الاقتصادية

تأثير أسعار الفائدة على مخاطر حدوث فقاعة في سوق العقارات

في كتابه الشهير “The Holy Grail of Macroeconomics” -الكأس المقدسة للاقتصاد الكلي- يُقدم ريتشارد كوو تحليلاً معمقاً لكيفية تطور الفقاعات الاقتصادية وأثرها على الاقتصاد العالمي.

ويركز كوو مع استعراضه للدروس المستفادة من “الركود العظيم” في اليابان، بشكل خاص على “فقاعة العقارات” التي حدثت في هذا البلد خلال التسعينيات، ويعرض مقارنة مع الأزمات العقارية التي حدثت في الولايات المتحدة وأوروبا في بداية القرن الحادي والعشرين.

ويعتبر القطاع العقاري بمثابة القلب النابض لأي اقتصاد في العالم، وله تأثير كبير على نمو الاقتصادي، وخلق فرص عمل، وتحقيق الاستقرار المالي وتلبية الاحتياجات الأساسية للمجتمع.

ويتأثر القطاع العقاري بشكل كبير بعوامل اقتصادية متعددة، مثل التضخم وأسعار الفائدة، هذه العوامل تلعب دوراً حيوياً في تحديد الطلب على العقارات، تكاليف التمويل، وأسعار العقارات بشكل عام.

 ويوضح الكتاب أن النمو الاقتصادي غير المستدام المستند على الأصول المتضخمة هو ما يقود في نهاية المطاف إلى “فقاعات” تؤدي إلى ركود عميق بعد انفجارها.

هل الفقاعة تتجه نحو التلاشي؟

مع قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي بخفض سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية بمقدار 50 نقطة أساس في 18 سبتمبر، وهو أول خفض منذ أكثر من أربع سنوات، يبدو أن رحلة أسعار العقارات المبالغ فيها في طريقها للنهاية.

ورغم استمرار زيادة المخزون العقاري في الولايات المتحدة وتراجع مستويات الرهن العقاري مقارنة بالعام الماضي، فإن أسعار المساكن مستمرة في تحطيم الأرقام القياسية. وبالتالي، من المرجح أن ينتظر العديد من المشترين المزيد من انخفاض الأسعار لتحسين القدرة على تحمل التكاليف، ومع ذلك يحذر الخبراء من الانتظار لفترة طويلة جداً.

وقالت “ليزا ستورتيفانت”، كبيرة الاقتصاديين في برايت إم إل إس، إن “الضغط التصاعدي على أسعار المساكن يجعل سوق الإسكان الحالي هو السوق الأكثر تكلفة في التاريخ”، متوقعة أن تنخفض أسعار المساكن خلال الشهر الأخير من عام 2024 وسط زيادة المخزون.

ولكي تتلاشى تلك الفقاعة العقارية، يقول “كيث جومبينجر”، نائب الرئيس في شركة للرهن العقاري عبر الإنترنت، يجب أن يرتفع مخزون المنازل المعروضة للبيع بشكل أكبر.

وأضاف أن “هذا المخزون الإضافي من شأنه أن يخفف الضغوط المتصاعدة على أسعار المساكن، أو يثبتها وربما يدفعها للتخلي عن مستويات الذروة”.

المدن الأكثر عرضة لخطر الفقاعة

وانخفضت مخاطر فقاعات الإسكان في 25 مدينة بمختلف أنحاء العالم بشكل طفيف في المتوسط ​​للعام الثاني على التوالي، وفقاً لتقرير مؤشر UBS Global Real Estate Bubble الصادر عن بنك يو بي إس مؤخراً.

73d9dfd4 39ad 4928 803a 097b856d9928 Detafour

ومن منظور إقليمي، فقد انخفضت توقعات الفقاعة بشكل عام بنحو أكبر في أوروبا، وظلت مستقرة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وزادت في الولايات المتحدة.

المدن الأكثر عرضة لمخاطر الفقاعة العقارية

الترتيب

المدينة

درجة المخاطر

نسبة الارتفاع في أسعار العقارات

(مقارنة بالعام الماضي)

1

ميامي

1.79

%7.4

2

طوكيو

1.67

%5.6

3

زيورخ

1.51

%2.4

4

لوس أنجلوس

1.17

%1.4

5

تورنتو

1.03

-%0.7

6

جنيف

1.00

-%0.2

7

أمستردام

0.98

%6.9

8

سيدني

0.78

%1.7

9

بوسطن

0.78

%1.1

10

فانكوفر

0.77

%5.5

وتتصدر ميامي الآن أعلى المدن عرضة للفقاعة العقارية، ويرى التقرير أن هناك مخاطر مرتفعة لوقوع فقاعة عقارية أيضاً في طوكيو وزيوريخ رغم الانخفاض الكبير في الفرص مقارنة بالعام الماضي.

وبحسب التقرير أيضاً فإن هناك خطراً مرتفعاً لفقاعة أسعار الإسكان في لوس أنجلوس وتورنتو وجنيف، فيما سجلت مدن مثل أمستردام وسيدني وبوسطن خطراً معتدلاً، وسجلت دبي أقوى زيادة في درجة المخاطر بين جميع المدن التي حللها المؤشر رغم تسجيلها مرتبة متأخرة (المركز الـ14) في قائمة المدن الأكثر عرضة للفقاعة العقارية.

ووفقاً للمؤشر، فإن خطر فقاعة العقارات منخفض في سان فرانسيسكو ونيويورك.

وفي أوروبا، تندرج لندن وباريس وستوكهولم وميلانو أيضاً ضمن فئة المخاطر المنخفضة، بعد المزيد من الانخفاضات في درجة المؤشر.

