بين التحذير والتغيير: لماذا يبتعد بافت عن بنك أوف أمريكا؟
تستند فلسفة وارن بافت الاستثمارية، التي تأثرت بشكل كبير بفكر الاقتصادي والمستثمر البريطاني بنيامين جراهام، إلى استراتيجية شراء أسهم شركات ذات قيمة بأسعار معقولة والاحتفاظ بها لفترات طويلة.
على مر السنوات، حققت هذه الاستراتيجية أداءً يتجاوز أداء السوق، مما يجعل تحركات بافت الاستثمارية تؤثر بشكل كبير على قرارات المستثمرين الآخرين.
في عمر 93 عامًا، استطاع بافت تحويل شركة بيركشاير هاثاواي من شركة نسيج بسيطة إلى مجموعة استثمارية عملاقة تمتلك حصصًا في مجموعة متنوعة من القطاعات.
وتمتلك المجموعة الاستثمارية محفظة ضخمة تضم بعض كبرى الشركات حول العالم على رأسها “آبل”.
وخلال الفترة من الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2022 وحتى الربع الثاني من العام الحالي، باعت الشركة مليارات الدولارات من حيازاتها في سوق الأسهم الأمريكية ما عزز سيولتها النقدية بنسبة 161% عند حوالي 277 مليار دولار.
واختلفت التفسيرات والمزاعم حول السبب الذي دفع أحد أغنى أثرياء أمريكا لخفض حيازاته في سوق الأسهم، فمنها أن الدافع هو تكوين سيولة ضخمة للقيام بعمليات استحواذ كبيرة، أو حتى الاستعداد لركود أو تباطؤ محتمل في السوق، أو لأن الأسهم مبالغ في تقييمها.
بعض أكبر الحيازات في محفظة “بافت” الاستثمارية (اعتبارًا من الثلاثين من يونيو 2024) |
||||
الاستثمار |
|
قيمة الاستثمار |
|
نسبته من المحفظة |
آبل |
|
84.2 |
|
%30.09 |
بنك أوف أمريكا |
|
41.1 |
|
%14.67 |
أمريكان إكسبريس |
|
35.1 |
|
%12.54 |
كوكاكولا |
|
25.5 |
|
%9.09 |
شيفرون |
|
18.6 |
|
%6.63 |
أوكسيدنتال بتروليم |
|
16.1 |
|
%5.75 |
كرافت هاينز |
|
10.5 |
|
%3.75 |
بدأت الشركة الأمريكية الاستثمار في “بنك أوف أمريكا” في الربع الثاني من عام 2007 أي قبل الأزمة المالية مباشرة، وبالتأكيد لم يكن ذلك أفضل توقيت، وكان سعر السهم حينها 50.61 دولار تقريبًا.
وواصل بعد ذلك شراء مئات الملايين من أسهم البنك مع انخفاض سعرها، وكانت أكبر عملية شراء هي لـ 679 مليون سهم عندما وصل السعر إلى 24.27 دولار.
لكن ساعد وجود المستثمر الناجح كداعم للبنك في تلك الأيام المظلمة أثناء الأزمة في جعله أحد الاستثمارات الرابحة، وأعرب “بافت” عن إعجابه بالبنك على مدار فترة طويلة وأشاد بمديره التنفيذي “براين موينيهان” مرارًا وتكرارًا.
في عام 2011 عندما كانت البنوك لا تزال تعاني الخسائر بعد أزمة الرهن العقاري، أقدم “بافت” على شراء أسهم وضمانات أو خيارات تمكنه من شراء الأسهم في المستقبل بقيمة 5 مليارات دولار، معتقدًا أن البنك لن يحتاج لأموال إضافية لتغطية تعرضه للرهن العقاري مثل بعض نظرائه، وأن استثماره سيصبح مربحًا سريعًا.
بعد تعافي “بنك أوف أمريكا” في عام 2017، حولت “بيركشاير” تلك الضمانات وأصبحت أكبر مساهمي البنك للمرة الأولى على الإطلاق، وصرح “بافت” حينها لشبكة “سي إن بي سي” أنه سيستغرق وقتًا طويلاً قبل أن يبيع تلك الأسهم.
تبلغ التكلفة الأساسية الحالية لشراء “بافت” أسهم البنك 14.15 دولار للسهم، ما يعني أن المجموعة حققت أرباحًا دفترية كبيرة من استثمارها.
بدأت “بيركشاير” موجة تصفية مفاجئة لحيازاتها من أسهم “بنك أوف أمريكا” -بعدما احتفظت بها منذ فترة طويلة- منذ منتصف يوليو الماضي خفضت حصتها به إلى ما يزيد قليلاً على 10%، لكنها رغم ذلك لا تزال أكبر مساهمي البنك، ما يعكس ثقة “بافت” في قيمة المصرف على المدى الطويل.
أجرى المستثمر الملقب بـ “حكيم أوماها” تعديلاً ملحوظًا بمحفظته الاستثمارية هذا الأسبوع من خلال تقليص حصته بالبنك مجددًا، إذ باع أسهمًا بقيمة 338 مليون دولار بمتوسط سعر 39.40 دولار للسهم.
ورغم ذلك لا تزال “بيركشاير” تمتلك ملايين من أسهم البنك تمثل حصة قدرها 10.23%، تزيد قيمتها على 31 مليار دولار تقريبًا.
