الاقتصادية

تأثير ذكريات الطفولة على سلوكياتنا المالية: كيف يمكننا إعادة تشكيل علاقتنا بالمال؟

هل تساءلت يومًا لماذا تميل إلى الادخار بشكل مفرط أو الإنفاق بشكل غير محدود؟ قد يكمن الجواب في ذكريات الطفولة، حيث تبدأ تصوراتنا عن المال في التشكل منذ سن مبكرة، تمامًا كما نتعلم المشي والكلام.

منذ نعومة أظافرنا، تؤثر العديد من العوامل في كيفية تعاملنا مع المال. فمراقبة الوالدين، وسماع نقاشاتهم حول الفواتير، أو حتى تلقي المصروف الأول، كلها لحظات قد تبدو صغيرة ولكنها تترك تأثيرًا كبيرًا على كيفية إدراكنا للمال في المستقبل.

لكن كيف يمكن أن تؤثر تلك اللحظات البريئة في تشكيل سلوكياتنا المالية؟ وما هي الروابط العميقة بين تجارب الطفولة وسلوكيات المال التي نكتسبها؟ الإجابة على هذه الأسئلة قد تساعدنا في فهم دوافع سلوكياتنا المالية، وكيفية تغييرها بطريقة أكثر وعيًا وإيجابية.

Kids and Money - Five basic money management concepts for children

الطفولة هي المرحلة التي تبدأ فيها المعتقدات حول المال بالتشكل. سواء كان ذلك من خلال مشاهدة الوالدين يتجادلون حول الفواتير، أو تلقي المصروف، أو الادخار لشراء لعبة مفضلة، فإن هذه التجارب تشكل الأساس الذي نبني عليه فهمنا للمال في المستقبل.

الآباء الذين يعبرون عن قلقهم من التوتر المالي بشكل مستمر قد ينقلون إلى أطفالهم مشاعر القلق بشأن المال. في المقابل، الآباء الذين يؤكدون على أهمية الادخار والعطاء قد يزرعون في أطفالهم قيم المسؤولية المالية والكرم.

تشير الدراسات إلى أن الأطفال الذين يشهدون مشاحنات مالية في منزلهم قد ينشؤون وهم يخشون من الاستقرار المالي، مما قد يدفعهم إلى اتخاذ قرارات مالية قائمة على الخوف، مثل الادخار المفرط أو تجنب التخطيط المالي.

وفقًا للدكتور “براد كلونتز”، عالم النفس المالي، فإن المعتقدات التي تتشكل خلال الطفولة والتي يطلق عليها “سيناريوهات المال” تؤثر بشكل كبير على كيفية إدارة المال في مرحلة البلوغ.

على سبيل المثال، إذا نشأ الطفل في بيئة يعاني فيها الوالدان من نقص في المال، فقد يطوّر هذا الخوف من عدم الأمان المالي، مما قد يؤدي إلى سلوكيات ادخارية مفرطة.

وعلى العكس، قد ينشأ الطفل الذي يتعلم من والديه عن أهمية النقاش المالي الإيجابي والادخار بمرتاح مع المال ويميل إلى أن يكون أكثر استباقية في بناء الثروة.

الوالدان هم أول قدوة مالية للأطفال، إذ إن عاداتهم في الإنفاق، وطريقة تعاملهم مع القضايا المالية، وكيفية مواجهة التحديات الاقتصادية، تترك آثارًا عميقة.

دراسة نُشِرت في “مجلة علم النفس الاقتصادي” أكدت أن الأطفال الذين يتعرضون لمحادثات بناءة حول المال يكونون أكثر قدرة على تطوير مهارات مالية قوية.

المشاعر المرتبطة بالمال خلال الطفولة أيضًا لا تقل أهمية عن الجوانب العملية. يقول الدكتور “دانيال كانيمان”، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد السلوكي، إن قراراتنا المالية تتأثر كثيرًا بالعواطف أكثر من العوامل المنطقية.

الطفل الذي يشعر بالحرمان قد يكبر ليعوض هذا الشعور من خلال الإنفاق الزائد، في حين أن الشخص الذي نشأ في بيئة تقشفية قد يجد صعوبة في الاستمتاع بمكاسبه المالية.

731aa412 ebc3 4238 bee6 8545a9c2b63f Detafour

رغم أن التعليم المالي في المدارس لا يزال مفقودًا في العديد من المناهج الدراسية، هناك برامج ومبادرات مثل “جنيور اتشيفمنت” التي تسعى لتزويد الأطفال والشباب بالمهارات المالية الأساسية مثل إعداد الميزانيات والاستثمار. ولكن لا يزال هناك حاجة لبذل المزيد من الجهود لتوسيع هذه المبادرات.

و حتى إذا كانت تجارب الطفولة قد زرعت فينا معتقدات محدودة حول المال، فإن إعادة تشكيل علاقتنا بالمال ممكنة. من خلال خطوات واعية، يمكننا تغيير سلوكياتنا المالية نحو الأفضل.

من بين الخطوات المفيدة: التأمل في الذكريات الأولى. تحديد الذكريات المرتبطة بالمال وتقييم تأثيرها على عاداتنا المالية الحالية يمكن أن يساعدنا في فهم نقاط ضعفنا وكيفية تجاوزها.

علاوة على ذلك، تحدي السيناريوهات المالية يمكن أن يكون مفيدًا. على سبيل المثال، إذا كنت تؤمن أن “المال أصل كل الشرور”، حاول التركيز على الفرص التي يمكن أن يوفرها المال.

التعلم المستمر هو خطوة أخرى أساسية، فقراءة كتب مثل “الأب الغني والأب الفقير” أو “سيكولوجية المال” قد توفر لنا رؤى مهمة حول كيفية تحسين سلوكياتنا المالية.

وضع أهداف مالية قابلة للتحقيق يتماشى مع القيم الشخصية يمكن أن يساعد في تعديل سلوكياتنا المالية. أيضًا، لا ضرر من طلب استشارة من مختص أو معالج مالي إذا شعرنا بالحاجة إلى دعم إضافي لتغيير سلوكياتنا المالية.

 

وارن بافيت هو مثال على كيفية تأثير الطفولة في التعامل مع المال. بدأ شغفه بالمال في سن مبكرة، حيث اشترى علكة صغيرة في السادسة من عمره وبيعها لجيرانه، ثم عمل في توصيل الصحف، وادّخر أمواله ليشتري أول سهم له في سن 11 عامًا.

07f1fdfd d0aa 4201 a918 d20f9e13b137 Detafour

أوبرا وينفري نشأت في بيئة فقيرة، لكنها تعلمت كيف تدير الموارد المحدودة من جدتها. كانت ترى والدتها تعمل بجد لتغطية احتياجات الأسرة، مما زرع فيها قيمة المال ورغبة في تحسين وضعها المالي.

توماس إديسون بدأ حياته المهنية بائعًا للصحف، وكان يستخدم أرباحه لشراء المواد الأولية لابتكاراته. هذا التجربة علمته قيمة العمل والربح، وأدت إلى نجاحه الكبير في المستقبل.

قصة عائلة كيم في كوريا الجنوبية تبرز قيمة التعاون المالي. كانوا يشتركون في الأعمال المنزلية ويحصلون على مكافآت تدخرها العائلة معًا، مما غرس فيهم أهمية الادخار والعمل الجماعي.

تُظهر هذه القصص أن علاقتنا بالمال غالبًا ما تعكس تجاربنا المبكرة، ومن خلال فهم هذه الجذور يمكننا البدء في إعادة كتابة الروايات التي توجه سلوكياتنا المالية، مما يعزز من صحتنا المالية ويبني ثروة مستدامة.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى