كيف تكون شخصيتك مفتاح نجاحك أو فشلك في سوق الأسهم؟
يرتبط النجاح في بعض المهن ببعض الصفات الشخصية –أكثر من غيرها-وذلك بشكل تقليدي، فعلى الجراح أن يكون هادئًا، وعلى الصحفي أن يكون دؤوبًا، وعلى الكاتب أن يكون مطلعًا، وعلى موظف خدمة العملاء التمتع بالصبر، بالتأكيد مع ضرورة التمتع بمزايا إيجابية أخرى، لكن تبقى بعض الصفات أهم من غيرها لكل مهنة.
وينطبق الأمر نفسه على عالم الأسهم، حيث تُعد الصفات الشخصية للمتداول من أهم العوامل التي تحدد نجاحه أو فشله في سوق الأسهم، لأن المستثمر الناجح هو من يمتلك مجموعة من الصفات التي تمكنه من اتخاذ قرارات استثمارية رشيدة والتحكم في مشاعره والتكيف مع تقلبات السوق، بينما ينعكس غياب هذه الصفات على أداء المتداول، مما قد يؤدي إلى خسائر مالية كبيرة.
بيل جيتس “المتداول”
وعلى الرغم من إنه نادرًا ما يتم التعرض له في مجال أسواق الأسهم، إلا أن “بيل جيتس” أحد أنجح المتداولين في العالم، لا سيما أنه لا يكتفي بإدارة محفظة استثمارية شخصية فحسب بل يشارك في إدارة مؤسسة خيرية لديها محفظة استثمارية عملاقة (أنشأها بنفسه برأسمال تصاعد ليتخطى 49 مليار دولار وفقا للتقديرات).
وعند مطالعة مدونة “بيل جيتس” والاستماع إلى محاضراته ولقاءاته التليفزيونية نجد أنه كثيرًا ما يتكلم عن أهمية “التوازن” في الحياة، حيث يشدد على ضرورة إيجاد الطريقة الصحيحة التي تجعله يراعي مختلف نواحي حياته، بين عمله وعلاقاته الشخصية وأسرته وهواياته، بحيث يحقق النجاح في كل منها، كما أنه شخص يعرف بانضباطه الكبير سواء في إنفاق المال أو في القرارات الإدارية.
وعلى ذلك فمن المنطقي أن تكون غالبية استثماراته، سواء الشخصية أو التي يشرف على إدارتها في مؤسسة “بيل أند ميليندا” الخيرية، قائمة على مبدأ التوازن والانضباط، أولا في اختيار أسهم ذات قدر قليل من المخاطرة بشكل عام، مع تحيز واضح لما يفهمه هو شخصيا (بشرائه أسهم مايكروسوفت لصالح المؤسسة الخيرية فضلا عن احتفاظه الشخصي بها).
تحليل لمحفظة “جيتس” الاستثمارية
ولذلك يظهر سهم شركة “فيديكس” في محفظته، والتي قامت بتوزيع أرباح بنسبة 1.89% فحسب خلال العام الماضي، غير أنها شهدت ارتفاعاً بنسبة 45% في قيمة سمهما خلال الخمسة أعوام الماضية أي أنه سهم يتمتع بمعدل نمو 9% سنويا ويوزع أرباحاً بما يقرب من 2% سنويًا، وهو ما يجعله سهماً رابحاً ومتوازناً.
وكذلك يقتني “جيتس” أسهماً في “وول مارت”، والتي تقوم بتوزيع أرباح 2% سنويًا في المتوسط خلال الأعوام الأخيرة (1.39%) فحسب في العام الأخير، غير أنها ارتفعت بنسبة 75% في الأعوام الخمسة الأخيرة أي بنسبة نمو متوسطة 15% سنويًا.
وتنضم كوكاكولا إلى حيازات جيتس وتقوم بتوزيع أرباح 3.22% سنويًا، مع نسبة نمو سنوي متوسط بقيمة 5%، وأيضا يقتني أسهمًا في سكك حديد كندا والتي توزع أرباحا أيضا وتحقق نسب ارتفاع لسعر السهم بمتوسط يفوق 6% في المتوسط سنويًا خلال السنوات الخمس الأخيرة.
كافة هذه الأسهم تعكس الجانب المنضبط للغاية في شخصية “جيتس”، بينما يمكن القول إن البحث عن التوازن يبرز في شركات أخرى بنسب نمو أعلى يستثمر أمواله بها، مثل شركة “ديري” للآلات الزراعية والتي حققت نموًا بنسبة 142% في السنوات الخمس الأخيرة مع توزيع أرباح 1.74% سنويًا، أو شركة “كاتربيلر” التي توزع أرباح بنسبة 1.47% ونمت أسهمها بنسبة 155% آخر 5 سنوات.
كما يستثمر “جيتس” بشركة “ويست مانجمنت” وهي شركة تقدم الخدمات البيئية وتقوم بفرز القمامة، ووزعت 1.45% أرباحاً ونمت بنسبة 95% آخر 5 سنوات، وبعيدًا عن الجانب الاقتصادي في هذا الاستثمار فإنه يمكن القول إن لهذا الاستثمار جزءاً داعماً لقناعات “جيتس” بحتمية مراعاة البيئة.
وبالطبع يمتلك “جيتس” أصولا في “مايكروسوفت” والتي نمت بنسبة 42% سنويا في المتوسط خلال السنوات الخمس الأخيرة وتوزع أرباحًا بنسبة 0.75% سنويًا.
وهناك سهمان يشكلان استثناءً في محفظة “جيتس” وفي محفظة “بيل أند أماندا”، الأول هو السهم الوحيد الذي يستثمر فيه “جيتس” ولا يقوم بتوزيع الأرباح وهو سهم “بيركشاير هاثاواي” شركة إدارة الأصول الشهيرة التي يديرها “بافيت”، ولكنه ارتفع بنسبة 90% تقريبا خلال السنوات الخمس الأخيرة.
والثاني هو استثماره في شركة “ايكلاب”، وهي شركة تكنولوجية مغمورة نسبيًا وذات نمو بطيء نسبيا (18% آخر خمس سنوات بالكامل) مع توزيع إرباح في حدود 1% فحسب، ولكن يبدو أن لـ”جيتس” رأيه في مستقبل تلك الشركة واحتمالات نموها في قادم السنوات.
والشاهد أنه بعد تحليل محفظة جيتس فإنها كما يبدو من شخصه، منضبطة متوازنة، وحتى عنصر المغامرة فيها يأتي في مجال يعرفه “جيتس” بشكل كبير جدا، بل هو من خبرائه، أي في التكنولوجيا.
المغامرة والمرونة
وهناك بعض الصفات الشخصية التي تقود المتداولين إلى النجاح أحيانا وإلى الفشل أحياناً أخرى، ومن ذلك الميل للمغامرة، فإذا اقترن مع قراءات دقيقة للسوق وخطة واضحة لمواعيد الدخول والخروج من السوق، فضلا عن معرفة قوية بالاقتصاد وقدرة على التخطيط يمكن لها أن تكون صفة تقود صاحبها إلى تحقيق الأرباح، والعكس بالعكس.
ففي حالة “مايكل باري” المستثمر الأمريكي الذي ربح لنفسه وللمستثمرين معه أكثر من 700 مليون دولار بالبيع على المكشوف في الأزمة المالية العالمية، بينما قادت خيارات مشابهة مستثمرا آخر –شهيرا أيضا- مثل “جيسي ليفرمور” إلى خسارة رأسماله بل واليأس والانتحار، رغم أنها جاءت بعد اختيارات أخرى ناجحة.
ومن أهم الخصال التي يجب أن يتمتع بها المتداول هي المرونة، ولعل المثال الأبرز لذلك هو “وارين بافيت”، فعندما قرر شراء سهم شركة “أبل” في عام 2016 كان يناقض تصريحات سابقة له شخصيًا بعدم الاستثمار في الشركات التكنولوجية، التي “لا يفهم شيئًا فيها”.
فقبل قراره الاستثماري “الثوري” بـ22 عامًا كاملة، أجاب “بافيت” على سؤال خلال ندوة عما إذا كان مستعدًا للمشاركة في “مايكروسوفت” أو “فايزر” بوصفهما –حينها- شركتين يُتوقع لهما مستقبلاً مشرقاً، فرد أنه “لو قرر الاعتماد على مهارات شخص آخر في استثمار أمواله فإنه لن يجد أفضل من “بيل جيتس” ليفعل ذلك ولكنه عليه الاعتماد على نفسه في توجيه أمواله”.
واعتبر “بافيت” حينها أن شركات التكنولوجيا “معقدة أكثر مما ينبغي”، ويحيطها متغيرات كثيرة للغاية تجعل الاستثمار فيها “رهانًا أكثر منه استثمارًا”، وبالتالي فإنه لن يستثمر في شيء اعتمادًا على معلومات شخص آخر ولن يقوم بخيار لا يمكنه توقع نتائجه.
وبعد 22 عامًا على تصريحاته تلك بدأ “بافيت” في شراء أسهم في “أبل” حتى بلغت حيازته من الأسهم من الشركة العملاقة أكثر من 5.9% في الربع الأول من 2024 وذلك من خلال عمليات شراء ممنهجة على مدى أعوام لتجنب ارتفاع سعر السهم بشكل حاد.
وتختلف تقييمات الربحية الكاملة لـ”بافيت” في استثماره في “أبل”، نظراً لاختلاف أسعار الشراء وتوقيتاته ولكنها لن تقل عن 250-320% (بعض التقديرات تشير إلى ربحية أعلى من ذلك أيضا) خلال 6 سنوات فحسب من اقتناء سهم الشركة التكنولوجية أي بين عامي 2018 و2024 بما يجعلها واحدة من أفضل الصفقات فقط لتمتع “بافيت” بالمرونة اللازمة.
وبشكل عام فإن من أهم الصفات الشخصية التي تميز المتداول الناجح:
الانضباط: يُعد الانضباط من أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها المتداول، فهو يعني الالتزام بنظام تداول محدد وقواعد محددة للدخول والخروج من السوق، والتحكم في مشاعره وتجنب الانفعال عند اتخاذ القرارات، وتتضح أهمية هذه الصفة عند معرفة أن 70% من الأشخاص ينخرطون في السوق دون” خطة واضحة”.
الصبر: يتطلب الاستثمار في سوق الأسهم الكثير من الصبر، حيث لا تتحقق النتائج بشكل سريع. فالمتداول الناجح هو من يمتلك الصبر الكافي لانتظار الفرص الاستثمارية المناسبة، ويتجنب التسرع في اتخاذ القرارات.
ويتضح أهمية هذه الصفة أيضا مع الإقرار بأن غالبية المتداولين (الثلثين أو 80% في بعض التقديرات) تسعى إلى أرباح سريعة من السوق بما يتسبب لها بالخسائر.
التعلم المستمر: يتغير سوق الأسهم باستمرار، ولذلك من المهم للمتداول أن يظل على اطلاع دائم على أحدث التطورات والتحليلات، وأن يتعلم من أخطائه ويطور مهاراته بشكل مستمر.
التحكم في المشاعر: يُعد التحكم في المشاعر من أهم العوامل التي تميز المتداول الناجح، فهو يعني تجنب الانفعال عند اتخاذ القرارات، والتحكم في الخوف والطمع، والتعامل مع الخسائر بشكل عقلاني، أو كما يقال احذر من تأثير الثلاثة في سوق الأسهم ويقصد بها خسارة “واضحة” أو مكسب “واضح” لثلاثة أيام متتالية في السوق، حيث يؤثر هذا الأمر على قرارات أكثر من 60% من المتداولين سواء بالبيع أو الشراء أو الاحتفاظ.
الثقة بالنفس مع الاستماع للغير: يجب على المتداول أن يمتلك ثقة كافية بنفسه وبقراراته، وألا يتأثر بآراء الآخرين أو تقلبات السوق، ولكن في نفس الوقت يستمع لآراء غيره ويقيمها وينتقي منها ما يناسبه وما يراه صحيحًا ومعينًا له.