ويذكر التقرير أن أسعار المساكن المعدلة حسب التضخم في المدن التي تم تحليلها، أقل بنحو 15% في المتوسط مقابل ما كانت عليه في منتصف عام 2022، عندما بدأت أسعار الفائدة في الارتفاع عالمياً.

وأفاد بأن المدن التي سجلت أقوى تصحيحات الأسعار هي تلك التي أظهرت مخاطر عالية لفقاعة العقارات في السنوات السابقة.

والأسعار الحقيقية في فرانكفورت وميونيخ وستوكهولم وهونج كونج وباريس أقل بنحو 20% أو أكثر من ذروتها بعد الوباء.

وعلى النقيض من ذلك، استمرت أسعار المساكن في الارتفاع في المواقع المرغوبة مثلما حدث في دبي وميامي.

توقعات العام المقبل

كما ارتفعت الأسعار الحقيقية في بعض المدن التي تعاني من نقص واضح في المساكن، مثل فانكوفر وسيدني ومدريد، بأكثر من 5% مقارنة بالعام الماضي.

وبالطبع، من أجل تراجع أسعار العقارات لا بد أن تهدأ في المقابل أسعار الرهن العقاري، وهو ما يبدو واعداً بالنظر إلى الانخفاضات الأخيرة، وخوض الفيدرالي رحلة خفض أسعار الفائدة منذ سبتمبر الماضي.

cadb3b98 6a53 49bf a6c5 7301e0c036d7 Detafour

وتتبع أسعار الرهن العقاري بشكل غير مباشر سعر الفائدة الرئيسي الذي تستخدمه البنوك كدليل للإقراض، ومع ارتفاع سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية إلى أعلى مستوى له منذ أكثر من عقدين من الزمان، شعر المقترضون بصعوبة تحمل تكاليف المسكن.

وكان متوسط ​​سعر الرهن العقاري الثابت لمدة 30 عاماً أقل من 7% منذ الأسبوع الأول من يونيو، وهبط إلى 6.08% في الأسبوع المنتهي في 22 سبتمبر.

ومع ذلك لا يرى الكثير من المحللين أن يحدث الأمر بسرعة كبيرة رغم اتجاه أسعار الرهن العقاري نحو الانخفاض، ويتوقع “كيث جومبينجر”، نائب الرئيس في شركة للرهن العقاري عبر الإنترنت، أن يدفع الانخفاض السريع في الأسعار إلى زيادة الطلب على المساكن وهو ما قد يؤدي إلى محو أي زيادة في المعروض، ما يتسبب في انتعاش أسعار العقارات مرة أخرى.

وفي ما يتعلق بعام 2025، يقول “جومبينجر” إنه من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان سوق الإسكان سيكون في توازن أفضل أم لا، ومقدار تراجع أسعار الرهن العقاري، وكيف ستتفاعل أسعار المساكن وسط إطلاق العنان للطلب المكبوت.

وأضاف: “أعتقد أن عام 2025 سيكون عاماً أفضل للإسكان، ولكن ليس عاماً رائعاً”، مضيفاً أن “القدرة على تحمل التكاليف لن تتحسن كثيراً، حتى مع انخفاض أسعار الرهن العقاري”.

سلاح ذو حدين

في أواخر التسعينيات وأوائل الألفية الجديدة، شهد سوق العقارات الأمريكي نمواً هائلاً، وارتفعت أسعار المنازل بوتيرة غير مسبوقة، حيث كانت القروض العقارية متاحة بسهولة حتى للأفراد الذين لم يكونوا قادرين على تحمل التكاليف في الأحوال العادية.

توافر السيولة العالية نتيجة السياسات النقدية الميسرة وانتشار القروض عالية المخاطر شكلا جزءاً أساسياً من هذا النمو غير المستدام.

وكانت إحدى السمات الرئيسية لهذه الفقاعة هو توريق الديون العقارية، حيث قامت البنوك بتجميع القروض العقارية وبيعها كأوراق مالية، وهو ما سمح بانتشار المخاطر عبر النظام المالي.

d9fcd257 0696 4198 815a 34c1ab48e6b0 Detafour

ومع تباطؤ سوق العقارات في منتصف العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، بدأ الانهيار حيث انخفضت أسعار المنازل بشكل كبير، ووجد الملايين من أصحاب المنازل أنفسهم في وضع “فائض الديون”، حيث كانت قيمة قروضهم أعلى من قيمة منازلهم.

انفجار هذه الفقاعة كان السبب الرئيسي للأزمة المالية العالمية في عام 2008، حيث تسبب في إفلاس العديد من المؤسسات المالية الكبرى مثل ليهمان برازر، وأدى إلى ركود اقتصادي استمر عدة سنوات.

هذا السيناريو معرض للتكرار في الوقت الحالي، ففي ظل توقعات خفض أسعار الفائدة العام المقبل، إذ تشير التوقعات إلى بلوغها نحو 4% في 2025، فإن متوسط الرهن العقاري مرجحة للهبوط هي الأخرى، وبالتالي ستزداد أعداد مشترى المنازل عبر القروض.

تعد الفقاعات العقارية في أمريكا وأوروبا أمثلة واضحة على مخاطر التمويل غير المسؤول والاعتماد على النمو الاقتصادي القائم على الأصول.

وفي النهاية، تؤدي هذه الفقاعات إلى فترات من الركود العميق والانكماش الاقتصادي.

وتؤكد الدروس المستفادة من هذه الأزمات أهمية التنظيم المالي الدقيق والتأكد من وجود معايير قوية للتمويل المستدام، بالإضافة إلى مراقبة النمو الاقتصادي غير المتوازن لتجنب تكرار مثل هذه الأزمات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى