير إلى أن أحد الأبناك في مدينة أكادير استقبلت أموالاً ضخمة، تصل إلى مئات الملايين من الدراهم، مما يعد سابقة في القطاع البنكي المغربي.
هذه الظاهرة تعكس تفاعل المواطنين مع الحملة الضريبية التي أطلقتها مديرية الضرائب، والتي تشجع أصحاب الحسابات على الإفصاح عن مصادر أموالهم المودعة.
ورغم عدم فرض التزام رسمي بالكشف عن مصدر الأموال عند الإيداع، توفر الدولة فرصة لتسوية هذه الأموال بشكل طوعي، عبر دفع 5٪ من قيمتها دون الخوض في المساءلة القانونية عن مصدرها، بشرط استكمال الإجراءات قبل نهاية عام 2024.
في الأيام الأخيرة من شهر دجنبر 2024، لوحظ إيداع أموال ضخمة في الأبناك، وهو ما يعكس تخوف بعض الأفراد من فرض ضرائب مشددة على الإيداعات النقدية الكبيرة اعتبارًا من يناير 2025.
يُتوقع أن تفرض الحكومة ضرائب قد تصل إلى 37٪ على هذه الإيداعات، مما يعزز المخاوف بشأن الكشف عن مصادر الأموال.
و على سبيل المثال، تم إيداع 400 مليون سنتيم في أحد الأبناك في أكادير، وهي أموال كانت مخزنة في خزنة حديدية منزلية، ليقرر صاحبها الإفصاح عنها لتجنب المخاطر القانونية لاحقًا.
في إطار هذه الإجراءات، أطلقت مديرية الضرائب حملة ضد مكتنزي الأموال “الكاش”، مطالبة إياهم بالكشف عن مصادر الأموال المخزنة بعيدًا عن النظام البنكي. الحملة تهدف إلى تحفيز هؤلاء الأفراد على إيداع أموالهم في الأبناك مقابل دفع 5٪ من قيمتها كمساهمة ضريبية.
هذه الحملة تستهدف محاربة التهرب الضريبي الذي يؤثر سلبًا على الاقتصاد المغربي، حيث يُقدّر حجم الأموال خارج النظام البنكي بحوالي 430 مليار درهم، ما يعادل نحو 30٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
و من المتوقع أن يسهم هذا الإجراء في زيادة الشفافية المالية ويعزز قدرة الحكومة على مكافحة الأنشطة غير المصرح بها، مثل غسيل الأموال والرشوة.
كما يتوقع أن يؤدي إلى تسريع حركة الأموال داخل الاقتصاد، مما يساعد على تنشيط النشاط الاقتصادي العام. تشجيع الأفراد على إيداع أموالهم في الأبناك يعزز قاعدة الجباية الوطنية، وهو ما سيمكن الحكومة من تمويل مشاريع التنمية الوطنية وتحقيق نمو اقتصادي مستدام.
رغم الفوائد المتوقعة، هناك مخاوف بشأن التأثيرات السلبية المحتملة على سوق النقد في حال فرض ضريبة كبيرة على الإيداعات النقدية.
عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، أبدى قلقه من ارتفاع حجم النقد المتداول، الذي بلغ 430 مليار درهم، محذرًا من أن هذه النسبة تعتبر من بين الأعلى في العالم، مما قد يعكس ضعفًا في الشفافية المالية ويؤثر سلبًا على استقرار النظام المالي الوطني.
إجمالًا، يعد الإجراء الضريبي الجديد خطوة هامة نحو تعزيز الشفافية المالية ومكافحة التهرب الضريبي في المغرب.
و من خلال تشجيع المواطنين على إيداع أموالهم في الأبناك ودفع ضرائب معقولة، يأمل المغرب في تحسين اقتصاده الوطني وتقوية قاعدته الجبائية.
على الرغم من التحديات المحتملة التي قد تواجه هذه السياسات، فإن الأمل يبقى في أن تسهم هذه الإجراءات في تحسين الوضع الاقتصادي والمالي في المستقبل القريب.