كيف ألهم هذا المستثمر الآخرين لتحقيق النجاح في سوق الأسهم: لا تبيع الرابح ولا تتمسك بالخاسر
في عام 1954، بمدينة نيوتن الهادئة في ولاية ماساتشوستس على الساحل الشرقي الأمريكي، دفعت الظروف الصعبة والمفاجئة عائلة “لينش” إلى نمط حياة مختلف تمامًا بعد وفاة الوالد “توماس لينش” بسبب السرطان.
في ذلك الوقت، لم يمكن عمل الأم كافيًا لإعالة الأسرة الصغيرة، حيث اضطر الابن “بيتر لينش” البالغ من العمر 10 سنوات لدخول سوق العمل كحامل لمضارب الجولف في أحد الأندية الراقية.
لكن من يدري خبايا القدر! هذه الوظيفة التي وضعت “لينش” الصغير بالقرب من الطبقة الثرية كانت محور تحول كبير في مسار حياته، حيث أكسبته اهتمامًا واسعًا بالاستثمار ليبدأ مسيرته بشراء عشرات الأسهم والتي تضاعفت قيمتها مرات عدة لاحقًا.
وحصل لاحقًا على منحة دراسية للالتحاق بكلية بوسطن حيث تخرج عام 1965 بدرجة البكالوريوس في التمويل، وبدأ العمل في شركة “فيديليتي”، وتمكن من دفع تكاليف الدراسات العليا بفضل استثماراته المبكرة في شركة “فلاينج تايجر- Flying Tiger“.
“بيتر لينش” لمن لا يعرفه، هو أحد أساطير الاستثمار في الولايات المتحدة رغم تواضع ثروته البالغة 450 مليون دولار تقريبًا مقارنة بأقرانه، لكن ساعدت مسيرته القيادية المليئة بالنجاحات وترقيه السريع، ومن ثم تقاعده المبكر في تحويله إلى أحد “عباقرة الاستثمار”.
وتولى “لينش” إدارة صندوق “فيديليتي ماجلان” عام 1977 حتى تقاعده في 1990، حيث حقق عائدًا سنويًا قدره 29.2% خلال هذه الفترة، ليحوله إلى أكبر صندوق استثماري في العالم آنذاك، ومن ثم ذاع صيته كأحد مهندسي الاستثمار في أمريكا.
مبدأ لينش الذي ألهم بافت
– في أحد أيام عام 1989 حيث كان يقضي “لينش” الوقت بصحبة أسرته، تلقى اتصالًا هاتفيًا أخبرته ابنته ذات الست سنوات أنه من المستثمر “وارن بافت”، ولوهلة، اعتقد “لينش” أنها مجرد خدعة أو دعابة سيئة.
– عندما وضع “لينش” سماعة الهاتف على أذنه، تعرف على صوت “حكيم أوماها” بسهولة، لكنه ازداد ذهولًا عندما أخبره “بافت” أنه انتهى للتو من قراءة كتابه “أعلى بخطوة من وول ستريت” أو ” One Up on Wall Street” والذي صدر في نفس العام.
– هذا واحد من أكثر الكتب مبيعًا (أكثر من مليون نسخة) في مجال الاستثمار، كتب “لينش” فيه عن تجربته كمدير صندوق، وتحدث فيه بوضوح عن كيفية قراءة البيانات المالية وتطوير محفظة الأسهم الرابحة، وكيف يمكن للمستثمرين العاديين التفوق على نظرائهم المحترفين.
– المفاجأة الأكثر بهجة بالنسبة لـ “لينش” في مكالمة “بافت”، أن الأخير طلب منه اقتباس جملة من الكتاب في خطابه للمساهمين نهاية العام، وطبعًا وافق مدير صندوق الاستثمار المشترك السابق على الطلب، لكنه كان فضوليًا بشأن اختيار الملياردير.
– وقع اختيار “حكيم أوماها” على عبارة “إن بيع الرابحين والاحتفاظ بالخاسرين يشبه قطع الزهور وسقي الأعشاب الضارة”، والتي وضعها “بافت” في خطابه بالفعل، فيما وصفه “لينش” لاحقًا بأنه “شرف يماثل دعوته إلى البيت الأبيض”.
– أضاف “بافت” إلى الاقتباس في خطابه: “نحن على النقيض تمامًا من أولئك الذين يسارعون إلى البيع وتسجيل الأرباح عندما تحقق الشركات أداءً جيدًا ولكنهم يتمسكون بعناد بالأعمال التي تخيب الآمال”.
لماذا ينبغي بيع الأصول الخاسرة؟
– عندما تتعمق خسارة رأس المال يكون من الصعب تعويضها، أو كما يصفها “بافت” فإنها “تخيب الآمال”، حيث كان نشطًا دائمًا في إعادة ترتيب محفظته عن طريق بيع الاستثمارات الضعيفة، وليس صحيحًا الاعتقاد السائد بأن قاعدته الأساسية “الاستثمار طويل الأجل” تحتم عليه الاحتفاظ بجميع الأسهم.
– إن انخفاض قيمة سهم سعره 100 ريال بنسبة 50% إلى 50 ريالًا، يعني أنه بحاجة للارتفاع مجددًا بنسبة 100% فقط لتعويض الخسارة، وإذا كانت الخسارة 80% إلى 20 ريالًا، فإنها تتطلب ارتفاعًا قدره 400%.
– وفقًا لشركة خدمات الوساطة المالية والبنكية “تشارلز شواب”، ينبغي بيع الأصول الخاسرة لأسباب عديدة أخرى، أولها الاستفادة من هذه الخسارة في الحصول على إعفاء ضريبي على المكاسب الرأسمالية، وهي ممارسة شهيرة في السوق الأمريكي.
– مثلًا، إذا حقق أحد المستثمرين مكاسب رأسمالية على المدى القصير قدرها 10 آلاف دولار، وفي نفس الوقت، بلغت خسائره الرأسمالية المحققة في أصول أخرى 15 ألف دولار، يمكنه الاستفادة من الفارق في تقليل فاتورة الضرائب الخاصة به لهذا العام أو الأعوام المقبلة.
– كما يمكن بيع الأصول الخاسرة للحصول على الكاش، خاصة بالنسبة لأولئك الذين يؤمنون بأنه ينبغي ترك الأسهم الرابحة تواصل مسيرتها نحو تعظيم القيمة، والأهم أنه ينبغي بيع الأصول الخاسرة ما دامت لا تناسب استراتيجية المستثمر بعد الآن، وفقًا لـ “تشارلز شواب”.
بيع الرابحين: تأثير التصرف
– يميل الكثير من المستثمرين إلى بيع الأصول الرابحة، حيث يمنحهم ذلك شعورًا جيدًا (قطف ثمار الصبر)، ويغذي ثقتهم في أنفسهم واختياراتهم -بعضها فقط في الحقيقة-، ويفضلون بيع الأسهم المولدة للقيمة بدلًا من تحمل ألم تحقق الخسارة في الأصول السيئة.
– تجنب بيع الأسهم الخاسرة “أحيانًا” ما يكون تعلقا بأمل “زائف” أو “بعيد المنال” لتعويض الخسارة، ومع بيع الأسهم الرابحة، يكون الخطأ أكبر، والذي يعرفه بعض خبراء التمويل بأنه “تأثير التصرف” أو “تأثير الرغبة في التخلص”.
– هذا التأثير هو الدافع وراء أحد أكبر الأخطاء التي يرتكبها المستثمرون، والذي يقول علماء النفس إنه ينشأ بسبب عدم قدرة المستثمرين على رؤية محافظهم الاستثمارية بصورة كاملة، فمن الطبيعي لكل محفظة أن يكون بها عناصر رابحة وأخرى خاسرة.
– لكن يميل المستثمرون إلى التركيز على كل مركز استثماري على حدة وليس الأداء الكلي للمحفظة -والذي ينبغي أن يكون موجبًا على المدى الطويل- ويتركون في النهاية الأفكار المتعلقة بسعر السهم المدفوع (قبل الخسارة) وهو ما يحفز خطواتهم التالية في السوق.
– في ورقة بحثية نشرها معهد المحللين الماليين المعتمدين “CFA“، قال باحثون إن عملية النمذجة التي تستهدف معرفة أسباب “تأثير التصرف” صعبة للغاية، لكن بالاستناد إلى “نظرية التوقعات” كان من الممكن استخلاص بعض الدوافع المحتملة.
– وفقًا للباحثين، فإن المستثمرين عادة ما يتجنبون المخاطر عند تحقيق مكاسب معتدلة، ويبحثون عن المخاطرة عند تسجيل خسائر معتدلة، كما أنهم يتفاعلون بشكل سلبي أكثر مع الخسائر مقارنة بالتفاعل الإيجابي تجاه المكاسب المسجلة بنفس مقدار الخسائر.
تحيز اللاواعي للخسارة
– تقول “كاتي هدسون”، رئيسة أبحاث الأسهم في “يارا كابيتال مانجمنت” ومديرة صندوق الشركات الأسترالية الصغيرة التابع لبنك “يو بي إس”: “بمرور الوقت، سيؤدي ذلك -بيع الرابحين وإبقاء الخاسرين- إلى انحياز محفظتك لزيادة وزن الأصول الخاسرة على حساب الرابحة”.
– مع ذلك، يرى بعض المحللين أن “النتائج المدمرة” لـ “تأثير التصرف” أمر لا مفر منه في سوق الأسهم، مستشهدين ببعض الأسهم التي انخفضت أسعارها بشكل حاد في السنوات القليلة الماضية (أكثر من 95% في بعض الحالات) وما زالت تشهد إقبالًا من المستثمرين.
– تبحث “إليز بايزان-لينستور”، الأستاذة المساعدة في كلية إدارة الأعمال بجامعة نيو ساوث ويلز، في “العناد الواضح” في قرارات المستثمرين المرتبطة ببيع وشراء الأصول، وتقول: “إذا نظرنا إلى الأمر من الخارج، فيبدو أن هذا سلوك غير عقلاني تمامًا”.
– تستند “بايزان- لينستور” إلى أبحاث علم النفس الحيواني القابلة للتطبيق على البشر، وتقول إنه على سبيل المثال، إذا قامت حمامة بحركة عشوائية، مثل الدوران في دائرة، قبل الحصول مكافأة (الطعام) فإنها تربط هذا السلوك بالمكافأة، وسوف تكرر الفعل وتزيد من وتيرته”.
– ترى الباحثة أن إمكانية تغيير السلوك من خلال شرح التحيزات للبشر “وهم”، وتعزو التحيز بشكل عام إلى الإفراط في الثقة أو العناد أو السذاجة، ولكن تشير أيضًا إلى أن الأمر أكثر إثارة للخوف أنه “مسألة عصبية حيوية”.
– في مثال الحمامة إذا توقف تقديم المكافأة، فسيصبح الطائر غير قادر على معرفة ما إذا كانت اللعبة انتهت، ووفقًا للباحثة، هذه فكرة أساسية للاستثمار المالي لأن العشوائية في الحصول على المكافآت تسبب المشاكل، والأصول المحفوفة بالمخاطر يكون تقديمها للمكافآت عشوائيًا بطبيعة الحال.
– بدلًا من ذلك يجب أن يكون لدى المستثمرين فهم واضح لسبب امتلاك السهم وما يتوقعه حدوثه، على أن يدون ذلك كتابة لتجنب “التحيزات النفسية”، وبدلاً من اتخاذ قرار بشراء أو بيع سهم، يبحث عن الوزن الصحيح للمحفظة وفقًا لتغيرات قيم الأصول بها.
– عندما يفقد السهم قيمته، قد يكون ذلك مؤقتًا أو دائمًا، حيث يمكن للعيوب في الميزانية العمومية أن تكون مدمرة للقيمة بشكل دائم، لكن أيضًا قد تكون الانخفاضات مؤقتة بسبب مشاكل الإنتاج أو أي حدث عارض.
– على أي حال، تحدث الأخطاء دائمًا، حتى أن “لينش” تسرع في بيع سهمي “هوم ديبوت” و”دانكن دونتس” مبكرًا قبل أن يرتفعا بأكثر من 50 ضعفًا، ومع ذلك، فإن العلم بالشيء قد يقي “أحيانًا” من تكرار إخفاقات الآخرين.