تقرير : 42٪ من جيل زد يفضلون الإستثمار في العملات المشفرة على حسابات التقاعد التقليدية

بينما يسلط الإعلام الضوء غالبًا على ما يُعرف بـ”قلق جيل زد”، الذي نشأ في أعقاب أحداث 11 سبتمبر، وعاش الأزمة المالية العالمية، وتخرج وسط جائحة كوفيد-19، ليواجه اليوم تحديات الذكاء الاصطناعي في سوق العمل، تظهر في المقابل سردية جديدة مغايرة تتشكل في قلب الاقتصاد الرقمي، مصدرها عالم العملات المشفرة.
كشف “تقرير الثروة المشفرة 2025″، الصادر عن شركة الاستشارات العالمية هينلي آند بارتنرز في 7 أكتوبر، أن شريحة واسعة من هذا الجيل باتت تحقق ثروات غير مسبوقة عبر الأصول الرقمية.
يُظهر التقرير أن نحو 42% من أفراد جيل زد يستثمرون في العملات المشفرة، والأهم أن امتلاكهم للمحافظ الرقمية يفوق بأربع مرات امتلاكهم لحسابات التقاعد التقليدية.
المفارقة اللافتة التي يشير إليها التقرير تكمن فيما يسميه “مفارقة الامتثال”. فبينما ارتبطت هذه العملات في بداياتها بروح التمرد والابتعاد عن المؤسسات، تشهد اليوم سلوكًا مختلفًا لدى المستثمرين الشباب.
فهم لا يكتفون بالمضاربة، بل يسعون إلى تأسيس شركات مرخصة، والاستعانة بمحامين دوليين، والحرص على حفظ سجلات مالية دقيقة، في تأكيد على النضج والتوجه نحو إضفاء الشرعية على ثرواتهم.
هذا التوجه نحو التنظيم يرافقه طموح كبير: الكثيرون من هؤلاء المستثمرين الشباب باتوا يعتقدون أن الوصول إلى ثروة المليونير الرقمي بات في متناول أيديهم.
وتؤكد المعطيات أن آلافًا منهم في أوائل العشرينات تمكنوا بالفعل من جمع ثروات تتراوح بين سبعة وثمانية أرقام عبر استثماراتهم في البيتكوين، والـ NFT، وبروتوكولات التمويل اللامركزي (DeFi).
ويشير التقرير إلى أن هذه الظاهرة ليست مجرد صدفة أو مغامرة، بل تعكس وعي جيل جديد بقدرة التكنولوجيا على كسر احتكار المؤسسات التقليدية للثروة.
والمثال الشهير على ذلك هو إريك فينمان، الذي استخدم هدية من جدته بقيمة ألف دولار عام 2011 لشراء البيتكوين عندما كان سعر الوحدة 12 دولارًا، ليصبح مليونيرًا قبل بلوغه الثامنة عشرة.
لعل أبرز معالم هذه الثورة الرقمية تتمثل في اختيار الوجهات المواتية لحماية الثروات. لم تعد الثروة مرتبطة بالجغرافيا، بل أصبحت قابلة للحركة الفورية، مما يدفع جيل زد إلى إعادة تعريف مفهومي الإقامة والمواطنة، بحثًا عن أنظمة ضريبية صديقة.
تتصدر مدن مثل دبي وسنغافورة، إلى جانب ملاذات ضريبية في الكاريبي، قائمة الوجهات المفضلة. ففي الإمارات، أصبحت الأنظمة الضريبية الميسرة والبنية التحتية الصديقة للعملات المشفرة جاذبة بقوة.
ويُتوقع أن يشهد هذا العام انتقال نحو 9800 من الأثرياء إلى الإمارات وحدها، التي توفر بيئة خالية من ضرائب الدخل والأرباح الرأسمالية، إضافة إلى برامج إقامة مغرية مثل “التأشيرة الذهبية”.
وقد كشف التقرير أن نحو 30% من سكان الإمارات يمتلكون نوعًا من العملات المشفرة، وهو أعلى معدل عالمي، وهو ما يُفسر الزيادة الملحوظة في الطلب على خدمات الطيران الخاص من قبل “مليونيرات الكريبتو” الشباب.
على الرغم من تشديد الرقابة مؤخراً، تظل سنغافورة منصة جاذبة للمشاريع الجادة بفضل وضوحها التشريعي ودعمها للابتكار.
أما في الأمريكتين، فقد تحولت بورتوريكو وجزر الكاريبي إلى ملاذات للأثرياء الرقميين، تحديداً بفضل قوانين مثل “القانون 60″، التي تعفي القادمين الجدد من الضرائب على مكاسب رأس المال، مما يوفر لهم حماية مالية أفضل بكثير مما هو معمول به في الولايات المتحدة القارية.
وفق أرقام “تقرير الثروة المشفرة 2025″، بلغ عدد الأثرياء الرقميين حول العالم (من يمتلكون أكثر من مليون دولار من الأصول المشفرة) 241,700 شخص، بزيادة مذهلة بلغت 40% خلال عام واحد. يشمل هذا العدد 450 شخصًا يملكون أكثر من 100 مليون دولار، و36 مليارديرًا في قمة الهرم.
ويرى الخبراء أن هذه الأرقام لا تشير فقط إلى ازدياد الثروة، بل تعكس تحوّلًا جذريًا في مفهومها؛ فلم تعد حكراً على المؤسسات التقليدية أو مرتبطة بالجغرافيا، بل باتت قوة ديناميكية في أيدي جيل جديد يمتلك أدوات التكنولوجيا لتحقيقها.