فرنسا تشغل أقوى مفاعل نووي في البلاد بعد تأخيرات طويلة وتجاوزات مالية
في خطوة تُعد علامة فارقة في مسار الطاقة النووية، أعلنت فرنسا يوم السبت، 21 ديسمبر 2024، عن توصيل مفاعل فلومانفيل 3 الأوروبي عالي الضغط بشبكة الكهرباء الوطنية، مما يمثل بداية جديدة في إنتاج الطاقة النظيفة.
المفاعل، الذي يقع في منطقة نورماندي، بدأ في تزويد المنازل الفرنسية بالكهرباء عند الساعة 11:48 صباحًا (بتوقيت غرينيتش)، وفقًا لتصريح لوك ريمون، الرئيس التنفيذي لشركة EDF للطاقة المملوكة للدولة.
وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هذا الحدث بـ”اللحظة العظيمة للبلاد”، مشددًا على أهمية الطاقة النووية كجزء من النموذج البيئي الفرنسي، الذي يسعى إلى تعزيز القدرة التنافسية وحماية المناخ.
بدأ مشروع المفاعل الأوروبي عالي الضغط عام 1992 كجزء من جهود إحياء الطاقة النووية في أوروبا عقب كارثة تشيرنوبيل عام 1986.
لكن المشروع تعرض لسلسلة من التأخيرات والمشكلات التقنية التي أفضت إلى تمديد فترة البناء لـ17 عامًا، مع تجاوز تكاليفه إلى 13.2 مليار يورو مقارنة بالتقدير الأولي البالغ 3.3 مليار يورو.
مفاعل فلومانفيل 3 هو رابع مفاعل من نوعه في العالم، بعد مفاعلين مشابهين في الصين وفنلندا. يتميز بقدرته العالية التي تبلغ 1600 ميغاواط، ما يمكنه من توفير الكهرباء لأكثر من مليوني منزل.
و أوضحت شركة EDF أن تشغيل المفاعل سيخضع لعملية اختبار طويلة تمتد حتى صيف 2025، مع خطط لإجراء فحص شامل لمدة 250 يومًا في ربيع 2026.
رغم هذه التحديات، يُعتبر تشغيل المفاعل دفعة قوية لشركة EDF المثقلة بالديون، ويشكل نقطة تحول بعد عقود من عدم إطلاق مفاعلات جديدة في البلاد، إذ كان آخر مفاعل تم تشغيله هو سيفا 2 قبل 25 عامًا.
الطاقة النووية تشكل نحو 60% من إنتاج الكهرباء في فرنسا، ما يجعلها من بين الدول الرائدة عالميًا في هذا القطاع، على عكس ألمانيا التي تخلت عن الطاقة النووية بالكامل العام الماضي.
وفي إطار رؤية فرنسا للاستدامة، أطلق الرئيس ماكرون خططًا لبناء 6 مفاعلات نووية جديدة مع إمكانية بناء 8 مفاعلات إضافية، في خطوة تعكس التزامًا بتطوير الطاقة النووية بعيدًا عن الوقود الأحفوري.
أكدت الوزيرة السابقة للتحول البيئي أغنيس بانيي-روناشير على أهمية المشروع بقولها: “هذا اليوم يُجسد ثمرة جهد هائل أثمر أخيرًا”، مشددة على أن الدروس المستخلصة ستُسهم في نجاح النهضة النووية التي تقودها فرنسا.
يُمثل تشغيل مفاعل فلومانفيل 3 خطوة محورية في تحقيق استدامة الطاقة بفرنسا، ودعم قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية، وإثبات جاهزية التقنيات الحديثة لتعزيز أمن الطاقة.
و مع هذه الخطوة، تؤكد فرنسا على التزامها بتطوير بنية تحتية للطاقة منخفضة الكربون، مع تطلعها إلى مستقبل أكثر استدامة.