حرب تجارية جديدة؟ .. لماذا تثير السيارات الكهربائية الصينية قلق الغرب؟
تتعرض شركات السيارات الكهربائية الصينية لقيود متزايدة من جانب بعض الدول الغربية خلال الفترة الأخيرة، مع اتهامات بالحصول على مزايا غير عادلة تهدد الصناعات المحلية.
وأثارت الرسوم الجمركية الأخيرة ضد صناعة السيارات الكهربائية الصينية مخاوف اتساع رقعة الصراع ليتحول إلى حرب تجارية واسعة النطاق.
رسوم جمركية أوروبية
– رفع الاتحاد الأوروبي الرسوم الجمركية ضد السيارات الكهربائية الصينية، بعد تحقيق دام لنحو تسعة أشهر بشأن ممارسات غير عادلة.
– أبلغت المفوضية الأوروبية شركات تصنيع السيارات الكهربائية في القارة بأنها ستطبق مؤقتًا رسومًا إضافية تتراوح بين 17% و38% على واردات السيارات الكهربائية الصينية اعتبارًا من الشهر المقبل.
– سيختلف حجم الرسوم الجديدة اعتمادًا على مدى امتثال شركات السيارات لتحقيقات الاتحاد الأوروبي لمكافحة الدعم في الصناعة والتي تم الإعلان عنها في سبتمبر الماضي.
– من المقرر أن يتم تطبيق الرسوم الجديدة بجانب الضريبة الحالية البالغة 10% على جميع المركبات الكهربائية الصينية.
– ذكرت المفوضية الأوروبية أن المصدرين الرئيسيين مثل “بي واي دي” – أكبر مصنع للسيارات الكهربائية في العالم – وشركة “جيلي” سيتعرضون لرسوم تتراوح بين 17% و20%.
– بينما من المقرر أن تدفع العلامات التجارية الأوروبية مثل “مرسيدس” و”رينو” التي تصدر السيارات الكهربائية المصنوعة في الصين نحو 21%، في حين قد تحصل “تسلا” على معدل رسوم يتم حسابه بشكل فردي.
– شددت المفوضية الأوروبية على أن الشركات التي لم تتعاون مع التحقيقات، ما يشمل “إس إيه إي سي جروب” المملوكة للدولة في شنغهاي والتي تمتلك العلامة التجارية “إم جي” ستخضع لضريبة بنسبة 38%.
– كشفت بيانات “روديوم جروب” أن قيمة الواردات الأوروبية من السيارات الكهربائية المصنعة في الصين بلغت 11.5 مليار دولار العام الماضي، مقابل 1.6 مليار دولار فحسب في عام 2022.
واشنطن تسبق بخطوة
– لم يكن الاتحاد الأوروبي وحيدًا في القلق حيال خطر صناعة السيارات الكهربائية الصينية، حيث أعلنت الولايات المتحدة قبل أسابيع قليلة تدابير مماثلة ضد بكين.
– أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” في شهر مايو الماضي زيادة التعريفات الجمركية ضد السيارات الكهربائية الصينية من 25% إلى 100%.
– جاء قرار “بايدن” في إطار خطة أوسع لزيادة التعريفات على سلع صينية مختلفة بقيمة 18 مليار دولار، بفعل ما اعتبره “ممارسات غير عادلة من جانب بكين”.
– تضمنت السلع الصينية الخاضعة لزيادة الرسوم الجمركية من جانب الولايات المتحدة أشباه الموصلات والبطاريات وبعض منتجات الصلب والألومنيوم والمعادن.
– قال “نيكلاس بواتييه” زميل الأبحاث في مركز “بروغل ريسيرش” إن التدابير الأمريكية كانت مصممة لاستبعاد السيارات الكهربائية الصينية، بينما تستهدف الإجراءات الأوروبية حرمان الكيانات الصينية من ميزة الدعم الذي تتلقاه من بكين.
لماذا تثير القلق؟
– يشكل صانعو السيارات الصينية أكثر من نصف المركبات الكهربائية المصنعة حول العالم، مع تفوقها فيما يتعلق بحجم الإنتاج والتكلفة.
– ارتفعت صادرات الصين حول العالم من السيارات الكهربائية بنحو 70% بين عامي 2022 و2023.
– تتهم السلطات الأوروبية والأمريكية شركات تصنيع السيارات الكهربائية الصينية بالحصول على مزايا تتضمن مساعدات ودعماً حكومياً من بكين، ما يجعلها تمتلك ميزة تنافسية غير عادلة في مواجهة الكيانات الأخرى.
– قال “فالديش دومبروفسكيس” المفوض التجاري للاتحاد الأوروبي إنه لم يكن هناك خيار سوى التحرك في مواجهة الارتفاع الكبير في واردات السيارات الكهربائية المدعومة من الصين.
– أوضح “دومبروفسكيس”: “الصين تدعم السيارات الكهربائية بشدة، الأمر يعرض صناعتنا للخطر”.
– ذكر المفوض التجاري الأوروبي أنه سيستغل الأسابيع الثلاثة الفاصلة عن فرض الرسوم النهائية في الرابع من يوليو المقبل للتفاوض مع الصين، مشيرًا إلى أن هناك انفتاحا لمناقشة طرق أخرى لمعالجة المشكلة.
– قال مسؤولون أوروبيون إنه تم جمع أدلة على حصول شركات صناعة السيارات الصينية والموردين على قروض مدعومة وإعفاءات ضريبية وأراض رخيصة من قبل الحكومة الصينية.
– من جانبه، ذكر الرئيس الأمريكي خلال إعلان قرار فرض التعريفات الجمركية أن بلاده تسعى إلى المنافسة العادلة مع الصين وليس الصراع، مشيرًا إلى أن الأمر لم يكن عادلًا لفترة طويلة.
– شدد “بايدن” على أن الصين تجعل من المستحيل على شركات صناعة السيارات الأمريكية المنافسة بشكل عادل فيما يتعلق بسوق المركبات الكهربائية.
– على سبيل المثال، تُباع السيارة الكهربائية “سيجال” التي تنتجها “بي واي دي” الصينية بسعر 10 آلاف دولار تقريبًا، ما يعتبر جزءا صغيرا من تكلفة التصنيع من جانب الشركات الأمريكية.
مخاوف من حرب تجارية
– حذر محللون ومسؤولون من أن الرسوم الجمركية ضد السيارات الكهربائية الصينية تهدد برد فعل انتقامي من جانب بكين، ما قد يتسبب في حرب تجارية واسعة النطاق.
– قالت وزارة التجارة الصينية إنها تشعر بـ”القلق والاستياء الشديد” من التدابير الأوروبية غير المدروسة ولا القانونية، محذرة من أنها ستتخذ جميع الإجراءات اللازمة لحماية حقوق الشركات الصينية.
– رفضت ألمانيا والسويد والمجر قرار فرض تعريفات أوروبية ضد السيارات الكهربائية الصينية، مع القلق بشأن رد الفعل الانتقامي المحتمل من بكين.
– ستحتاج الدول الثلاث إلى تأمين أصوات 12 دولة أخرى على الأقل من أجل إلغاء قرار الرسوم الجمركية ضد السيارات الصينية قبل التصويت المقرر في الثاني من نوفمبر المقبل.
– قال “ويل روبرتس” رئيس وحدة أبحاث السيارات في “رو موشن” إن رد فعل بكين على التعريفات الأوروبية قد يؤدي إلى حرب تجارية، وهو ما قد يكون له تداعيات سلبية على أوروبا.
– كما يخشى العديد من شركات تصنيع السيارات في الاتحاد الأوروبي أن ترد الصين بالمثل، أو حتى تمنعها من دخول السوق المحلي.
– في العام الماضي، صدرت ألمانيا 216.2 ألف سيارة إلى الصين، ما يمثل هبوطا 15% مقارنة بعام 2022.
– حذرت شركة “روديوم جروب” من أن الصين يمكن أن ترفع الرسوم الجمركية على واردات السيارات من الاتحاد الأوروبي إلى 25% من 15% حالياً، أو تستهدف الصادرات الأوروبية الأخرى مثل السلع الفاخرة.
