الاقتصادية

حلم السكن: واقع مؤلم في ظل ارتفاع أسعار العقارات

تخيل نفسك في رحلة بحث مضنية عن شقة للإيجار أو التملك في مدينة كبيرة، بعد أيام طويلة من البحث، تجد شقة صغيرة قديمة بأسعار تتجاوز قدراتك المالية.

و يتحول حلم الحصول على منزل يناسب تطلعاتك إلى سراب بعيد، وسط تزايد تحديات سوق العقارات.

هذه هي معاناة الكثيرين حول العالم الذين يعجزون عن تأمين سكن يلائم احتياجاتهم، رغم سنوات من الانتظار، حيث يصبح الاقتراض في بعض الأحيان الخيار الوحيد لتحقيق هذا الهدف.

كان الحصول على منزل مناسب في الماضي أمرًا سهلاً نسبيًا، ولكن مع تغير الظروف الاقتصادية والارتفاع الكبير في أسعار العقارات، أصبح حلم التملك أكثر صعوبة بالنسبة للكثيرين، ليظهر السكن وكأنه سلعة فاخرة بدلاً من حاجة أساسية.

خلال العقد الماضي، شهدت أسعار العقارات ارتفاعًا غير مسبوق عالميًا، مما جعل امتلاك منزل يتجاوز قدرة العديد من الأفراد. على سبيل المثال، في مدينة نيويورك الأمريكية، يعاني الملايين من العيش في مساحات ضيقة بأسعار مرتفعة للغاية.

في الولايات المتحدة، أنفقت أكثر من 21 مليون أسرة مستأجرة حوالي 30% من دخلها على تكاليف السكن في عام 2023، وتبين الأرقام الأخيرة أن نحو نصف الأسر الأمريكية (64.8 مليون) غير قادرة على تحمل تكاليف منزل بقيمة 250 ألف دولار.

في حين بلغ متوسط سعر المنزل الملائم للأسر المتوسطة في السنوات الأخيرة حوالي 400 ألف دولار، وفقًا للرابطة الوطنية للوسطاء العقاريين.

تعتبر الزيادة في التوسع الحضري والهجرة الداخلية والخارجية من أبرز الأسباب التي أسهمت في ارتفاع أسعار العقارات. تشير تقارير البنك الدولي إلى أن أكثر من 55% من سكان العالم يعيشون في المدن، مما يزيد الضغط على سوق الإسكان.

e3322727 ea9a 4bd4 8242 b92cbc4c3f8f Detafour

من الأسباب الأخرى التي تسببت في الارتفاع، نقص الأراضي المتاحة للبناء، صعوبة الحصول على تصاريح البناء، وزيادة تكاليف المواد الخام والعمالة.

كما أسهم تحول سوق العقارات إلى سوق استثماري مغري للمستثمرين المحليين والدوليين في زيادة الطلب، ما أسفر عن رفع الأسعار.

بالإضافة إلى ذلك، ساعدت السياسات النقدية الميسرة في السنوات الماضية، مثل انخفاض أسعار الفائدة، على تسهيل الحصول على القروض العقارية، مما زاد من الطلب على شراء العقارات.

في المقابل، تراجعت الحكومات في العديد من الدول عن بناء مساكن ميسورة التكلفة، وركزت جهودها على دعم المستثمرين بدلاً من المواطنين.

في الفترة بين 2007 و2008، شهدت العديد من البلدان انهيارًا في أسعار العقارات، ما ساهم في اندلاع الأزمة المالية العالمية. ومع ذلك، فإن مؤشر أسعار المساكن العالمي، الذي يصدره صندوق النقد الدولي، عاد الآن إلى مستويات ما قبل الأزمة.

على سبيل المثال، ارتفعت أسعار العقارات في كندا بنسبة 5% سنويًا منذ عام 2016، بدفع من نمو الدخل والسكان، بما في ذلك الهجرة القوية. وتتوقع مؤسسة كندا للرهن العقاري والإسكان أن تواجه البلاد نقصًا في حوالي 3.5 مليون وحدة سكنية بحلول نهاية عام 2024.

و من أبرز العوامل التي تقف وراء ارتفاع أسعار العقارات، الزيادة في الطلب بسبب نمو الدخل والسكان. إلا أن هذه الزيادة في الطلب لا يمكن أن تستمر دون توافر العرض. ففي كندا، على سبيل المثال، يواصل العرض العجز أمام الطلب، ما يدفع الأسعار للارتفاع.

مدن رئيسية في العالم شهدت ارتفاعًا في أسعار العقارات خلال العقد الأخير (2014-2024)

المدينة

البلد

نسبة الارتفاع

ميامي

الولايات المتحدة

%106

أمستردام

هولندا

%76

طوكيو

اليابان

%68

تورونتو

كندا

%68

فانكوفر

كندا

%61

فرانكفورت

ألمانيا

%49

لوس إنجلوس

الولايات المتحدة

%48

 

 

 

لكن الخبراء مثل الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل “روبرت شيلر”، يرون أن السبب وراء فقاعات أسعار العقارات ليس محصورًا فقط في قانون العرض والطلب.

ففي عام 2003، لاحظ شيلر أن أسعار العقارات في الولايات المتحدة كانت ترتفع بشكل غير طبيعي، ما أشار إلى أن ارتفاع الأسعار كان مدفوعًا بتوقعات غير واقعية، التي تغذيها المعتقدات المجتمعية المنتشرة من خلال الحديث بين الناس.

عامل آخر وراء زيادة الأسعار هو تسهيلات الاقتراض، حيث تؤدي سياسة تخفيف معايير الإقراض إلى زيادة الطلب على شراء العقارات، ما يرفع الأسعار بشكل أكبر، كما حدث قبل الأزمة المالية في 2008.

تشابه الوضع الحالي في سوق العقارات مع الفترة التي شهدها العالم قبل الأزمة المالية في عام 2008، مما يثير القلق بشأن إمكانية وقوع أزمة جديدة. لكن، يعتقد البعض أن الظروف الحالية تختلف عن الماضي.

أدت الأزمات المالية الماضية إلى اتخاذ الحكومات والهيئات التنظيمية في العديد من الدول سياسات أكثر حذرًا لمراقبة سوق العقارات، لتجنب تكرار السيناريو ذاته.

3d0ee579 a0c0 4b00 b499 787a5bbd9ada Detafour

ووفقًا لتقرير صندوق النقد الدولي، أصبحت العديد من البلدان تستخدم السياسات الاحترازية لتنظيم طفرة أسعار العقارات، وهي سياسات بدأ تنفيذها بشكل موسع بعد الأزمة المالية العالمية.

وتعمل بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا وألمانيا والنرويج على تقليص الفجوة بين العرض والطلب، كما أصدرت هيئات مثل مجلس المخاطر النظامية الأوروبي تحذيرات بشأن مخاطر قطاع العقارات في بعض الدول الأوروبية.

ويؤكد صندوق النقد الدولي على أهمية اتخاذ تدابير لتقوية المعروض في أسواق العقارات، خاصة في دول مثل أستراليا وكندا، لضمان عدم تحول القطاع العقاري إلى مصدر آخر للأزمات المالية العالمية.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى