كيف هيمنت الصين على صناعة الطاقة الشمسية حول العالم؟
تهيمن الصين على كل مرحلة تقريبًا من مراحل سلسلة التوريد العالمية لصناعة الطاقة الشمسية بدءًا من البولي سيليكون ووصولاً إلى المنتج النهائي، ووصلت الطاقة الإنتاجية للوحدات (أو اللوحات الكهروضوئية) في البلاد إلى ما يقرب من 1000 جيجاواط في العام الماضي، حسب بيانات الشركة الاستشارية “وود ماكنزي”.
أطلقت الصين في العام الماضي العنان للقوة الكاملة لصناعة الطاقة الشمسية، وركبت ألواحاً شمسية أكثر مما قامت به الولايات المتحدة في تاريخها، وزادت صادراتها من الألواح الشمسية المجمعة بالكامل بنسبة 38%، وتضاعفت صادراتها تقريبًا من المكونات الرئيسية.
وأنفقت الصين في 2023 أكثر من أربعة أضعاف ما أنفقته الولايات المتحدة، وثلاثة أضعاف ما أنفقه الاتحاد الأوروبي بأكمله على مصادر الطاقة المتجددة.
وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة وغيرها لتعزيز الإنتاج المحلي، إلا أن الصين أصبحت قادرة على إنتاج أكثر من ضعف عدد ألواح الطاقة الشمسية التي يقوم العالم بتركيبها سنويًا.
وليس ذلك فحسب، بل أعلن رئيس مجلس الدولة “لي تشيانج” في وقت سابق هذا العام أن الصين تعمل على تسريع بناء مزارع الألواح الشمسية إلى جانب مشاريع طاقة الرياح والطاقة الكهرومائية.
ووضعت الصين استراتيجية محددة تعتمد بشكل كبير على التقنيات الناشئة وخاصة ما يطلق عليه قادة بكين بـ “الثلاثي الجديد” من الصناعات: الألواح الشمسية والسيارات الكهربائية وبطاريات الليثيوم، ليحل محل الثلاثي السابق المتمثل في الملابس والأثاث والأجهزة.
وبالفعل تضاعفت تركيبات الألواح الشمسية السنوية أربع مرات تقريبًا حول العالم منذ عام 2018، ويرى “كيفين تو” خبير الطاقة في بكين والزميل بمركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة “كولومبيا”: لو لم يخفض المصنعون الصينيون تكلفة الألواح بأكثر من 95%، لما تمكنا من رؤية هذا العدد الكبير منها حول العالم.
وتهيمن الشركات الصينية على أكثر من 80% من سلسلة التوريد العالمية للألواح الشمسية، كما أن حصة الصين من مادة البولي سيليكون – المادة الأساسية للألواح – أعلى من ذلك، وترى وكالة الطاقة الدولية أن العالم سيعتمد بشكل شبه كامل على الصين لتزويده بالعناصر الأساسية لإنتاج الألواح الشمسية حتى عام 2025.
ولكن تعني هيمنة الصين على صناعة الطاقة الشمسية أن العالم يعتمد عليها حاليًا في مكافحة تغير المناخ، وتتدافع الحكومات في أمريكا وأوروبا لمواكبة ذلك.
جهود منافسة
أدت تلك الجهود إلى دفع إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” لتقديم إعانات دعم تغطي الكثير من تكلفة صنع الألواح الشمسية وجزءًا من التكلفة لتركيبها.
واتجهت الولايات المتحدة لمنع بعض شحنات الألواح الشمسية من الصين، وأضافت تعريفات جمركية لحماية صناعتها من المنافسة الأجنبية.
ولكن تعمل الشركات الصينية بشكل متزايد على إنجاز المراحل الأولية لتصنيع الألواح الشمسية محليًا، ثم تقوم بشحن المكونات إلى المصانع خارج البلاد للتجميع النهائي من أجل تجنب الحواجز التجارية.
أما في أوروبا، قامت الحكومات بتقديم إعانات مالية لشراء الألواح المصنوعة في أي مكان، وهو ما أدى لزيادة كبيرة في المشتريات من الصين، ما ألحق الضرر بصناعة الطاقة الشمسية الأوروبية، واجتاحت موجة من حالات الإفلاس الصناعة، ما جعل القارة تعتمد بصورة كبيرة على المنتجات الصينية.
وذكرت “أورسولا فون دير لاين” رئيسة المفوضية الأوروبية في خطاب عن حالة الاتحاد نهاية العام الماضي قائلة: لم ننس كيف أثرت الممارسات التجارية غير العادلة للصين على صناعتنا للطاقة الشمسية، لقد قضى المنافسون الصينيون الذين يحصلون على دعم كبير على العديد من الشركات الناشئة.
مزايا تتمتع بها الصين
يمكن للشركات الصينية تصنيع الألواح الشمسية بتكلفة تتراوح بين 16 سنتًا إلى 18.9 سنت لكل واط من قدرة التوليد، وفقًا لحسابات أجرتها وحدة أبحاث تابعة للمفوضية الأوروبية أعلنت في تقرير صدر خلال يناير الماضي.
بينما في المقابل، تتراوح تلك التكلفة للشركات الأوروبية بين 24.3 سنت إلى 30 سنتًا لكل واط، ولنظيرتها الأمريكية حوالي 28 سنتًا.
كما أن انخفاض أسعار الكهرباء في الصين يحدث فارقًا كبيرًا، لأن تصنيع المادة الخام الرئيسية للألواح الشمسية وهي البولي سيليكون يتطلب كميات هائلة من الطاقة، وحتى تتضح الصورة، عادة يتطلب الأمر توليد الألواح الشمسية كهرباء على مدار سبعة أشهر على الأقل حتى تتمكن من استرداد القدر اللازم من الكهرباء لتصنيعها.
وفي الصين، يوفر الفحم ثلثي احتياجاتها من الكهرباء بتكلفة منخفضة، وتعمل الشركات المحلية على خفض التكاليف أكثر عن طريق تركيب مزارع الطاقة الشمسية في صحاري غرب البلاد، ثم تستخدم الكهرباء الناتجة عنها لإنتاج المزيد من البولي سيليكون.
جدير بالذكر أن استهلاك الصين من الفحم جعلها أكبر مساهم سنوي في العالم في انبعاثات الغازات الدفيئة، لكن الدور الرائد الذي تلعبه البلاد في جعل الألواح الشمسية أقل تكلفة أدى إلى تباطؤ الزيادة في الانبعاثات.
بينما تكلفة الكهرباء مرتفعة في أوروبا وخاصة بعدما توقفت عن شراء الغاز الطبيعي من روسيا خلال حرب أوكرانيا، كما أن الأراضي المستخدمة في أوروبا لمزارع الطاقة الشمسية باهظة الثمن .
طاقة فائضة
يتوقع محللون إضافة الشركات المصنعة الصينية ما يصل إلى 600 جيجاواط هذا العام، وهو ما يكفي لتلبية الطلب العالمي حتى 2032، ولكن الإضافات السريعة للقدرات الإنتاجية أدت لانخفاض أسعار الألواح الشمسية الجاهزة في الصين بنسبة 42% في العام الماضي.
والمشكلة الأساسية الحالية هي أن وتيرة النمو كانت سريعة للغاية، حتى إن سوقها المحلية الضخمة لا تستطيع استيعاب تلك القدرة الفائضة.
وذكرت جمعية الصناعة الكهروضوئية الصينية “سي بي آي إيه” أنه خلال الفترة من يونيو 2023 وفبراير 2024، قامت ثماني شركات على الأقل بإلغاء أو تعليق أكثر من 59 جيجاواط من الطاقة الإنتاجية الجديدة أي ما يعادل 6.9% من إجمالي قدرة إنتاج الألواح النهائية للبلاد المسجلة في 2023.
ويسعى مصنعو الألواح الشمسية في الصين إلى تدخل حكومي فوري لوقف انخفاض أسعار الخلايا والألواح الشمسية مع مواجهة الصناعة طاقة فائضة، بعدما ساعدت الحوافز المالية والدفعة الحكومية في دفع الصناعة في البلاد.
وبالتالي برزت مخاوف من إغراق الصين للسوق العالمية بعدد هائل من المنتجات “الثلاثة الجديدة”، وما قد يترتب على ذلك من عواقب وخيمة قد يتحملها الاقتصاد العالمي، وذلك لأن الصين تنتج قدراً أكبر بكثير من الألواح الشمسية والسيارات الكهربائية والبطاريات مما يمكن أن يستوعب اقتصادها، وبالتالي فسوف تصدر تلك المنتجات الفائضة بتخفيضات كبيرة للعالم، أي ما يعني عدم قدرة أي منتج آخر على المنافسة.