دراسة : الجفاف والتحديات الهيكلية تكبح جماح النمو الاقتصادي المغربي
كشفت دراسة حديثة أعدتها مجموعة “القرض الفلاحي” الفرنسية عن خفض توقعات نمو الاقتصاد المغربي إلى 3% بنهاية العام الجاري، مقارنةً بـ3.3% في العام السابق.
وأوضحت الدراسة أن التغيرات المناخية، لا سيما الجفاف المزمن، تلعب دورًا كبيرًا في تقلبات النمو الاقتصادي بالمغرب في السنوات القادمة.
كما أبرزت الدراسة التحديات الهيكلية الكبرى التي تواجه الاقتصاد المغربي، مثل تراجع النمو من 4.3% في المتوسط بين عامي 2004 و2014 إلى 2.4% خلال الفترة من 2015 إلى 2023، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة، مما يستدعي تنفيذ إصلاحات عاجلة.
و أشار خبراء مديرية الدراسات الاقتصادية في المجموعة البنكية الفرنسية إلى أن النمو الاقتصادي على المدى القصير سيستفيد من تحسن الوضع الوطني، مع انخفاض ملحوظ في معدلات التضخم بعد وصولها إلى ذروتها عند 10% في فبراير 2023.
هذا الارتفاع في التضخم كان مدفوعًا بزيادة أسعار الطاقة وموجة الجفاف التي أثرت على الإنتاج الفلاحي، الذي انخفض بنسبة 12% في 2022.
ومن المتوقع أن ينخفض معدل التضخم إلى حوالي 2.5% بنهاية العام، مما سيدعم الاستهلاك الخاص.
و أفادت الدراسة بأن التباطؤ في التضخم منح البنك المركزي الفرصة لإنهاء دورة التشديد النقدي في يونيو، حيث خفض معدلات الفائدة من 3% إلى 2.75%، وهو أول تخفيض منذ عام 2022.
وعلى الرغم من عدم يقين الطلب الخارجي، وخاصة من أوروبا، الشريك التجاري الأول للمغرب، تظل قطاعات السياحة والفوسفاط نشطة.
كما تحظى قطاعات صناعة السيارات والمكونات الإلكترونية بدعم من زخم التنويع الصناعي في المغرب، الذي ينعكس في نمو صادرات هذه القطاعات خلال السنوات الأخيرة.
و شددت دراسة “القرض الفلاحي – فرنسا” على تأثير الجفاف المزمن على النمو الاقتصادي، حيث سجل قطاع الفلاحة تراجعًا جديدًا بنسبة -5% خلال النصف الأول من العام الجاري.
وقد شهدت الفترة من 2019 إلى 2022 واحدة من أسوأ موجات الجفاف منذ الستينيات، مما زاد من تقلبات النمو الاقتصادي.
ووفقًا لإسماعيل ناقري، خبير اقتصادي متخصص في المالية العمومية، فإن تراجع القيمة المضافة للقطاع الفلاحي يؤثر بشكل كبير على النمو من خلال تأثيره على التشغيل، حيث يستوعب القطاع حوالي 38% من اليد العاملة، مما يفاقم من آثار الجفاف على الاقتصاد الوطني.
أبرزت الدراسة اختلالات في القطاع الخاص، مثل ضعف دخول وخروج الشركات من الاقتصاد الوطني بسبب قوانين وتنظيمات غير متسقة، مما يعقد بيئة الأعمال ويشجع على اللجوء إلى الاقتصاد غير المهيكل.
وأكد محمد يازيدي شافعي، خبير اقتصادي، أن الدراسة سلطت الضوء على اختلالات عميقة في بنية النمو بالمغرب، مشيرًا إلى وجود منظومة حوافز اقتصادية غير مثالية تدعم بعض القطاعات التقليدية على حساب الاستثمار في القطاعات الواعدة.
و شدد يازيدي شافعي على أهمية ميثاق الاستثمار، الذي تم اعتماده في 2022، والذي يهدف إلى تعبئة 550 مليار درهم من الاستثمارات بحلول 2026 وخلق 500 ألف وظيفة جديدة.
ولفت إلى أن الميثاق يمثل إعادة هيكلة شاملة لمنظومة الحوافز، مما يعزز التنوع الاقتصادي ويشجع على الاستثمار الخاص.
و خلصت الدراسة إلى أن المغرب، رغم التحديات الكبيرة، أثبت فعاليته في إدارة سياساته العامة، مما مكنه من تحقيق استقرار اقتصادي كلي في مواجهة الأزمات مثل كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا وزلزال الحوز، مما يعكس مرونة الاقتصاد المغربي في التعامل مع الصدمات.