في سوق الأسهم .. هل عليك بيع أسهمك في مايو وإعادة الشراء في نوفمبر؟
تتنوع العبارات البراقة التي يستشهد بها المتداولون في سوق الأسهم، منها ما يمثل حقيقة، ومنها ما يمثل خطأ شائعاً، ومنها ما يمكن أن ينطبق في بعض الحالات ولا ينطبق في أخرى، ومن تلك العبارات “اشتر والدماء تسيل في السوق” و”الاتجاه صديقك” و”مصير الأسهم في النهاية للصعود”.
وفي مثل هذا الوقت تقريبًا من كل عام، تبدأ عبارة براقة أخرى في الظهور وهي ” بع في مايو واخرج من السوق” بما يجعل بعض المستثمرين يطرحون السؤال التالي: هل يجب عليّ “البيع في شهر مايو والخروج من السوق فعلا؟”.
ما نظرية “البيع في مايو”؟
وعبارة “البيع في شهر مايو والخروج” بمثابة قول مأثور في سوق الأوراق المالية يعتمد على ما يطلق عليه بعض متداولي الأسهم “أفضل 6 أشهر في العام” و”أسوأ 6 أشهر في العام”، حيث يعتبرون أن أفضل فترة أداء مدتها 6 أشهر، من نوفمبر إلى أبريل، والأسوأ هي من مايو إلى أكتوبر، لذا يجب على المستثمرين “البيع في شهر مايو والخروج” – ثم العودة في شهر نوفمبر.
فهل لهذه النظرية ما يدعمها؟
تكشف دراسة أمريكية أنه منذ عام 1990، ارتفع مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” بمعدل متوسط حوالي 2٪ في الفترة من مايو حتى أكتوبر، بينما بلغ متوسط المكاسب حوالي 7٪ في الفترة من نوفمبر إلى أبريل، بما يدعم “نظريًا” حجة هذه النظرية.
ولا يظهر هذا التباين في أداء الأسهم التي تمثل شركات كبيرة (من حيث رأس المال) فحسب، بل أيضًا في الأسهم ذات رأس المال الصغير والأسهم العالمية خارج الأسواق الأمريكية أيضًا، حيث تم متابعة أداء الأسواق الأسيوية والأوروبية ووجد فيها هذا التباين في الأداء بين نصفي العام ولكن بنسب مختلفة.
وقد ساعدت حقيقة حدوث انحدارات كبيرة في السوق في أواخر الصيف أو أوائل الخريف ــ مثل انهيار السوق في أكتوبر عام 1987 ثم في 2008ــ في تعزيز هذا الاعتقاد، لا سيما أن كثيرا من الدراسات تشير تحديدًا إلى أن أكثر شهر شهد أزمات في سوق الأسهم هو شهر سبتمبر تحديدًا.
بل ويبدو أن نظرية البيع في مايو ظلت صحيحة خلال الأشهر الـ 12 الماضية، حيث ارتفع مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” بنحو 5% في الفترة من أول مايو 2023 إلى الحادي والثلاثين من أكتوبر 2023، مقابل مكاسب بنحو 20% في الفترة من أول نوفمبر 2023 حتى الرابع والعشرين من أبريل 2024.
بل وتاريخيا فإن أزمة الكساد الكبير ضربت السوق الأمريكي بعنف في النصف الثاني عام 1929، بل وأثبتت دراسة لجامعة “تيلبورج” عام 1998 أن مقولة “بع في مايو” متحققة -أي أنها تحقق عوائد أفضل من الاحتفاظ بالأسهم طيلة العام- في 36 من أصل 37 سوقًا أجرت الدراسة أبحاثها عليها.
ترك الأصول كـ”كاش”
وقد تكون هذه الاستراتيجية منطقية، إذا كان عائد الاستثمار في الأسهم بقيمة سالبة خلال الشهور بين مايو ونوفمبر، ولكن الشاهد أنه في 80% من السنوات العشرين الأخيرة كان عائد الاستثمار موجبًا وليس سالبًا بين هذه الأشهر في الولايات المتحدة وغالبية الأسواق العالمية.
ولذا فإذا كان البديل بين ترك الأموال بلا استثمار كـ”كاش” أو الإبقاء على استثمار يحقق قيمة موجبة في سوق الأسهم، ولو كانت بدرجة أقل من نصف العام الآخر، فلا شك أن الإبقاء على الأصول مُستثمرة في الأسهم يكون أولى، لا سيما أنه يصعب إيجاد بديل استثماري يتميز بنفس السرعة في التسييل والتنقل بينه وبين الأسهم.
والشاهد أن أغلب الدراسات تشير إلى أن السبب الرئيسي لانخفاض السوق –أو حتى ارتفاعها بمعدل متباطئ- في الأشهر من مايو إلى نوفمبر هي ارتباطها بالانتخابات الأمريكية، حيث يؤدي ترقب الأسواق للرئيس الفائز بالانتخابات الأمريكية إلى انخفاض نسبي في الارتفاع يصل إلى 3-6% وفقًا لبعض التقديرات، كما تتأثر ولكن بدرجة أقل بانتخابات التجديد النصفي للكونجرس.
وعلى الرغم من أن هذا الأمر يبدو مؤثرًا على السوق الأمريكي فحسب للوهلة الأولى، إلا أن تأثير الأسواق الأمريكية على بقية الأسواق في مختلف أنحاء العالم يبقى كبيرًا للغاية، حيث تترقب الأسواق حالة الأسواق الأمريكية كأحد أهم المؤثرات عليها (أكثر من 80% من المتداولين في السوق الهندية يعتبرون السوق الأمريكية أحد أهم المؤثرات على سوقهم المحلية على سبيل المثال).
البيع أم الاحتفاظ عبر الزمن
وتشير دراسة لصندوق “مانيولايف” لإدارة الاستثمارات إلى أنه إذا كان البديل عن استراتيجية “بع في مايو” هي استراتيجية احتفظ بالأسهم فإن النتيجة تكون أفضل ويكون العائد من الاستثمار أعلى.
وباستخدام محفظة افتراضية من عدد من الأسهم الحقيقية قام الصندوق بتحليل الاستثمارات في الأسهم بطريقتي الاحتفاظ أو بطريقة البيع في مايو وإعادة الشراء في نوفمبر، واتضح أنها ستكون بهذا الشكل في الجدول
متوسط عائد الاستثمار آخر 50 عامًا |
|
متوسط عائد الاستثمار آخر 20 عامًا |
|
متوسط عائد الاستثمار آخر 10 أعوام |
|
احتفاظ/بيع |
%7.2 |
|
%7.6 |
|
%10.4 |
|
اشتر واحتفظ بالأسهم |
%6.7 |
|
%5.6 |
|
%5.5 |
|
بع في مايو |
ويلاحظ من الجدول أنه باستمرار ما يكون العائد من الاحتفاظ بالأسهم أعلى من بيعها، وأنه خلال السنوات الأخيرة بدأت تتراجع أهمية هذه المقولة في ظل وجود أكثر من مؤثر أهمها: تَحسُب الأسواق المبكر حاليًا للمتغيرات، بما في ذلك الأشهر المختلفة، بالإضافة لتزايد تداخل الذكاء الاصطناعي في التداول.
ولا يجب نسيان أن هناك “مصاريف منسية” منها مصاريف البيع والشراء وعمولة السماسرة التي تفرضها معظم البورصات عند البيع والشراء، بنسب مختلفة منها ما يبلغ 0.1% فحسب وقد تصل إلى 0.5% في بعض الحالات في بعض البورصات، فضلا عن كلفة الاستشارة المالية، والتي تزيد على ذلك كثيرًا في بعض الحالات، بما يجعل فكرة البيع والشراء أكثر تكلفة من الاحتفاظ أيضا.
وكذلك فإن بيع الأسهم في مايو هو بمثابة لجوء “أعمى” إلى شكل من أشكال المضاربة والتجارة قصيرة الوقت في الأسهم، وإذا كان المضاربون يحظون بمعدل نجاح لا يتجاوز 1% مع استخدام بعض الأساليب مثل الشموع اليابانية أو التقصي التاريخي للسهم فما بالنا بالمضاربة بلا تحليل فني.
واستنتاجاً مما ذُكر، فإن استراتيجية البيع في مايو قد تكون جيدة في بعض الحالات فيما مضى، لكنها غير ذات فاعلية في وقتنا الحالي، وعلى الرغم من ذلك يستمر البعض في اتباعها (بما يعطيها بعض التأثير في ظل موجات بيع في مايو تؤدي لهبوط السعر وموجات شراء في نوفمبر تؤدي لارتفاع أسعار الأسهم).
ولكن عندما يتعلق الأمر بحائزي الاستثمارات طويلة المدى الذين يحققون أرباحًا استثنائية، فهم لا يلقون بالًا لمثل تلك العبارات، تاريخيًا وفي عصرنا الحالي بشكل أكبر، بل، وكما ترى شركة فيديلتي أنه من المرجح أن يستفيد هؤلاء من تذكر هذا الاقتباس من الاقتصادي الأمريكي الحائز على جائزة نوبل “يوجين فاما”:
“الاستثمار مثل الصابون؛ كلما لمسته أكثر يتقلص حجمه”، وهي بمثابة مطالبة صريحة من “فاما” بعدم المساس بالاستثمارات دون داع لأن لذلك تأثيراً سلبياً عليها وبالتالي تقليص حجمها مثل “الصابونة”.