لكن إذا استمر نهج “بافت” في التخلص التدريجي من أسهم البنك فإن حصته سوف تهبط دون مستوى 10% في غضون أسبوع أو ما إلى ذلك، وبالتالي لن يضطر للكشف سريعًا عن القرارت المتعلقة باستثماراته في “بنك أوف أمريكا”، لكن يمكن أن تقدم “بيركشاير” تحديثات فصلية عن تحركاتها.
أغلق سهم البنك تعاملات أمس الأربعاء عند مستوى 39.23 دولار، ويعود انخفاضه بالطبع منذ السابع عشر من يوليو بحوالي 13% إلى مخاوف المستثمرين بعد مبيعات “بيركشاير”.
ذلك بعدما حقق أداءً قويًا إذ ارتفع السهم 70% تقريبًا خلال الفترة من أكتوبر 2023 وحتى يوليو من هذا العام، وبالتالي فإن جني المستثمرين لبعض الأرباح يعتبر أمرًا طبيعيًا، وتحديدًا “بافت” نظرًا للضرائب المرتفعة على المكاسب الرأسمالية في أمريكا.
يرى البعض أن مبيعات “بافت” يمكن تفسيرها على أن علامة تحذيرية على تراجع الثقة في رؤيته لثاني أكبر المصارف الأمريكية أو قطاع البنوك بشكل عام.
خاصة بعدما أعرب بالفعل عن خيبة أمله في الطريقة التي أدارت بها بعض البنوك محافظ الأوراق المالية الخاصة بها في السنوات الأخيرة وتحديدًا بعد انهيار مصارف إقليمية أمريكية في 2023 بما في ذلك “سيليكون فالي بنك” بسبب قرار شراء سندات طويلة الأجل في بيئة من أسعار الفائدة المرتفعة.
بينما تحدث البعض الآخر بأن “بيركشاير” ترغب بخفض حصتها إلى أقل من 10% حتى لا تضطر لإخطار الجهات المنظمة مباشرة بنشاطها في السهم.
لكن دوافع “بافت” الحقيقية غامضة حتى الآن، فحتى منتصف أغسطس كانت لا تزال “بيركشاير” تمتلك حوالي 12% من أسهم البنك، وربحت بالفعل مليارات الدولارات من ذلك الاستثمار.
وحتى عندما سُئل المدير التنفيذي للبنك “موينيهان” في مؤتمر الخدمات العالمية الخاص بـ “باركليز” في وقت سابق عن سبب بيع “بافت” للأسهم أشار إلى أنه لا يعلم، ولا يعرف استراتيجيته فيما يتعلق بأسهم البنك، قائلاً: لا يمكننا أن نسأله.
أما فيما يتعلق بمخاوف الركود التي أربكت الأسواق مؤخرًا، فإن “بنك أوف أمريكا” ربما يكون من أفضل المقرضين وضعًا في مثل هذا السيناريو.
وضع بنك أوف أمريكا
في أحدث اختبار لتحمل الضغط حال حدوث تراجع اقتصادي حادٍ الذي أجراه الاحتياطي الفيدرالي، فإن خسائر قروض “بنك أوف أمريكا” كانت تعادل 5.5% من متوسط الأرصدة، وهو ما يقل عن المتوسط البالغ 7.1% الذي تم تسجيله عبر 31 مصرفًا كبيرًا تم فحصها.
لكن ستتأثر أرباح الفائدة التي تجنيها المصارف الأمريكية -وبالطبع “بنك أوف أمريكا” لا يستثنى منها- بصورة كبيرة بعدما بدأ الاحتياطي الفيدرالي في خفض الفائدة، وذلك لأن القروض يتم تسعيرها استنادًا لمعدل الفائدة وبالتالي تبدأ في تقديم دخل أقل.
ورغم ذلك يتوقع محللو “فيزابل ألفا” نمو صافي دخل الفائدة لـ “بنك أوف أمريكا” بنسبة 5% في العام المقبل، مقارنة مع زيادات أقل أو انخفاضات لنظرائه من كبرى المصارف في البلاد.
فمن المتوقع ارتفاع 1.18% فقط في “سيتي جروب”، و0.17% لبنك “جيه بي مورجان” و1.06% لـ “ويلز فارجو”.
لكن لا يزال هناك حالة من عدم اليقين فيما يتعلق بالانتخابات الأمريكية وأيضًا مسار أسعار الفائدة وماذا سيحدث إذا تبنى الفيدرالي نهجًا أكثر عدوانية من المتوقع في قراراته التالية، بعدما خفض الفائدة 50 نقطة أساس في سبتمبر.
ونظرًا لأن إيرادات البنك من الخدمات المصرفية الاستثمارية تساهم حاليًا في إجمالي إيراداته بصورة أكبر نسبيًا مقارنة مع نظرائه، فإنه إذا ساعدت الفائدة المنخفضة كما هو متوقع في تحفيز المزيد من نشاط الشركات فإن “بنك أوف أمريكا” قد يكون المستفيد الأول.
مقارنة بين صافي الدخل الفصلي لكبرى البنوك الأمريكية (عن الربع الثاني أو الأشهر الثلاثة المنتهية في الثلاثين من يونيو 2024) |
|
البنك |
صافي الدخل الفصلي |
جيه بي مورجان تشيس |
18.1 (6.12 دولار للسهم) |
بنك أوف أمريكا |
6.9 (83 سنتًا للسهم) |
سيتي جروب |
3.22 (1.52 دولار للسهم) |
ويلز فارجو |
4.9 (1.33 دولار للسهم) |