الاقتصادية

رحلة النمو: النرويج بين تنويع الموارد وحماية الثروات

استند النمو الاقتصادي النرويجي بشكل كبير على إيرادات قطاع النفط الغزيرة، ولذا اتخذت الحكومة النرويجية قراراً استراتيجياً بإنشاء صندوق سيادي عام 1990، بهدف تنويع الاستثمارات وحماية الاقتصاد من المخاطر، وقد أثبت هذا الصندوق فاعليته في تحقيق الاستقرار المالي وتقليل حدة التقلبات الاقتصادية.

وشهد الاقتصاد النرويجي تحولاً ملحوظاً في التسعينيات، حيث ارتفعت مؤشرات أدائه الاقتصادي بشكل كبير، فقد سجل ميزان مدفوعاته تحسناً ملحوظاً، وازداد الناتج المحلي الإجمالي نمواً متسارعاً بعد فترة تباطؤ خلال الثمانينيات.

 ونتيجة لهذا النمو القوي، تصدرت النرويج دول الشمال في نصيب الفرد من الدخل القومي، بل وحققت أحد أعلى المعدلات على مستوى العالم.

واستمر هذا الازدهار الاقتصادي حتى مطلع القرن الحادي والعشرين، حيث تمكن الاقتصاد النرويجي من تجاوز العديد من الاقتصادات الصناعية الأخرى خلال الأزمة المالية العالمية عام 2008.

ورغم أن النرويج لم تتبنَّ عملة اليورو، فإنها لم تكن بمنأى عن تداعيات الأزمة المالية العالمية وأزمة الديون السيادية التي عصفت بمنطقة اليورو.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن الاقتصاد النرويجي يعتمد بشكل كبير على الاستيراد، حيث تغطي وارداته من السلع الاستهلاكية، كالغذاء والمركبات، والسلع الرأسمالية والمواد الخام والوقود، حوالي ربع إجمالي وارداتها.

أهم مقومات النمو الاقتصادي في النرويج

الزراعة والغابات وصيد الأسماك

– شهدت بداية القرن الحادي والعشرين انخفاضًا حادًا في عدد المزارع الكبيرة التي تزيد مساحتها عن نصف هكتار، حيث تقلصت بأكثر من النصف مقارنة بأوائل الخمسينيات التي تجاوز فيها عددها 200 ألف مزرعة.

– ونظراً لندرة الأيدي العاملة المأجورة، يتحمل المزارعون أنفسهم عبء العمل الزراعي، ورغم ذلك، ساهم التوسع في استخدام الآلات والأسمدة في زيادة الإنتاج الزراعي الإجمالي.

– وتعتبر الثروة الحيوانية الركيزة الأساسية للإنتاج الزراعي في البلاد، مما حقق قدرًا من الاكتفاء الذاتي في هذا المجال، إلا أن البلاد لا تزال تعتمد على الاستيراد لتلبية احتياجاتها من الحبوب.

– رغم أن الأراضي الزراعية في النرويج تشكّل نسبة ضئيلة من مساحتها الإجمالية، فإن الغابات تغطي أكثر من ثلث أراضيها.

– وتُعد هذه الغابات حجر الأساس لصناعة الأخشاب، والتي تساهم بشكل كبير في صادرات البلاد، كما تعتبر الغابات مصدر دخل أساسياً لنصف المزارعين النرويجيين تقريبًا، لا سيما المزارعين الصغار الذين يعتمدون عليها كمصدر دخل ثانوي.

– على طول السواحل النرويجية، يلعب صيد الأسماك دورًا مماثلًا لدور الغابات في المناطق الداخلية، حيث يشكل أساسًا لصناعة معالجة الأسماك ويوفر فرص عمل موسمية للعديد من المزارعين.

– وتتنوع منتجات الصيد النرويجية لتشمل الأسماك الطازجة والمجففة والمملحة والمدخنة والمجمدة، بالإضافة إلى منتجات أخرى مثل الأسماك المخللة والمعلبة.

قطاع النفط والغاز

– بحلول منتصف التسعينيات، تصدرت النرويج قائمة أكبر مصدري النفط عالميًا، لتحتل المرتبة الثانية مباشرة بعد المملكة العربية السعودية.

– وأصبح قطاع النفط والغاز العمود الفقري للاقتصاد النرويجي، إذ كان يسهم بنصف عائدات التصدير تقريبًا، وبعشر إيرادات الحكومة.

– وبلغ إنتاج النفط ذروته في عام 2001، ثم استقر عند هذا المستوى تقريبًا حتى العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، في حين واصل إنتاج الغاز الطبيعي نموه المطرد منذ عام 1993.

– واستثمرت النرويج جزءًا كبيرًا من ثروتها في تطوير حقولها النفطية والغازية، وبفضل هذه الاكتشافات والمشاريع الضخمة، أصبحت النرويج مزودًا رئيسيًا للغاز الطبيعي إلى القارة الأوروبية، مما عزز مكانتها كقوة اقتصادية عالمية.

الطاقة الكهرومائية

– تتمتع النرويج بمقومات جغرافية فريدة تجعلها كنزًا دفينًا للطاقة الكهرومائية، حيث تتوزع بحيراتها، التي تتجاوز 65 ألف بحيرة، على ارتفاعات شاهقة تتعدى 500 متر عن سطح البحر، مما يشكّل خزانات طبيعية ضخمة للمياه. كما ترتفع تضاريسها الشاهقة، حيث يغطي المرتفع منها أكثر من خمس مساحتها، ليشكل منظومة طبيعية مثالية لتوليد الطاقة.

– وتتعرض النرويج إلى رياح موسمية غربية تحمل معها أمطارًا غزيرة تغذي الأنهار والشلالات، مما يزيد من تدفق المياه بشكل مستمر.

– بفضل هذه الثروة الطبيعية الهائلة، تغطي محطات الطاقة الكهرومائية في النرويج احتياجات البلاد من الكهرباء بالكامل تقريبًا.

– وفي بداية القرن الحادي والعشرين، تصدرت النرويج دول العالم في إنتاج الفرد من الطاقة الكهرومائية، حيث شكلت الطاقة المتجددة، وعلى رأسها الكهرومائية، أكثر من ثلاثة أخماس إجمالي استهلاك الطاقة في البلاد.

قطاع التصنيع

– تتمتع النرويج باقتصاد متنوع قوي، حيث تساهم الصناعات التعدينية والتصنيعية بشكل كبير في صادراتها.

– وقد شهد قطاع الصناعة تحولاً ملحوظاً من التركيز على بناء السفن التقليدية إلى تصنيع المعدات النفطية، التي تستحوذ على حصة كبيرة من القوى العاملة في القطاع الصناعي.

– وتشتهر النرويج بتصدير سفن الإمداد ومنصات الحفر المتطورة، المصممة خصيصاً لمواجهة الظروف القاسية في بحر النرويج.

قطاع التمويل

– يتحمل البنك المركزي النرويجي مسؤولية إدارة السياسة النقدية في البلاد، حيث يضطلع بجميع الصلاحيات المخولة للبنوك المركزية، بما في ذلك تقديم المشورة للحكومة حول السياسات الائتمانية وتطبيقها على أرض الواقع.

– من جهة أخرى، تلعب البنوك الحكومية دورًا حيويًا في دعم مختلف القطاعات الاقتصادية، كالإسكان والصناعة والزراعة، من خلال توفير التمويل اللازم بشروط ميسرة.

– ومع ذلك، فإن هذه البنوك تواجه منافسة شديدة من قبل بنوك الادخار والبنوك التجارية وشركات التأمين في سوق الائتمان.

– ويشهد النظام المالي النرويجي حاليًا نشاطًا ملحوظًا في سوق الأوراق المالية، بينما تعتبر الكرونة النرويجية هي العملة الرسمية المتداولة في البلاد.

قطاع التجارة

– تعتمد النرويج بشكل أساسي على التجارة الخارجية كمحرك رئيسي لاقتصادها، حيث تساهم صادرات السلع، لا سيما إلى دول أوروبا الغربية، وخدمات الشحن البحري العالمية بأكثر من ثلثي الناتج المحلي الإجمالي.

– لعبت الثروة النفطية الغنية دورًا حاسمًا في تعزيز الميزان التجاري وتحقيق فوائض كبيرة، على الرغم من التحديات التي تواجه بعض القطاعات الأخرى.

– أما الشركاء التجاريون الرئيسيون للنرويج فهم المملكة المتحدة، التي تحتل المرتبة الأولى في قائمة الصادرات، بالإضافة إلى ألمانيا والسويد، التي تعد أكبر مصدر للواردات النرويجية، والصين وهولندا.

– وتشمل الواردات الرئيسية الآلات، والمركبات الآلية، والسفن، والحديد والصلب، والمواد الكيميائية، والمنتجات الغذائية، لاسيما الفواكه والخضراوات.

قطاع الخدمات

– شهد قطاع الخدمات في النرويج طفرة نمو هائلة خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين، حيث تجاوزت نسبة الزيادة عتبة الـ 60%.

– كما ترسّخت النرويج كوجهة سياحية مفضلة، لا سيّما لدى سكان الدول الاسكندنافية المجاورة.

– وتُعد صناعة السياحة ركيزة أساسية للاقتصاد النرويجي، إذ توفر فرص عمل لأكثر من 5% من القوى العاملة.

– ومن الملاحظ سيادة القطاع العام على سوق العمل النرويجي، حيث يعمل فيه حوالي ثلث القوى العاملة مقارنة بغيرها من الدول الصناعية.

العمالة والضرائب

– تحول الاقتصاد النرويجي في بداية الألفية الجديدة تحولًا ملحوظًا نحو القطاع الخدمي ليصبح العمود الفقري لسوق العمل.

– ومع ذلك، حافظت الصناعات التقليدية، كالتعدين والبترول، على حضورها القوي، مساهمة بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي.

– واجهت النرويج تحديات اقتصادية متعددة، ففي الوقت الذي قدمت فيه حوافز سخية للاستثمار، مثل القروض والمنح والإعفاءات الضريبية، إلا أنها فرضت في المقابل ضرائب مرتفعة على الدخل والثروة، بالإضافة إلى ضريبة قيمة مضافة تعد من الأعلى في أوروبا.

– ورغم أن العائدات الضريبية شكلت نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي، فإن الدولة أعادت جزءاً كبيراً منها للمواطنين في شكل خدمات اجتماعية وإعانات.

– على الرغم من التضخم الذي أثر سلباً على الاقتصاد، فإن ارتفاع الإنتاجية ساهم في تحقيق نمو ملحوظ في الدخل الفردي، مع بقاء معدل البطالة منخفضاً مقارنة بالعديد من الدول الأوروبية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى