جيل زد: المحرك الرقمي الذي يعيد رسم معايير السوق العالمية

لم يعد جيل زد مجرد جيل ناشئ يدرس أو يتصفح الإنترنت، بل أصبح قوة اقتصادية حقيقية تشكل حاضر الأسواق العالمية وتعيد رسم قواعد العرض والطلب.
هؤلاء الشباب، المولودون بين 1997 و2012، يجبرون الشركات والماركات على إعادة التفكير في أساليب الإنتاج والتسويق، فضلاً عن إعادة صياغة خطط الاستثمار والاستراتيجيات المستقبلية.
يتميز جيل زد بارتباطه العميق بالتكنولوجيا، التي يراها جزءًا لا يتجزأ من حياته اليومية، ويرى العالم كفضاء مترابط تتجاوز فيه الحدود التقليدية.
الاستهلاك عندهم ليس مجرد تلبية للحاجة، بل أداة للتعبير عن الهوية والانتماء إلى المجتمع الرقمي، واختيار المنتجات لا يقتصر على الجودة فقط، بل على مدى قدرتها على تعزيز شعورهم بالحداثة والانتماء.
هذا الجيل يختار العلامات التجارية التي تمنحه شعورًا بالانتماء والترند، ويحوّل الاستهلاك إلى وسيلة للتفاعل الاجتماعي والمشاركة في الظواهر الرقمية، بعيدًا عن النهج التقليدي للاستهلاك القائم على الحاجة فقط.
ومع دخولهم سوق العمل في أوقات مليئة بالتحديات الاقتصادية والاجتماعية، بدأت تظهر أنماط جديدة للإنفاق والادخار والاستثمار، ليصبح تأثيرهم على الأسواق ملموسًا بدءًا من تجارة التجزئة وصولًا إلى التكنولوجيا المالية والسياحة والصناعات الإبداعية.
يشكل جيل زد نحو 25–30% من سكان العالم، ويقدر عددهم بأكثر من 2.5 مليار شخص في 2025، مما يجعلهم أحد أكبر الأجيال تأثيرًا على الإطلاق. قوتهم الشرائية في تصاعد مستمر، إذ تشير توقعات “نيلسن آي كيو” إلى أنها ستصل إلى 12 تريليون دولار بحلول 2030، فيما يتوقع بنك أوف أمريكا أن يحقق الجيل نحو 36 تريليون دولار خلال الخمس سنوات المقبلة، وقد يرتفع الرقم إلى 74 تريليون دولار بحلول 2040.

حتى مع دخولهم سوق العمل بدخل فردي أقل من بعض الأجيال السابقة، فإن اعتمادهم الكبير على التجارة الرقمية ورغبتهم في الاستثمار في العقارات والمنتجات التكنولوجية يجعل من اختياراتهم الاقتصادية مؤشرًا أساسيًا لتحركات الأسواق.
يميل جيل زد إلى الاستثمار في التجارب والأنشطة القيمة أكثر من السلع التقليدية، مثل السفر، المهرجانات، والمنتجات المستدامة. ويظهر ذلك في ارتفاع الطلب على الإقامات المستدامة والرحلات التجريبية، بالإضافة إلى المنتجات الصديقة للبيئة.
وفق دراسة موقع “مايند سيت”، يفضل 57% من هذا الجيل المنتجات البيئية، ويعطي الأولوية للتجارب الفريدة وخيارات الاستدامة على شراء العلامات الفاخرة التقليدية.
كما أنهم يعتمدون على منصات الفيديو القصير مثل تيك توك وإنستغرام لاكتشاف المنتجات، ويزداد احتمال الشراء عند تقديمها بأسلوب بصري سريع وجاذب.
ورغم محدودية الدخل في بعض المناطق، يظهر الجيل ولاءً للقيم التي يؤمن بها، مستعدًا لدفع أسعار أعلى مقابل الالتزام بالشفافية والاستدامة والعدالة في سلسلة الإمداد.
تفرض تفضيلات جيل زد تغييرات واسعة على الشركات، من سلاسل الإمداد إلى التسويق. أصبحت أدوات تتبع سلسلة التوريد، وكشف الانبعاثات الكربونية، ونشر تقارير الاستدامة جزءًا من المعايير الجديدة للنجاح.
على سبيل المثال، أطلقت شركة “بوما” للملابس الرياضية عام 2023 مبادرة للحوار مع جيل زد حول شفافية الإنتاج واستدامته، استجابة لمطالب الجيل بمعرفة مصادر المنتجات وتأثيرها البيئي.
وفي التسويق، تراجعت فاعلية الإعلانات التقليدية أمام المحتوى المولد من المستخدمين والشراكات مع مؤثرين موثوقين، حيث أصبح التفاعل الحقيقي مع العلامة هو المفتاح للوصول إلى هذا الجيل.
جيل زد ليس مجرد جيل جديد من المستهلكين، بل قوة اقتصادية تعيد تشكيل الأسواق العالمية. فهم أنماط إنفاقهم الرقمية، وقيمهم الاستهلاكية، وسلوكياتهم الاجتماعية أصبح ضرورة للشركات والمؤسسات الاستثمارية.
هذا الجيل يعيد رسم خرائط السوق، ويحدد أولويات النمو الاقتصادي، ويعيد صياغة استراتيجيات العلامات التجارية حول العالم. باختصار، جيل زد ليس المستقبل فقط، بل هو حاضر الاقتصاد الذي لا يمكن تجاهله.




