الاقتصادية

تحليل معيب ومغالطات .. لماذا لا يمكن الاستدلال بالتاريخ دائمًا لتوقع مستقبل الأسواق؟

يظهر سوق الأسهم الأمريكي في الوقت الحالي من القرن الحادي والعشرين بعض التشابه مع السوق القوي في الفترة المقابلة من القرن العشرين، لكن هل هذا يعني أن المسيرة ستكون متطابقة ؟

إن إعادة محاكاة السوق لمسيرته المتميزة قبل قرن من الزمان ستكون مثيرة للغاية بالفعل، والواقع أنه إذا ارتفع مؤشر “داو جونز” الصناعي بين الآن وعام 2029 بنفس الوتيرة التي ارتفع بها خلال الفترة المماثلة من عشرينيات القرن العشرين، فسوف يتجاوز 150 ألف نقطة.

هذا يعني ارتفاعًا بنسبة تتجاوز 285% أو نحو 111 ألف نقطة من مستواه الحالي حول 39 ألف نقطة، وفي حين تبدو هذه التوقعات مبالغًا فيها، لكنها لا تزال ممكنة على الأقل من وجهة نظر بعض المحللين المتفائلين، لكن هل الطريقة التي بنوا بها توقعاتهم صحيحة؟

قبل الخوض في هذا، يجدر ذكر أن من بين أكثر التوقعات المتفائلة والصادمة لأداء “داو جونز”، كان توقع الملياردير “وارن بافت” في عام 2017، عندما قال إن المؤشر سيتجاوز مليون نقطة خلال 100 عام، وهو ما اعتبره البعض مبالغة وتوقعًا غير منطقي.

حينما قال “بافت” ذلك، كان المؤشر يبلغ 22 ألف نقطة، وتوقعه هذا كان يعني زيادة بمقدار 10 آلاف نقطة في المتوسط كل عام، لكن التوقعات المتعلقة بنهاية العقد الجاري تشير إلى زيادة بمقدار 22 ألف نقطة سنويًا (111 ألف نقطة ÷ 5 سنوات).

ما مدى التشابه ؟

– على الرغم من أوجه التشابه بين العقد الحالي وعشرينيات القرن العشرين، حيث تظهر الرسوم البيانية مسارين متشابهين لأداء “داو جونز” خلال النصف الأولي عشرينيات القرنين الحادي والعشرين والعشرين، فإن هناك اختلافات كبيرة أيضًا.

– على سبيل المثال، في الفترة من يناير 2020 إلى أغسطس 2021، حقق “داو جونز” عائدًا موجبًا بنسبة 22.7%، على النقيض من خسارة بنسبة 41.2% منذ بداية العقد وحتى أغسطس عام 1921.

– في الواقع، هناك العديد من الفترات التي دامت أربع سنوات أو أكثر على مدى القرن الماضي والتي تبدو متشابهة بالجزء الأول من عشرينيات القرن العشرين كما كان الحال مع السنوات الأربع والنصف الأخيرة.

– لا يشير أي منها عمليًا إلى أن “داو جونز” سوف يتجاوز 150 ألف نقطة في غضون خمس سنوات، والإصرار على توازي منحنيات الأداء فيما يتعلق بالاتجاه الصعودي الحاد هو “أسوأ ما يمكن تصوره في مجال تحليل البيانات”.

472f80bb 60a2 4c00 9d02 be41aa8a2332 Detafour
  

تشوه ومقارنات غير فعالة

– من الأمثلة الرئيسية على تشوه هذا النوع من المقارنات، الرسوم البيانية التي اجتاحت وول ستريت قبل عقد من الزمان، والتي قارن أحدها أداء “داو جونز” في الفترة بين مايو 2012 وفبراير 2014 مع الفترة بين يناير 1928 وديسمبر 1929.

– كان التشابه بين أداء المؤشرين على الرسم البياني ملحوظاً، مع احتمال وقوع انهيار شبيه بانهيار عام 1929، لكن مثل هذا الانهيار لم يحدث بالطبع.

– يؤيد ذلك “ديفيد لينويبر” مؤسس مركز التكنولوجيا المالية المبتكرة في مختبر “لورانس بيركلي” في أمريكا، ومؤلف الورقة البحثية الصادرة عام 2007 بعنوان “حيل التعدين الغبية للبيانات: الإفراط في ملاءمة مؤشر ستاندرد آند بورز 500”.

– يقول “لينويبر”: “إذا نظرت إلى فترات كافية بنفس الطول (مثل الفترة التي بدأت في مايو 2012)، فسوف تجد كل أنواع الصور المتشابهة للغاية التي تظهر ارتباطات مثيرة للإعجاب ظاهريًا، ومعظمها لم يؤد إلى انهيار في النهاية”.

– إن الإصرار على توازي المنحنيات التي تشير إلى انهيار وشيك هو “المعادل التحليلي للبحث عن الأرانب في السحاب، فإذا قمت بما يكفي من البحث، فمن المؤكد أنك ستجد ذلك الأرنب عاجلاً أم آجلاً”، وفقًا لـ “لينويبر”.

0f349de6 7d11 473d ae9a 6e5ce96bb204 Detafour
  

الكساد المنسي

– هناك أيضًا سبب أساسي لعدم الاعتقاد بأن العقد الحالي سوف يتبع سيناريو عشرينيات القرن الماضي، حيث كان الارتفاع الهائل لسوق الأسهم في النصف الأخير من العقد مدفوعًا بشكل كبير بالانتعاش من الكساد الحاد الذي عانت منه أمريكا في النصف الأول من العقد.

– لا يدرك سوى قِلة من خبراء الاستثمار هذا الكساد الذي حدث في أوائل عشرينيات القرن العشرين، وفقاً لـ “جيم جرانت”، رئيس تحرير صحيفة “Grant’s Interest Rate Observer“، الذي درس فترة العشرينيات على نطاق واسع.

– لهذا السبب أطلق “جرانت” على كتابه عن هذا الموضوع عنوان “الكساد المنسي”، والذي وقع في عامي 1920 و1921 وكان حادًا لدرجة أن أحد خبراء الاقتصاد قال آنذاك إن “العالم أقرب إلى الانهيار من أي وقت مضى منذ سقوط الإمبراطورية الرومانية”.

– من أعماق هذا الكساد، انتعش الاقتصاد الأمريكي وسوق الأسهم، ويشير “جرانت” إلى تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” الذي يفيد بأنه عند قاع ذلك الكساد، “كانت قيمة عشرات الشركات أقل من رأس مالها العامل”.

– كانت أسهم أعداد كبيرة من الشركات الصناعية تُباع بثلث قيمتها الجوهرية، وعلى سبيل المثال، كان سهم شركة “كوكاكولا” يتداول عند 1.7 ضعف أرباح عام 1922 و2.5 ضعف أرباح عام 1923.

b2941518 fbf1 4a2a 9c32 2538ab67bc85 Detafour

ماذا عن انهيار 2020؟

– قد يتساءل البعض عما إذا كان السوق الهبوطي في فبراير ومارس 2020 هي المعادل لكساد عامي 1920 و1921، لكنه ليس كذلك.

– على سبيل المثال، بفضل برامج التحفيز الضخمة التي قدمتها الحكومة الأمريكية، لم يكن هناك انكماش حقيقي في عام 2020، وكان أدنى معدل تغير لمؤشر أسعار المستهلك على أساس سنوي في مايو 2020، عندما ارتفع التضخم بنسبة 0.1% فقط.

– على النقيض من ذلك، وخلال ذروة كساد 1920-1921، بلغ معدل تغير مؤشر أسعار المستهلك على أساس شهري سالب 15.8%، وهو أقل بكثير حتى من أسوأ انكماش في ثلاثينيات القرن العشرين .

– في مارس 2020، لم تكن أي شركة تتداول بأقل من رأس مالها العامل، وعند أدنى مستوى للسوق، كانت نسبة السعر إلى القيمة الدفترية لمؤشر “إس آند بي 500” تبلغ 2.5، وهو مستوى قريب من المبالغة في تقدير القيمة وليس التقليل منه.

– من الممكن بالطبع أن يرتفع مؤشر “داو جونز” خلال السنوات الخمس المقبلة إلى أكثر من 150 ألف نقطة، لكن إذا كان المحلل يريد أن يتبنى هذه الحالة .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى