كيف تستخدم موسكو الأموال والذكاء الاصطناعي للتأثير على الانتخابات الأمريكية
لا شك أن مشهد الانتخابات الأمريكية محط أنظار الكثير من المتابعين للساحة السياسية، خاصة مع بدء العد التنازلي لعملية الاقتراع المقررة في شهر نوفمبر المقبل.
تصاعد التنافس بين مرشح الحزب الجمهوري “دونالد ترامب” وغريمته مرشحة الحزب الديمقراطي “كامالا هاريس” يجعل من الصعب معرفة الفائز في تلك الانتخابات، خاصة أن استطلاعات الرأي لا ترجح فوز أي منهما في ظل تقارب أرقام تلك الاستطلاعات.
ونظراً لامتلاك كل منهما برنامجاً متبايناً من الأولويات المتعلقة بالسياسات التي يعتزم انتهاجها خلال فترة ترؤسه للولايات المتحدة، وتمتع أمريكا بنفوذ سياسي قوي في الساحة العالمية، يجعلها لاعباً رئيسياً في مسار العديد من القضايا الإقليمية والعالمية، لذا فإن هناك العديد من الجهات خارج الولايات المتحدة تسعى لدعم مرشح دون الآخر بما يخدم أهدافها.
الأصابع تتجه لروسيا
وقبل عدة أيام كشفت وزارة العدل الأمريكية عن أن موظفي شبكة “أر تي” الإعلامية المدعومة من روسيا، موّلوا وخططوا لإرسال ملايين الدولارات إلى مؤثرين أمريكيين يمينيين بارزين يمتلكون ملايين المتابعين عبر شبكات التواصل الاجتماعي من خلال شركة إعلامية ترجح وسائل إعلام أنها شركة “تينيت ميديا”، وهي منصة رائدة للأصوات المؤيدة لـ”ترامب”.
وتتضمن لائحة الاتهام الصادرة يوم الأربعاء الماضي بحق موظفين في “أر تي”، هما “كونستانتين كلاشنيكوف” و”إيلينا أفاناسييفا”، مزاعم بأن الثنائي نفذ خطة بقيمة 10 ملايين دولار تقريباً لتمويل شركة داخل الولايات المتحدة كواحد من “مشاريعهم السرية” للتأثير على السياسة الأمريكية من خلال نشر مقاطع فيديو على منصات التواصل الاجتماعي مثل تيك توك وإنستجرام ويوتيوب وإكس عبر أولئك المؤثرين.
ويتطابق وصف الشركة، التي لم تذكر لائحة الاتهام اسمها واكتفت بوصفها بأنها “شبكة من المعلقين غير التقليديين الذين يركزون على القضايا السياسية والثقافية”، وهو النص نفسه الذي تستخدمه شركة “تينيت ميديا” للتعريف بنفسها على موقعها على الإنترنت وقنوات التواصل الاجتماعي.
ودخلت شركة “تينيت” في شراكة مع ستة مؤثرين هم “ديف روبين” و”تيم بول” و”تايلر هانسن” و”مات كريستيانسن” و”لورين ساوثرن” و”بيني جونسون”، الذين أشارت إليهم لائحة الاتهام دون ذكر أسمائهم.
فعلى سبيل المثال يمتلك “روبين” قناة على اليوتيوب يصل عدد متابعيها إلى 2.44 مليون شخص، أما “بول” فلديه أكثر من 1.3 مليون مشترك على قناته بالمنصة نفسها.
وتزعم لائحة الاتهام تلقي شخصين من المؤثرين تذكر تقارير إعلامية أنهما “روبين” و”بول”– 8.7 مليون دولار، مع نفي اللائحة إدراك كل منهما من أين أتت الأموال.
وبدأ “تيم بول” كصحفي رقمي لوسائل الإعلام الإخبارية، لكنه أصبح في السنوات الأخيرة أحد أكثر المؤثرين على الإنترنت شعبية بين اليمين، كما أعرب عن دعمه القوي لإعادة انتخاب “دونالد ترامب”.
وكان “بول”، الذي أجرى مقابلة مع ترامب هذا العام، ناقداً متكرراً للمساعدات الأمريكية لأوكرانيا، بحجة أنها تمثل استفزازاً لروسيا.
“روبين” هو أيضاً منتقد صريح لأوكرانيا، حيث يقول إنها “لا تستطيع الفوز” في الحرب ضد روسيا.
روسيا الأكثر نشاطاً
وسواء كان هؤلاء المؤثرين قاموا عن عمد أو غير عمد بتلقي تلك الأموال لنشر فيديوهات يعتقد أنها تصب في مصلحة المرشح الرئيس السابق “ترامب”، فإن ذلك يعطي إشارة كيف أن موسكو تسعى بشكل أو بآخر لدعم المرشح الذي يخدم أهدافها.
وقال مسؤول كبير في الاستخبارات الأمريكية يوم الجمعة إن موسكو عبر شبكة “أر تي” تستخدم شخصيات أمريكية وغيرها لمحاولة التأثير على الناخبين الأمريكيين لدعم المرشح الجمهوري للرئاسة “دونالد ترامب” على حساب منافسته “هاريس”.
ولم يقدم المسؤول مزيداً من التفاصيل حول كيفية محاولة تلك الجهات التأثير على الناخبين، بحسب رويترز.
وقال المسؤول إن روسيا هي الخصم الأجنبي الأكثر نشاطاً في محاولة التأثير على الانتخابات، بينما تركز الصين جهودها بشكل أكبر على إحداث تأثير بالانتخابات المحلية.
من جانبها نفت “أر تي” الاتهامات بسخرية، قائلة “ثلاثة أشياء مؤكدة في الحياة؛ الموت والضرائب وتدخل أر تي في الانتخابات الأمريكية”، كما نفت روسيا تدخلها في السابق في الانتخابات الأمريكية.
كما نشرت شبكة إن بي سي تقريراً في فبراير الماضي ذكرت فيه أن روسيا نشرت بالفعل معلومات مضللة قبل انتخابات 2024، باستخدام حسابات وهمية على الإنترنت وبرامج روبوتية لإلحاق الضرر بالرئيس “جو بايدن” وزملائه الديمقراطيين، وفقاً لمسؤولين أمريكيين سابقين وخبراء في مجال الإنترنت.
وقال خبراء إن هذه الهجمات على “بايدن” الذي كان المرشح السابق للحزب الديمقراطي قبل تنحيه، هو جزء من جهد مستمر من جانب موسكو لتقويض المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا ودعم الولايات المتحدة وتضامنها مع حلف شمال الأطلسي.
وأوضح التقرير أن جهوداً مماثلة جرت في أوروبا، حيث قالت فرنسا وألمانيا وبولندا حينها إن روسيا أطلقت وابلاً من الدعاية لمحاولة التأثير على الانتخابات البرلمانية الأوروبية في يونيو 2023.
تدخل سابق
اتهامات موسكو بمحاولة التأثير على نتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية ليست جديدة، فقبل ثماني سنوات، واجهت روسيا اتهامات تضمنت اختراق اللجنة الوطنية الديمقراطية وتسريب وثائق مسروقة إلى موقع ويكيليكس بهدف الإضرار بحملة “هيلاري كلينتون” الرئاسية.
ويزعم العديد من الديمقراطيين أن العملية ساهمت في فوز “ترامب” على “كلينتون” في نهاية المطاف في نوفمبر 2016.
وخلص الساسة ومسؤولو الاستخبارات الأميركيون منذ ذلك الحين إلى أن العملية صدرت بأمر مباشر من الرئيس الروسي “فلاديمير بوتن”.
ووُجِّهت اتهامات إلى 12 ضابط استخبارات عسكرية روسية في عام 2018، وصدرت أوامر فيدرالية باعتقالهم بسبب أدوارهم المزعومة في التدخل في الانتخابات الأمريكية قبل عامين.
وتضمنت لائحة الاتهام التآمر لاختراق أجهزة الكمبيوتر، بما في ذلك الوصول غير المصرح به إلى أجهزة الكمبيوتر الخاصة بالأشخاص والكيانات الأمريكية المشاركة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016، وسرقة وثائق من تلك الأجهزة، للتدخل في الانتخابات.
كما وُجهت اتهامات بارتكاب جرائم اختراق أجهزة كمبيوتر لأشخاص وكيانات أمريكية مسؤولة عن إدارة انتخابات الولايات المتحدة للعام نفسه، مثل الشركات الأمريكية التي قدمت برامج وتقنيات أخرى تتعلق بإدارة تلك الانتخابات.
التهديد بالذكاء الاصطناعي
سلاح جديد ظهر على الساحة قد تستخدمه موسكو في سعيها للتأثير على نتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة، بحسب تقارير إعلامية، ألا وهو الذكاء الاصطناعي.
وأفاد تقرير لشبكة إن بي سي في فبراير الماضي بأن المسؤولين والخبراء الأميركيين يشعرون بقلق بالغ إزاء احتمال محاولة روسيا التدخل في الانتخابات من خلال تسجيل صوتي أو فيديو “مزيف” باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي أو من خلال “الاختراق والتسريب”، مثل السرقة المدمرة سياسياً لرسائل البريد الإلكتروني الداخلية للحزب الديمقراطي من قِبَل عملاء الاستخبارات العسكرية الروسية في عام 2016.
وفي هذا الإطار، قال “إيمرسون بروكينج”، أحد الخبراء في قطاع الذكاء الاصطناعي، إن التهديد الروسي الأكبر لانتخابات 2024 قد يكون عبارة عن صوت مزيف تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي.
وأشار التقرير إلى أنه قد لا يتم نشر تسجيل صوتي مزيف بين كل الولايات الأمريكية؛ وبدلاً من ذلك، قد يتم استهداف ولاية أو منطقة متأرجحة بالغة الأهمية في ترجيح كفة أحد المرشحين، وقد يهدف إلى تثبيط عزيمة بعض الناخبين عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع أو زرع عدم الثقة في دقة فرز الأصوات.
وقال “مايلز تايلور”، مسؤول الأمن الداخلي الكبير في إدارة ترامب، الذي حذر من مخاطر رئاسة ترامب مرة أخرى، إن السيناريو الأكثر ترجيحاً للتضليل سيكون استخدام تلك الوسيلة في “هجمات محلية للغاية”.
وتم استخدام التسجيل الصوتي المزيف، الذي يسهل إنشاؤه ويصعب اكتشافه، في الانتخابات الأخيرة في دول متعددة، ففي الولايات المتحدة الشهر الماضي، أخبرت مكالمة آلية مزيفة لـ”جو بايدن” الديمقراطيين في نيوهامبشاير بعدم التصويت في الانتخابات التمهيدية للولاية، وفي المملكة المتحدة في نوفمبر، دعا تسجيل صوتي مزيف لعمدة لندن صادق خان إلى مسيرات مؤيدة للفلسطينيين.
وقبل يومين من الانتخابات البرلمانية في سلوفاكيا في سبتمبر، ظهر مقطع صوتي مزيف يزعم أن زعيم حزب سياسي موالٍ للغرب يناقش كيفية تزوير الانتخابات، ورغم أنه تم فضح تزييف المقطع الصوتي، فمن غير الواضح ما التأثير الذي أحدثه على الانتخابات، خاصة أن حزباً موالياً لروسيا يعارض المساعدات لأوكرانيا هو الذي فاز بأكبر عدد من الأصوات.
وفي سبتمبر عام 2022 زعمت وزارة الخارجية الأميركية أن روسيا أنفقت سراً أكثر من 300 مليون دولار منذ عام 2014 للتأثير على الأحداث السياسية خارج حدودها، عبر تحويل تلك الأموال لأحزاب سياسية ومرشحين في أكثر من عشرين دولة.
ولم يذكر التقرير حينها أهدافاً روسية محددة، لكنه قال إن موسكو من المرجح أن تلجأ بشكل متزايد إلى التمويل السياسي السري لتقويض العقوبات الدولية بسبب حربها في أوكرانيا، كما لم يتضمن التقرير أدلة محددة حول التمويل السري المزعوم.