توجهات التسوق الجديدة: لماذا أصبحت فكرة التوقف عن الشراء هي السائدة؟
كم مرة ذهبت إلى مجمع تجاري من أجل التنزه أو الترفيه ثم لم تشعر بنفسك إلا وقد امتلأت يداك بأكياس الشراء وإنفاق ما معك من نقود، بل أحياناً نفاد رصيد بطاقتك الائتمانية.
إذا تكرر هذا الموقف معاك فلا تقلق، أنت لست وحيداً فهناك العديد ممن يعانون من هوس الشراء الذي يجعلهم ينفقون جل أموالهم على سلع وبضائع في الأغلب لا يحتاجون إليها، ليصبح التسوق لديهم أشبه بالإدمان مثل المنبهات أو المخدرات.
وقد يتسع الأمر أحياناً لنجد أن بعض الأشخاص من الممكن أن يقترضوا من أجل شراء أمور تتجاوز بكثير بند الرفاهية، كل هذا فقط من أجل إشباع رغبة التسوق لديهم.
ويُعتقد أن نحو 6% فقط من سكان الولايات المتحدة يعانون من إدمان التسوق أو ما يعرف بالتسوق القهري، لكن يبدو أن الأميركيين قد سئموا من عقلية التسوق حتى الإعياء، ويحاولون أن يعيشوا حياتهم بأشياء أقل عصرية، عملاً بالمقولة الشهيرة “ما زاد على حدّه انقلب لضده”.
ضغوط تدفعك نحو الشراء
ساهمت العديد من العوامل في اتساع نطاق العادات الشرائية وعمليات التسوق المبالغ فيها، ولعل أبرزها قيام المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي بالترويج لأنماط حياة أو منتجات لمتابعيهم، وحثهم على شراء كل ما هو جديد مثل الملابس، أو أدوات التنظيف عالية التقنية، أو أحدث منتجات العناية بالشعر.
لكن بعض المستهلكين يقولون إنهم أصيبوا بخيبة أمل مما يعتبرونه ضغطاً متزايداً لشراء أشياء جديدة بشكل مستمر، وبدلاً من ذلك شرعوا في تبني مفهوم أكثر منطقية ونمط حياة يتضمن استخدام كمية صغيرة فقط من الأشياء لسنوات نيابة عن ملاحقة أحدث الاتجاهات (الترندات)، متبعين تريند “العودة لاستهلاك الأساسيات”.
واتجه العديد من المؤثرين للترويج لأشياء يقولون إنهم استخدموها لسنوات -مثل المناشف الموروثة من الآباء، ومجموعات المكياج التي تحتوي على عدد قليل من المنتجات، والأثاث المستعمل الذي تم شراؤه من متاجر التوفير- ولا يخططون لشراء المزيد حتى يتم استهلاك هذه الأشياء.
وفي هذا الإطار قالت ميجان دوهيرتي بيا، الأستاذ المساعد في علوم المستهلك بجامعة ويسكونسن ماديسون: “إن هذا (الاتجاه) يتعارض حقاً مع فكرة أنك بحاجة إلى شراء الأشياء باستمرار لتعيش حياة سعيدة ومُرضية.”
صدى واسع للتريند
وفقاً لبيانات تريندات جوجل، التي تقارن مدى شعبية مصطلحات البحث بناءً على وقت ومكان البحث عن تلك المصطلحات، فقد نمت عمليات البحث عن “العودة لاستهلاك الأساسيات” بنسبة تزيد على 4250% على مدار الأشهر الـ12 الماضية حتى يوم الجمعة الماضية، وبالفعل شرع العديد من مستخدمي وسائل التواصل في نشر مقاطع فيديو على تيك توك يعرضون فيها أنماط حياتهم الأساسية التي تتسم بتقليص الاستهلاك، حيث تلقى العديد منهم مئات الآلاف من إشارات الإعجاب.
ويقول الخبراء إن اتجاه العودة لاستهلاك الأساسيات لا يتعلق فقط بالحفاظ على الميزانية أو الرغبة في التخلص من الأشياء، ولكن يشمل أيضاً سأم العديد من المستهلكين من الشعور بأنهم مضطرون إلى محاكاة أسلوب حياة غير قابل للتحقيق، في وقت يتطلع فيه بعضهم إلى تقليل بصمته الكربونية.
وتشير “بيا” إلى أن المصطلح الأكثر ملاءمة لتقليص الاستهلاك هو العودة للاستهلاك الطبيعي.
ويمثل هذا الاتجاه مواجهة مباشرة لما يسميه المنتقدون الإفراط في الاستهلاك مثل مشتريات الملابس التي تبلغ قيمتها آلاف الدولارات والأرفف المليئة بالوجبات الخفيفة المنظمة بعناية، ومستحضرات التجميل أو منتجات النظافة الشخصية.
دور التضخم والفائدة
إن الاتجاه نحو قلة الاستهلاك يأتي في وقت يتألم فيه المستهلكون جراء أسعار الفائدة المرتفعة، ونوبة التضخم المتقلب التي دفعت أسعار كل شيء إلى الارتفاع بدءاً من البقالة إلى تناول الطعام في الخارج إلى الإيجار، وسبق تلك الحالة تآكل المدخرات خلال ذروة جائحة كوفيد، واستغناء الشركات عن العمال، مما دفع بعض خبراء الاقتصاد للإعراب عن خشيتهم من أن تدخل الولايات المتحدة في حالة ركود.
وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي العديد من الفيديوهات التي تظهر شكوى العديد من المستهلكين في الولايات المتحدة بسبب ارتفاع الأسعار، وإنفاق مبالغ أكثر من المعتاد على سلع أقل بكثير مما كانوا يحصلون عليها في السابق.
وتضررت متاجر التجزئة الشهيرة في الولايات المتحدة مثل “هوم ديبوت” و”بيست باي” في الأشهر الأخيرة بسبب تراجع الإنفاق الاستهلاكي، وهو ما يعتبر تحولاً كبيراً مقارنة بما كان عليه الحال قبل بضع سنوات فقط، عندما كان الأمريكيون عالقين في منازلهم بسبب قيود جائحة كوفيد-19، ويشترون كل شيء من الخبز إلى معدات التمرين الرياضي إلى الإلكترونيات لإبقاء أنفسهم مشغولين.
ومع اختفاء قيود الإغلاق، انخرط الناس في “إنفاق انتقامي”، تسبب في توجيه طوفان من النقود لشراء السلع وخوض تجارب تعوض فترة الإغلاق مثل رحلات السفر وحضور الحفلات الموسيقية.
ويقول العديد من المشاركين في تريند “العودة للاستهلاك” أيضاً إنهم سئموا مما يعتبرونه تسويقاً غير أصيل من الشركات والمؤثرين على حد سواء، إذ غالباً ما يتم إهداء المؤثرين سلعاً أو دفع أموال لهم من قبل الشركات للترويج لمنتجاتهم، وهو ما يعطي انطباعاً بأن الإنفاق الباهظ بمثابة عادات واقعية لدى معظم الأمريكيين.
وتحذر “نيكي بيرد”، نائبة رئيس الاستراتيجية والمنتجات في شركة أبوتس للتكنولوجيا في مجال البيع بالتجزئة من أن الشركات تفرض هذه الأشياء على المستهلكين، وهم بحاجة إلى مقاومتها.
الاتجاه نحو الأكثر جودة
عامل آخر ساعد في الترويج لهذا التريند، إذ يقول مؤيدوه أنه أصبح هناك اتجاه لشراء الأساسيات مع مراعاة الجودة، وهو النمط الذي أشارت إليه العديد من الشركات في الأشهر الأخيرة.
وفي هذا الإطار تقول “إليانور”، البالغة من العمر 24 عاماً والتي تعمل بدوام جزئي في شركة إنشاءات في الولايات المتحدة، إنها أصبحت تعطي أولوية للتسوق بوعي وليس توفير المال فقط، مشيرة إلى أنها تمتلك عدة سراويل من الجينز قيمتها تزيد على 150 دولاراً للواحد، لكنها مشتريات تعتقد أنها تستحق أسعارها المرتفعة لطول عمرها مقارنة بالأزياء السريعة.
وأضافت أنها “بدلاً من شراء 20 لباس سباحة من أمازون، سأشتري لباسين للسباحة أغلى ثمناً، لكني أحبهما حقاً وسأرتديهما لسنوات”.
أما “سوزان لامبرت”، وهي مستشارة تبلغ من العمر 32 عاماً وتعيش في أرلينجتون بولاية فيرجينيا، فتقول إن مشاهدة مقاطع فيديو “العودة للاستهلاك الأساسي” ساعدتها على أن تكون أكثر وعياً بعادات الإنفاق لديها، وقامت بتقليص ميزانيتها الشهرية لشراء أدوات التجميل، وقررت عدم استبدال الأواني الزجاجية التي تمتلكها هي وزوجها منذ أيام دراستها الجامعية.
