دوامة الأزمات المالية: كيف تتعقد التحديات الاقتصادية؟
تشير ظاهرة “حلقة الهلاك” الاقتصادية إلى سلسلة مترابطة من الأحداث السلبية التي تتفاقم تدريجياً، حيث يسهم كل حدث في خلق حدث سلبي جديد.
هذا المفهوم، الذي ذكره جيم كولينز في كتابه “من الجيد إلى العظيم”، يسلط الضوء على كيف يمكن للأزمات الاقتصادية أن تتعاظم بمرور الوقت إذا لم تُتخذ تدابير تصحيحية.
عندما تعاني دولة من أزمة ديون، تبدأ سلسلة من التفاعلات السلبية تشبه كرة الثلج المتدحرجة. من انخفاض قيمة السندات الحكومية إلى تعرض البنوك للإفلاس، يتوالى الوضع ليشكل تهديدًا حقيقيًا لاستقرار الاقتصاد بأسره.
و في هذا السياق، تجد الحكومات نفسها أمام خيارات صعبة؛ فهي مضطرة لإنقاذ البنوك لتجنب انهيار النظام المصرفي، ولكن هذا الإنفاق الضخم يزيد من حجم الدين العام ويضعف التصنيف الائتماني للدولة.
نتيجة لارتفاع أسعار الفائدة، كحل مؤقت لجذب المستثمرين، يتباطأ النمو الاقتصادي، مما يؤدي إلى تراجع الإيرادات الضريبية.
هذا الوضع يدفع الحكومة إلى الاقتراض بشكل أكبر لتغطية العجز، مما يواصل تسلسل الأحداث السلبية.
تعد الأزمة المالية الآسيوية في عام 1997 مثالاً بارزًا على كيف يمكن أن تؤدي الديون الحكومية المتزايدة إلى إنشاء حلقة مفرغة مدمرة.
فقد أثار ارتفاع مستويات الدين العام في الدول الآسيوية قلق المستثمرين بشأن قدرة هذه الدول على سداد ديونها، مما أدى إلى أزمة ثقة واسعة النطاق.
و نتيجة لذلك، ارتفعت تكاليف الاقتراض الحكومي، مما أجبر البنوك المركزية على رفع أسعار الفائدة، وهو ما أضعف أوضاع البنوك وأدى إلى تقليص حجم القروض المتاحة، مما فاقم الأزمة الاقتصادية.
عندما تشهد أسواق الأسهم هبوطًا حادًا، تتعرض المؤسسات التي تعتمد على الهامش لضغوط شديدة. فتتلقى هذه المؤسسات “نداءات الهامش”، التي تلزمها بإيداع المزيد من الأموال كضمان، مما يدفع المستثمرين إلى تصفية أصولهم، ويؤدي إلى تفاقم الهبوط في السوق.
و تزداد حدة هذه الأزمة عندما تكون السيولة محدودة، مما قد يؤدي إلى انهيارات كارثية في السوق، كما حدث في انهيار سوق الأسهم عام 1929 الذي أدى إلى الكساد الكبير.
و تمثل أزمة الديون اليونانية مثالًا كلاسيكيًا على حلقة مفرغة مدمرة. في عام 2009، كشفت الحكومة اليونانية الجديدة أن الحكومات السابقة كانت تقدم تقارير خاطئة عن المعلومات المالية، مما أدى إلى عجز هائل في الميزانية.
زاد هذا الكشف من تفاقم الأزمة، وأدى إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض، مما دفع وكالات التصنيف الائتماني إلى تخفيض تصنيف الديون اليونانية.
أدى فقدان الثقة هذا إلى موجة من الهلع بشأن الوضع المالي لدول منطقة اليورو الأخرى، مما زاد من الضغوط على مالية الحكومات. ونتيجة لذلك، واجهت هذه الدول صعوبات في تمويل عجز ميزانياتها، مما أجبرها على اتخاذ إجراءات تقشفية قاسية.
لكسر هذه الحلقة، قرر البرلمان الأوروبي في أواخر عام 2010 إنشاء نظام أوروبي للإشراف المالي. كما تلقت اليونان قروض إنقاذ من البنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي، مما تطلب تنفيذ إجراءات تقشف صارمة.
يتطلب كسر حلقة الديون المتراكمة عادةً تدخلاً خارجيًا لتوفير السيولة اللازمة، مع مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية لضمان استعادة الاستقرار المالي.