تصاعد التحديات أمام الشركات الأجنبية في الصين وسط بيئة اقتصادية وجيوسياسية متقلبة
منذ بداية ولاية “دونالد ترامب” الأولى، أصبح مناخ الأعمال التجارية في الصين أكثر تشددًا بشكل ملحوظ، رغم الجهود التي تبذلها الحكومة الصينية للتأكيد على ترحيبها بالشركات الدولية.
هذا التغيير يأتي في وقت يعاني فيه الاقتصاد الصيني من تباطؤ النمو، في ظل ضعف الطلب وأزمة العقارات المستمرة، بالإضافة إلى التوترات الجيوسياسية والرسوم الجمركية الأمريكية التي تؤثر بشكل كبير على أداء ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
في هذا السياق، بدأ الاقتصاد الصيني يفقد جاذبيته تدريجيًا أمام الشركات الأجنبية، خاصة مع ظهور وجهات تصنيع بديلة في دول مثل الهند وفيتنام، التي توفر بيئات أكثر استقرارًا ونموًا اقتصاديًا أفضل.
و رغم هذه التحديات، تُصر الحكومة الصينية على أنها فتحت أبوابها مرة أخرى أمام الشركات الأجنبية، مدعية أن الإصلاحات التي تم تنفيذها جعلت الحياة أسهل بالنسبة لهذه الشركات.
وفقًا لبيانات مجلس تعزيز التجارة الدولية في الصين، الذي تسيطر عليه وزارة التجارة، وصف 90% من الشركات الأجنبية تجربتها في البلاد بأنها مرضية أو أفضل من ذلك.
ومع ذلك، كانت هناك انتقادات لنتائج هذا المسح من قبل بعض المسؤولين التنفيذيين الذين أشاروا إلى صعوبة تبرير الاستمرار في الاستثمار في الصين في ظل الظروف الحالية.
أظهرت استطلاعات أخرى مثل تلك التي أجرتها غرفة التجارة الأمريكية في شنغهاي أن أقل من نصف الشركات الأجنبية المتواجدة في الصين كانت متفائلة بشأن آفاق أعمالها في السنوات الخمس القادمة، وهو أدنى مستوى تم تسجيله على الإطلاق.
كما أظهر استطلاع سنوي آخر أجرته غرفة التجارة الأوروبية في مايو أن 15% فقط من الشركات اعتبرت الصين وجهتها الاستثمارية الأولى، بعد أن كانت هذه النسبة ثابتة حول 20% في السنوات السابقة.في محاولة لمواجهة تلك التحديات، عقدت وزارة التجارة الصينية اجتماعًا في أغسطس مع
الشركات الأجنبية الكبرى التي قامت باستثمارات كبيرة في البلاد، مثل شركة “ليجو” وصانعة الأدوية “موديرنا”، حيث وعدت الحكومة بحل المشكلات المتعلقة بالعقبات التمويلية والبيروقراطية.
ورغم هذه المحاولات، إلا أن الشركات الغربية بدأت في تقليص وجودها في الصين بشكل ملحوظ. على سبيل المثال، قامت “وول مارت” ببيع حصتها في منصة التجارة الإلكترونية الصينية مقابل 3.6 مليار دولار، بينما أغلق “آي بي إم” بعض معاهده البحثية في الصين، مما أثر على أكثر من ألف وظيفة.
في قطاع السيارات، تزداد المنافسة من الشركات المحلية الصينية، التي تفوقت في السوق بفضل الابتكارات التكنولوجية والتكاليف الأقل، خاصة في مجال السيارات الكهربائية والهجينة.
هذا التنافس أدى إلى تراجع مبيعات السيارات الأجنبية، حيث كشفت “جنرال موتورز” عن خطط لخفض قيمة أعمالها في الصين بأكثر من 5 مليارات دولار.
الاستثمارات المباشرة للشركات الأجنبية في الصين (وفق بيانات إدارة الدولة الصينية للنقد الأجنبي)
العام |
قيمة الاستثمارات المباشرة |
الربع الأول من 2022 |
107.21 |
الربع الثاني من 2022 |
37.76 |
الربع الثالث من 2022 |
15.8 |
الربع الرابع من 2022 |
30.05 |
الربع الأول من 2023 |
23.56 |
الربع الثاني من 2023 |
13.57 |
الربع الثالث من 2023 |
(12.06) |
الربع الرابع من 2023 |
17.67 |
الربع الأول من 2024 |
10.20 |
الربع الثاني من 2024 |
(14.8) |
أما في قطاع التكنولوجيا، فقد أظهرت الشركات مثل “آبل” أنها بصدد نقل بعض أنشطتها الإنتاجية إلى الهند وفيتنام، ما يعكس تزايد المخاوف من التوترات الجيوسياسية في المنطقة وتأثيرات جائحة كوفيد-19.
البيئة السياسية والتجارية في الصين أصبحت أكثر صعوبة بالنسبة للشركات الأجنبية، حيث شهدت الشركات الأمريكية العديد من القيود التنظيمية والمخاوف من أن تصبح أهدافًا للانتقام في حال تصاعد التوترات بين واشنطن وبكين.
وقال “مايكل هارت” رئيس غرفة التجارة الأمريكية في الصين إنه من المحتمل أن يعاقب المستهلك المحلي الشركات الأمريكية بسبب جنسيتها، في إطار سياسة تدعيم الشركات المحلية.
ومع دخول “دونالد ترامب” البيت الأبيض مجددًا في يناير، يتزايد القلق من التصعيد في الحرب التجارية بين البلدين، حيث يتوقع البعض أن تواجه الشركات الأمريكية في الصين تداعيات أكبر نتيجة للرسوم الجمركية والقيود المتزايدة.
مستقبل الشركات الأجنبية في الصين يبدو غامضًا، حيث يتوقف على كيفية تطور الاقتصاد الصيني في الفترة المقبلة، بالإضافة إلى كيفية إدارة العلاقات بين واشنطن وبكين في ظل العودة المحتملة للرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” إلى السلطة.