– كما ذكرت وكالة “فيتش” أنه في حال حدوث أي رد فعل انتقامي من جانب الصين، فسوف تصبح شركات السيارات الألمانية هي الأكثر تضررًا، خاصة فيما يتعلق بهوامش الأرباح والتدفقات النقدية.
من الخاسر الأكبر؟
– يرى محللون أن الرسوم الجمركية ضد السيارات الكهربائية الصينية تهدد بأضرار كبيرة على المستهلكين والسعي للتحول الأخضر، مع تداعيات متباينة على الصناعة في بكين.
– يقدر معهد “كيل” للأبحاث الاقتصادية أن فرض تعريفة إضافية بنسبة 20% على السيارات الكهربائية من شأنه أن يقلل الواردات بمقدار 25%، ما يعادل 125 ألف وحدة بقيمة 4 مليارات دولار.
– أشار باحثو المعهد إلى أن الانخفاض في الواردات الأوروبية من السيارات الكهربائية الصينية سيتم تعويضه من خلال زيادة الإنتاج داخل الاتحاد الأوروبي وانخفاض أحجام الصادرات الأوروبية، ما قد يعني ارتفاع الأسعار بشكل ملحوظ بالنسبة للمستهلكين النهائيين.
– ارتفعت الحصة السوقية للسيارات الكهربائية المستوردة من الصين إلى الاتحاد الأوروبي من 4% في عام 2020 إلى 25% في سبتمبر الماضي.
– على جانب آخر، تهدد التعريفات الجمركية ضد السيارات الكهربائية الصينية بتباطؤ تحول الطاقة، في الوقت الذي تتزايد فيه الحاجة إلى تسريع استخدام الطاقة النظيفة.
– من شأن رفع الرسوم الجمركية على السيارات الكهربائية في أوروبا أن يتسبب في زيادة أسعارها وخفض الطلب عليها من جانب المستهلكين.
– يستهدف الاتحاد الأوروبي تحقيق التوازن بين حماية الصناعات المحلية من جانب، والوفاء بالتزامات المناخ من جهة أخرى، والتي تشمل حظر بيع السيارات الجديدة العاملة بالبنزين والديزل اعتبارًا من عام 2035.
– قالت المفوضية الأوروبية إنه لا يمكن أن يعتمد التحول الأخضر للاتحاد الأوروبي على واردات غير عادلة تضر الصناعة في الاتحاد الأوروبي.
– على جانب آخر، يرى محللون أن شركات السيارات الصينية لديها عدة خيارات للتعامل مع الرسوم الجمركية، ما يشمل تحويل الإنتاج إلى دول أوروبية أو استخدام هوامش الأرباح الضخمة لاستيعاب جزء من صدمة الرسوم.
– قالت “جوانا تشين” المحللة في “بلومبرج إنتليجنس” إنه من المرجح أن تكون شركة “بي واي دي” الصينية قادرة على استيعاب معظم العبء الناجم عن الرسوم الأوروبية الجديدة، مع حقيقة أن سياراتها تحمل ربحية تتفوق على الشركات الأخرى.
– كما أشار محللو “جيه بي مورجان تشيس” إلى أنه حتى بعد الرسوم الجديدة، ستظل أرباح “بي واي دي” لكل سيارة في أوروبا أعلى بنحو مرة ونصف من بيع نفس المركبة في الصين.
– كما تتجه شركات أخرى إلى دخول أسواق جديدة، حيث تستهدف “بي واي دي” فتح أسواق تصدير أخرى مثل المكسيك والبرازيل وتايلاند وأستراليا، بالإضافة إلى اختيار المجر لافتتاح أول مصنع سيارات لها في أوروبا.
– كما تستهدف شركات أخرى تنويع الإنتاج خارج الصين، حيث ذكرت “إس إيه إي سي” أنها بدأت البحث عن مواقع إنتاج محتملة في أوروبا، بينما وقعت “شيري أوتوموتيف” صفقة مع “إي في موتورز” الإسبانية لإنتاج المركبات في برشلونة.