كيف تؤدي التحيزات المعرفية إلى قرارات استثمارية غير ناجحة رغم التوقعات المبكرة؟
يرى “مارك ماتسون” رجل الأعمال والمؤلف والمبتكر في علم الاستثمار والتعليم المالي أن التحيزات المعرفية -في عقل الإنسان- يمكن أن تشوّه الطريقة التي يرى بها العالم وربما تدفعه لاتخاذ قرارات استثمارية سيئة.
وأوضح “ماتسون” في كتاب “تجربة الحلم الأمريكي: كيفية استثمار وقتك وطاقتك وأموالك لتوفير حياة استثنائية”، أن عقول البشر مشغولة بالتعامل مع المستقبل الذي قد يحدث، وبالتالي فإنها دائمًا في حالة تأهب وتعمل على التأكد من عدم حدوث السيئ.
لذلك يحاول العقل البشري إقناع صاحبه بعدم القيام بالأمور الصعبة وإقناعه باتباع المسار السهل لأنه آمن، وبمجرد أن يدرك العقل تهديدًا محتملاً -حتى لو كان من وحي خياله- يتخذ إجراءات لضمان تجنبه.
لكن بمجرد تجاوز هذا التهديد تحاول القشرة الدماغية تبرير هذه الأفعال على أنها عقلانية، وتوفر دائمًا سببًا منطقيًا للقرارات -حتي السيئة منها- بعد اتخاذها بوقت قصير، وهنا يأتي دور التحيز المعرفي.
ببساطة شديدة، التحيز المعرفي هو خطأ منهجي أو انحراف في التفكير يؤثر على اختيارات وأحكام الأشخاص، ويمكن مكافحة هذه التحيزات من خلال فهم ماهيتها وكيفية تأثيرها، لأنه لو لم يدرك الشخص سبب رد فعله بطريقة معينة في ظروف محددة، فسيكون من الصعب تغيير سلوكه وقراراته في المستقبل.
وهناك 175 تحيزًا معرفيًا يمكن أن تشوه الطريقة التي نرى بها العالم، ولكن هناك بعض التحيزات الرئيسية التي يمكن أن تنطبق على الاستثمار.
تحيزات معرفية تؤثر على قرارات المستثمرين |
|
التحيز المعرفي |
التوضيح |
تحيُّز الإدراك المتأخر |
هو ميل المستثمر للمبالغة في قدرته على التنبؤ بنتيجة ما بعد وقوعها، بترديد عبارات مشابهة لـ “كنت أعلم أن ذلك سيحدث من البداية”. والحقيقة لا.. لم يكن المستثمر يعلم ذلك، لأنه لو كان يعلم لاستفاد من معرفته. لو كان على علم حقًا بما هو السهم الصاعد أو الأفضل أداءً، لما اشترى سهمًا آخر، بل كان سيضع كل استثماراته في ذلك السهم. والدليل على ذلك ما ردده الناس عند حدوث الأزمة المالية 2008، ورغم ذلك لم يكن أحد يعلم وإلا ما سببت الأزمة الكثير من الضرر. لذا فإن التحيز للماضي يخدع المستثمر ويجعله يعتقد أن لديه مهارات أكثر، وبالتالي يصبح عرضة للسلوك غير العقلاني في المستقبل. |
تتبُّع أنماط زائفة |
يعني الميل لتشكيل روابط بين أشياء ليس لها صلة معًا بشكل خاطئ، أو بمعنى آخر إذا فعلت هذا الشيء سيحدث كذا، ولكن ربما لا توجد علاقة بين الأمرين في الواقع. ذلك لأن العقل البشري لا يرغب في قبول العشوائية، وبالتالي يميل لتشكيل أنماط، ليتجنب بعضها ويلاحق الأخرى. لكن يجب إدراك أن الظروف تتغير باختلاف الوقت، وعلى الإنسان التكيف. وفيما يتعلق بالاستثمار فمن المنطقي الاعتماد على الحقائق والحسابات الرياضية بدلاً من افتراض أنماط زائفة. |
التحيز للمكانة |
يميل المستثمرون لتقليد النماذج الاستثمارية التي يعتقدون أنها ستبرز مكانتهم وقوتهم. ويتجه البشر في الأغلب لعدم الحديث عن مدى ثرائهم ونجاحهم، لكنهم يحيطون أنفسهم بأشياء مادية تفصح عن مكانتهم ووضعهم المادي نيابة عنهم، عن طريق امتلاك نوع محدد من السيارات أو شراء منازل في مناطق متميزة. هذا النمط يؤثر على طريقة استثمار الأموال أيضًا، وهو ما ساعد العقل المدبر لأكبر عملية احتيال استثماري في تاريخ أمريكا “مادوف” على الاحتيال على آلاف الأشخاص لفترة طويلة، وذلك لأن الاستثمار معه كان له مكانة مرموقة. |
التحيز التأكيدي |
يعني بحث المستثمر -أو الأفراد بشكل عام- عن المعلومات التي تدعم رؤيته ومعتقداته الحالية، وتؤكد له أنه على حق. يفسر ذلك التحيز السبب الذي يدفع شخصين شهدا نفس الحدث أن يكون لهما رؤية مختلفة تمامًا له. قد يؤثر هذا النوع من التحيز سلبًا للغاية على القرارت الاستثمارية أيضًا، ويمنع المستثمر من البحث عن دليل علمي أو منطقي لمعتقداته. |
تحيُّز الثقة المفرطة |
المقصود هنا ثقة المستثمر المبالغ فيها أو المفرطة في مهارته أو قدرته على تحقيق مكاسب محددة. لذلك يجب أن يحدد المستثمر مهاراته بحيادية واختبارها والتأكد من أنها واقعية وليست مبالغًا في تقديرها، وكذلك عدم التحيز لأداء المحفظة الاستثمارية من أجل إدراك عيوب نهجه. |