ورغم شعبية تريند “عودة الاستهلاك للأساسيات”، فإن الإنفاق في الولايات المتحدة لا يزال قوياً بشكل عام، إذ ارتفعت المبيعات لدى تجار التجزئة بنسبة 1% في يوليو مقارنة بالشهر السابق، وفقاً لبيانات من وزارة التجارة.
ويعد الإنفاق الاستهلاكي محركاً رئيسياً للنمو الاقتصادي في الولايات المتحدة، وعلى مدار الأشهر الثلاثة المنتهية في يوليو الماضي، نمت مبيعات التجزئة بنسبة 2.4%، وكانت أكبر المكاسب في الإلكترونيات والأجهزة، التي أظهرت تحسناً بنسبة 5.2% عن يوليو 2023.
الفرق بين التسوق العادي وتسوق الإدمان |
||
التسوق العادي |
تسوق الإدمان |
|
الأشياء المشتراة ضرورية وتستعمل |
الأشياء المشتراة غالباً لا تكون ضرورية أولا تستخدم |
|
لا يوجد شعور بالإكراه |
شعور بالتسوق القهري |
|
لا يسبب ضائقة مالية |
يخلق مشاكل مالية للفرد |
|
سلوك الإسراف أمر عرضي |
إفراط مستمر في الشراء |
التسوق قد يكون علاجاً وأحياناً مرض
من جانبه يقول “سكوت ريك”، أستاذ التسويق المساعد في كلية روس لإدارة الأعمال بجامعة ميشيجان، إنه أجرى بحثاً يُظهر أن عملية التسوق وشراء منتجات بالتجزئة يمكن أن تكون علاجاً للعديد من الأشخاص إذا إنه يجعل الناس يشعرون بحال نفسية أفضل.
وأضاف أن بعض الأشخاص الذين يشعرون بالحزن، على سبيل المثال، يمكنهم تجاوز هذه المشاعر بسرعة أكبر عندما يتسوقون لأن ذلك يمنحهم شعوراً بالسيطرة.
ورغم أن التسوق قد يكون علاجاً في بعض الأحيان، فإنه قد يكون مرضاً في أحيان أخرى، فإدمان التسوق تم التعرف عليه منذ أوائل القرن التاسع عشر، وفي أوائل القرن العشرين جرى تصنيفه بأنه اضطراب نفسي.
هذا الاضطراب النفسي له عدة أعراض وأسباب على رأسها التفكير دائماً في الأشياء التي يخطط لشرائها، وعدم القدرة على التوقف عن التسوق القهري، والشعور بنشوة بعد شراء شيء ما ثم الشعور بالندم أو الذنب بشأن الأشياء التي اشتراها.
ومن أعراض التسوق القهري وجود مشاكل مالية أو عدم القدرة على سداد الديون جراء فواتير الشراء المتزايدة، والكذب بشأن الأشياء التي اشتراها أو إخفاء مشترياته، وفتح بطاقات ائتمان جديدة دون سداد الأرصدة على البطاقات الحالية، وإنفاق كل هذا في الأغلب على أشياء لا يحتاجها.
وللتغلب على التسوق القهري يتطلب الأمر أن يتم التعامل معه مثل أي إدمان، والسعي لتعلم طرق بديلة للتعامل مع الضغوط والضيق في الحياة اليومية.
وهناك الكثير مما يمكنك القيام به لتقليل الضرر الناتج عن الإنفاق القهري والسيطرة على هذا السلوك الإشكالي، مثل إيجاد طرق بديلة للاستمتاع بوقت فراغك لكسر دائرة استخدام التسوق كوسيلة لمحاولة الشعور بالتحسن تجاه نفسك.
كما يمكنك الاستعانة بالآخرين، فإذا كان شخص آخر في عائلتك قادراً على تحمل مسؤولية التسوق لشراء الضروريات، فقد يكون من المفيد تفويض المسؤولية إليه، حتى تتجاوز هذا الأمر.
ومن الجيد أيضاً في فترة التعافي التخلص من بطاقات الائتمان والاحتفاظ بمبلغ نقدي صغير حتى لا تتمكن من الشراء بشكل اندفاعي، إضافة إلى تجنب التسوق مع متسوقين قهريين آخرين، ومحاولة التسوق مع الأصدقاء أو الأقارب الذين لا ينفقون قهرياً حيث يمكنهم المساعدة في الحد من إنفاقك.