توقعات قرارات السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وتأثيراتها على الأسواق
تتجه الأنظار حاليًا إلى قرارات السياسة النقدية المنتظرة من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والتي ستشمل الإعلان عن سعر الفائدة، البيان المرافق، بالإضافة إلى المؤتمر الصحفي لمحافظ البنك جيروم باول، فضلًا عن التوقعات الاقتصادية الفصلية.
و من المتوقع أن تترك هذه القرارات تأثيرًا ملحوظًا على الدولار الأمريكي، العملات العالمية، وكذلك على أسعار السلع، الأسهم الأمريكية، والعملات الرقمية.
ومع اقتراب موعد الإعلان المنتظر، تبقى الأسواق المالية في حالة ترقب شديد لأي إشارات قد توضح الاتجاهات المستقبلية للسياسة النقدية، وفيما يلي نظرة معمقة على العوامل التي قد تؤثر في اتخاذ هذه القرارات:
أولاً: الحالة الاقتصادية الأمريكية وتأثيرها على قرارات الفيدرالي
شهد الاقتصاد الأمريكي في الأشهر الأخيرة تطورات هامة على صعيد البيانات الاقتصادية، كان أبرزها أرقام التضخم التي أعلنها مكتب إحصاءات العمل الأمريكي.
حيث أظهر مؤشر أسعار المستهلكين ارتفاعًا سنويًا بنسبة 2.7% في نونبر، وهو الرقم الذي توافقت فيه التوقعات مع الأداء الفعلي، لكنه يشير إلى زيادة طفيفة مقارنة بالشهر الذي قبله.
أما التضخم الأساسي، الذي يستثني أسعار الغذاء والطاقة، فقد استقر عند 3.3%، وهو نفس المعدل الذي سجله في الشهر السابق.
وفيما يخص سوق العمل، أظهرت البيانات أن الاقتصاد أضاف 227 ألف وظيفة جديدة في نوفمبر، ما تجاوز التوقعات التي كانت تشير إلى 200 ألف وظيفة. ومع ذلك، ارتفع معدل البطالة إلى 4.2%، وهو ما يتماشى مع التوقعات أيضًا.
أما الإنفاق الاستهلاكي، فقد أظهر مؤشر الإنفاق الاستهلاكي الشخصي نموًا شهريًا بنسبة 0.3% وسنويًا بنسبة 2.7% خلال شتنبر، مما يشير إلى استمرار قوة الإنفاق الاستهلاكي في الولايات المتحدة.
تجمع هذه المؤشرات الاقتصادية بين التضخم المرتفع والتحسن الجزئي في سوق العمل، ما يجعل الفيدرالي الأمريكي يتبنى نهجًا حذرًا في اتخاذ قراراته بشأن أسعار الفائدة.
ومن المتوقع أن يلمح إلى توقف مؤقت عن خفض الفائدة حتى صدور بيانات إضافية في العام المقبل.
ثانيًا: توقعات البنوك الكبرى بشأن قرارات الفيدرالي الأمريكي
تتوقع العديد من البنوك الكبرى مثل جولدمان ساكس ومورجان ستانلي أن يتجه الاحتياطي الفيدرالي نحو خفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماعه المقبل.
وفي هذا السياق، يرى خبراء جولدمان ساكس أن البنك المركزي قد يشير إلى تباطؤ في وتيرة خفض الفائدة خلال عام 2025، مع استبعاد أي تخفيض إضافي في يناير المقبل، بسبب قوة سوق العمل واستقرار التضخم.
من جهتها، تشير تحليلات مورجان ستانلي إلى أن تقرير التضخم الأخير يدعم فكرة خفض الفائدة، ولكن السياسة المستقبلية ستعتمد بشكل كبير على تطورات البيانات الاقتصادية القادمة. ويعتقد المحللون أن الفيدرالي قد يصبح أكثر حذرًا في تقديم توجيهاته المستقبلية بعد اجتماع ديسمبر.
ثالثًا: تصريحات صناع السياسة النقدية داخل الفيدرالي الأمريكي
تتسم تصريحات مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في الآونة الأخيرة بالحذر والتدرج. حيث أكد جيروم باول، محافظ الاحتياطي الفيدرالي، في قمة “ديلبوك” التي نظمتها صحيفة نيويورك تايمز، أن الاقتصاد الأمريكي يتمتع بمرونة كبيرة، مشيرًا إلى ثقته في قدرة الفيدرالي على موازنة دعم النمو مع السيطرة على التضخم.
من ناحية أخرى، أكدت عضو الاحتياطي الفيدرالي أدريانا كوجلر أن البنك المركزي سيستمر في اتخاذ قراراته بناءً على البيانات الاقتصادية دون الالتزام بمسار محدد مسبقًا.
كما شدد عضو الاحتياطي أوستان جولسبي على أن بيانات التضخم تظهر تقلبات تجعل التنبؤ بها أمرًا صعبًا، ولكنه أبدى ثقته في تراجع الأسعار بشكل ملحوظ العام المقبل.
أما ماري دالي، رئيسة الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو، فأشارت إلى الحاجة لمزيد من الجهود لتحقيق مستهدف التضخم البالغ 2%، مما يعني أن الفيدرالي قد يظل متريثًا في خفض الفائدة.
رابعًا: السيناريوهات المتوقعة لقرارات الفيدرالي الأمريكي
السيناريو الأول: يتمثل في خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس مع الإشارة إلى مخاوف من عودة التضخم للارتفاع، واستمرار قوة سوق العمل.
هذا السيناريو قد يدفع الفيدرالي إلى التوقف عن رفع الفائدة لفترة. في حال تحقق هذا السيناريو، من المتوقع أن يدعم الدولار الأمريكي، في حين تشهد أسعار الذهب والأسهم الأمريكية والعملات الرقمية مثل البيتكوين انخفاضًا.
السيناريو الثاني: يتضمن خفض الفائدة مع الإشارة إلى احتمال استمرار سياسة خفض الفائدة تدريجيًا في العام المقبل، في حال تراجعت الضغوط التضخمية بشكل أكبر.
إذا تحقق هذا السيناريو، من المتوقع أن يشهد الدولار الأمريكي تراجعًا، بينما ترتفع أسعار الذهب والأسهم والعملات الرقمية، بما في ذلك البيتكوين.
تبقى قرارات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي محط أنظار الأسواق المالية في الفترة المقبلة، حيث يتوقع أن يكون لها تأثيرات واسعة على مختلف الأصول المالية.
و في ظل الاقتصاد الأمريكي الذي يظهر مزيجًا من التحسن في سوق العمل واستمرار الضغوط التضخمية، ستكون القرارات النقدية في الأشهر القادمة ذات أهمية كبيرة في تحديد مسار الدولار والاقتصاد العالمي بشكل عام.