الاقتصادية

تحقيق النمو المستدام: دور إشراك الموظفين في تعزيز الإنتاجية في عصر الثورة الصناعية الرابعة

لطالما كانت مؤشرات الإنتاجية حجر الزاوية في تقييم نجاح المؤسسات خلال العصر الصناعي التقليدي. في ذلك الوقت، كانت المنظمات تعتمد على مقاييس صارمة مثل ساعات العمل والإيرادات لكل موظف ومخرجات الآلات لتحديد كفاءة العمل.

ومع بداية الثورة الصناعية الرابعة، التي تتميز بالابتكار التكنولوجي والتطور السريع، تغيرت محركات النمو بشكل جذري. في هذا العصر الجديد، أصبح التركيز الأساسي على العنصر البشري كمفتاح لتحقيق الإنتاجية المستدامة.

و لتقييم الإنتاجية في العصر الحديث، تحتاج المؤسسات إلى تبني نهج مختلف تماماً. فالمقاييس التقليدية لا تعكس حقيقة الأوضاع الحالية، حيث تغفل عن رفاهية الموظفين وتجاهل مشكلات مثل الإرهاق وارتفاع معدلات التدوير الوظيفي.

لذلك، أصبح من الضروري التحول من نهج قياس الإنتاجية التقليدي إلى نهج أكثر شمولية. بدلاً من التركيز على مخرجات الإنتاج فحسب، يجب أن نركز على نتائج الموظفين وتقييم معايير النجاح التي تترجم إلى قيمة حقيقية للشركة.

إشراك الموظفين يمثل العنصر الأساسي في هذا التحول. يشير إشراك الموظف إلى ارتباطه العاطفي وعلاقته العميقة مع عمله وفريقه والمؤسسة ككل.

إنه يتجاوز مجرد تأدية المهام اليومية ليشمل رغبة حقيقية في تحقيق أهداف المؤسسة والمساهمة في نجاحها.

كيف ترتقي بمستويات المشاركة

1 اعتماد عقلية تركز على الإنسان

أكدت الأبحاث أن أكثر من 80% من الموظفين يرغبون في أن يُنظر إليهم كأشخاص وليسوا مجرد موظفين.

ومع ذلك، يعتقد 45% فقط من الموظفين أن شركاتهم تتعامل معهم من هذا المنظور، وهنا يمكن أن تحدث الثقافة الداعمة فرقًا كبيرًا.

من الأهمية بمكان التعامل مع الموظفين على أنهم بشر وتمكينهم من الأداء الناجح.

2 تعزيز التواصل بين الموظفين

من الضروري أن يتحدث المدير مع أعضاء الفريق وجهاً لوجه، فالتواصل مع الموظفين يكسر حاجز الخوف لدى الموظف ويُظهر له أنك تهتم به كشخص ولا تعده مجرد شخص تضطر للتعامل معه بسبب العمل.

كما يعزز التواصل المفتوح المشاركة من خلال خلق شعور بالانتماء والتمكين ويُشعر الموظفين بأن آراءهم مُقدرة ومسموعة.

يمكن أن تساعد اجتماعات الفريق وجلسات العمل ومنصات مشاركة الأفكار الموظفين على الشعور بالتميّز.

3– الاستثمار في تنمية المهارات

من أهم العناصر الأساسية في عملية المشاركة، لأن الاهتمام ببناء ثقافة تدعو لتطوير الذات بشكل مستمر يساعد الموظفين في تنمية مهاراتهم وزيادة خبراتهم المهنية.

كما أن توفير فرص ودورات تدريبية للموظفين يُشعرهم باهتمام الشركة بمهاراتهم وقدراتهم الشخصية، ما يرفع من رغبتهم في المشاركة الفعالة في المؤسسة.

فعندما يستثمر أصحاب العمل في رفع الكفاءات وإعادة التدريب والنمو الفردي المستمر، فإن ذلك يُظهر التزامًا بالنجاح على المدى الطويل للجميع.

4– تمكين القادة ليصبحوا قدوة يُحتذى بها

يُعد القيادة بالقدوة أمرًا لا غنى عنه في خلق ثقافة المشاركة. لتحقيق نجاح تنظيمي قابل للقياس، يجب على القادة التواصل، وتمكين الموظفين، وتقديم المشورة والدعم، ومتابعة أساليب وإجراءات الإدارة الشاملة.

5– تسخير الأدوات التقنية لتعزيز الأداء البشري

يمكن للتكنولوجيا أن تعمل على تحسين عمل الموظفين في الخطوط الأمامية.

حيث تساعد التقنيات الجديدة في أتمتة المهام المتكررة لتقليل الرتابة، وإتاحة الوقت لحل المشكلات، وتحسين الابتكار.

هناك منصات الجدولة الرقمية ومنصات إشراك الموظفين والتطبيقات الجوالة للدعم أثناء العمل والتدريب، كل ذلك يمكن أن يجعل العمل جذابًا وممتعًا وفعالًا.

على الأرجح لن يخشى الموظفون في الخطوط الأمامية من أن تحل التكنولوجيا مكانهم إذا استفادوا من الأدوات الجديدة التي تساعدهم على العمل بشكل أفضل.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للتكنولوجيا أن تساعد في تشجيع ثقافة الالتزام التي تساهم في تحسين النتائج البشرية.

 

وتتجلى أهمية هذا المفهوم بشكل خاص لدى موظفي الخطوط الأمامية، الذين يتفاعلون مباشرة مع العملاء أو الجمهور.

فهؤلاء الموظفون يمثلون 80% من القوى العاملة في العالم ولهم تأثير مباشر على تجربة العملاء وجودة المنتج وسمعة الشركة. وبالتالي، يؤدي تعزيز مستوى المشاركة لديهم إلى تحسين النتائج التجارية وضمان استدامة النمو.

أظهرت دراسة أجرتها مايكروسوفت في عام 2022، شملت استطلاعات رأي أكثر من 3 ملايين موظف في 200 شركة، أن الشركات التي تتمتع بمستوى عالٍ من إشراك الموظفين تفوقت بشكل ملحوظ على مؤشر ستاندارد آند بورز 500.

هذه البيانات تثبت أن الاستثمار في رفاهية الموظفين وإشراكهم لا يُحسن فقط من أدائهم الفردي، بل يعزز أيضاً من نجاح المؤسسة ككل.

نمو استثمارات صندوق جولديلوكس في الخدمات المالية في 2019 - أخبار صحيفة  الرؤية

هناك العديد من الاستراتيجيات التي يمكن للمؤسسات اتباعها لتعزيز مشاركة الموظفين. من بين الطرق الفعّالة هو تبني نهج متعدد الجوانب يتناسب مع احتياجات القوى العاملة المتنوعة.

و على سبيل المثال، توفير بيئة عمل تشجع على الإبداع، تنظيم ورش تدريبية، وضبط مؤشرات الأداء المستهدفة، بالإضافة إلى إجراء اجتماعات دورية للتفاعل مع الموظفين.

كما أن مكافأة الموظفين على جهودهم وإنجازاتهم تعزز من ولائهم وتشجعهم على التفاعل بشكل أكبر مع أهداف المؤسسة. من خلال هذه الاستراتيجيات، يمكن تحسين مستوى المشاركة والالتزام، مما يؤدي في النهاية إلى تحسين الأداء المؤسسي وتحقيق نمو مستدام.

في عصر الثورة الصناعية الرابعة، لم يعد قياس الإنتاجية مقتصراً على الأرقام التقليدية فقط. أصبح إشراك الموظفين وتوفير بيئة عمل تحفزهم على الابتكار والتطور من أهم عوامل النجاح المؤسسي.

ومن خلال التركيز على نتائج الموظفين وتحقيق التوازن بين الأداء الفردي والجماعي، يمكن للمؤسسات تحقيق استدامة حقيقية ونمو طويل الأمد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى