بعد مفاجأة 2023 .. هل نقترب من نهاية الطفرة القياسية لإنتاج النفط الأمريكي؟
ارتفع إنتاج النفط في الولايات المتحدة خلال العام الماضي لمستوى تاريخي جديد، ما ساهم في تصاعد الضغوط الهبوطية على أسعار الخام.
لكن استمرار تراجع منصات التنقيب عن الخام وتزايد صفقات الاستحواذ في صناعة النفط الأمريكية يهددان بضعف نمو الإمدادات بشكل حاد خلال الفترة المقبلة.
ارتفاع قياسي للإمدادات
– تسببت ثورة النفط الصخري في الولايات المتحدة خلال نهاية العقد الأول من القرن الحالي في قفزة ضخمة للإنتاج الأمريكي من الخام، لتصبح واحدة من كبار المنتجين حول العالم.
– مع بداية عام 2020، أدى وباء كورونا إلى تراجع قوي لإنتاج النفط الأمريكي، مع ضعف الطلب نتيجة إغلاق الاقتصادات للسيطرة على الوباء.
– لكن في السنوات الأخيرة، عاد إنتاج النفط الأمريكي للتعافي مجددًا، ليتجاوز مستويات ما قبل الوباء ويسجل أرقاماً غير مسبوقة.
– كشفت بيانات رسمية مؤخرًا أن إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة سجل مستوى قياسياً جديدًا عند 13.3 مليون برميل يومياً في ديسمبر الماضي.
– في إجمالي عام 2023، شهد الإنتاج الأمريكي من النفط الخام ارتفاعًا قوياً، حيث نما بأكثر من مليون برميل يومياً مقارنة بالعام السابق له.
طفرة تتحدى التوقعات
– جاء ارتفاع إنتاج النفط الأمريكي لمستويات قياسية في العام الماضي ليشكل مفاجأة للعديد من المتابعين، والذين توقعوا أن تعكس الإمدادات تحول الشركات إلى ضبط الإنفاق والتركيز على عوائد المساهمين وسداد الديون.
– الارتفاع القياسي للإنتاج الأمريكي من النفط يأتي بالرغم من تراجع نشاط التنقيب عن الخام واستمرار الضغوط الهبوطية على الأسعار.
– شهدت صناعة النفط الأمريكية في 2023 تراجعًا مستمرًا في عدد منصات التنقيب عن الخام، مع عدم إقرار الشركات زيادات ملحوظة في الإنفاق على الإنتاج الجديد.
– في نوفمبر الماضي، بلغ متوسط عدد منصات التنقيب الأمريكية عن النفط 498 منصة، هبوطاً من 623 منصة في ديسمبر 2022.
– انخفض عدد منصات الحفر النشطة في الولايات المتحدة بنحو 30% مقارنة بمستوياتها قبل أربع سنوات.
– لكن الإمدادات الأمريكية من النفط استفادت في العام الماضي من تحسن الكفاءة الإنتاجية، ما يشمل استخدام تقنيات أفضل للحفر.
– استخدمت الشركات الأمريكية خطوط جانبية أطول في الآبار الأفقية، بالإضافة إلى استخدام الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتحسين عمليات الاستكشاف.
– قال “ديفيد كارتر” كبير محللي النفط في “آر إس إم” إن شركات التنقيب والإنتاج النفطية أصبحت بطريقة ما شركات تكنولوجية، مع استخدامها تقنيات حديثة لتحسين الكفاءة.
– ساهمت التكنولوجيا الجديدة في تحسين كفاءة استكشاف النفط في الولايات المتحدة من المنصات العاملة، ما ساعد في زيادة الإمدادات رغم تراجع العدد الإجمالي للمنصات النشطة.
توقعات بتباطؤ الإمدادات
– رغم استمرار المستويات القياسية لإنتاج النفط الأمريكي، فإن وتيرة نمو الإمدادات بدأت في التباطؤ خلال الأشهر الأخيرة، حتى أن شهر أكتوبر الماضي شهد انخفاضاً طفيفاً في إنتاج النفط.
– كما تتوقع تقارير استمرار التباطؤ الحاد في نمو إنتاج النفط الأمريكي خلال الفترة المقبلة، مع ظهور أثر العديد من العوامل السلبية على الإمدادات.
– يتوقع بنك “ستاندرد تشارترد” نموًا طفيفاً للمعروض من النفط في الولايات المتحدة خلال العام الجاري.
– يعتقد البنك البريطاني أن المعروض الأمريكي من الخام قد يتحول إلى الهبوط بحلول ديسمبر المقبل، مقارنة بنمو تجاوز 1.2 مليون برميل يومياً في ديسمبر 2023 على أساس سنوي.
– يرى “ستاندرد تشارترد” أن إنتاج النفط الأمريكي سينمو بنحو 39 ألف برميل يومياً فقط بحلول ديسمبر المقبل مقارنة بالمستويات الحالية للإمدادات، كما سيرتفع 175 ألف برميل يومياً بحلول ديسمبر 2025.
– لا تقتصر التوقعات المتشائمة لمسار إنتاج النفط الأمريكي على “ستاندرد تشارترد” فحسب، لكنه شمل وكالة حكومية أمريكية.
– توقعت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية تحول نمو المعروض الأمريكي من النفط إلى النطاق السالب في وقت أقرب قد يكون في سبتمبر.
– في إجمالي عام 2024، خفضت إدارة معلومات الطاقة في تقريرها الأخير توقعاتها لنمو المعروض الأمريكي من النفط إلى 170 ألف برميل يومياً مقابل تقديرات سابقة بزيادة 290 ألف برميل يومياً.
– قالت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إن الإنتاج من حقول النفط الصخري الكبرى سيتراجع في فبراير الجاري للشهر الخامس على التوالي، متجهاً لتسجيل 9.68 مليون برميل يومياً، بفعل انخفاض الإمدادات من حقلي إيجل فورد وباكن وتباطؤ الإنتاج في حقل بيرميان.
– ذكر محللون أن إنتاج النفط في حقل بيرميان – أكبر حقل نفط أمريكي – والواقع في تكساس ونيومكسيكو هذا العام سينمو بأبطأ وتيرة سنوة منذ عام 2021.
– توقعت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية وصول إنتاج حقل بيرميان من النفط لمستوى قياسي عند 5.974 مليون برميل يومياً في الشهر الجاري، لكن وتيرة النمو على أساس شهري ستكون الأقل منذ يوليو 2023.
تغير هيكلي للصناعة
– ألقى محللون باللوم في تباطؤ نمو الإنتاج النفطي الأمريكي على عدة تغيرات تشهدها صناعة الطاقة في الولايات المتحدة.
– برر “ستاندرد تشارترد” توقعاته بتباطؤ نمو المعروض من النفط الأمريكي بضعف الإنفاق الرأسمالي.
– انخفض نشاط التنقيب عن النفط بشكل حاد في الولايات المتحدة خلال العام الماضي، حيث كان عدد منصات الحفر الأمريكية تكفي بالكاد للحفاظ على مستويات الإنتاج القائمة بالفعل.
– يأتي تباطؤ نمو إنتاج النفط الأمريكي بالتزامن مع موجة من صفقات الاستحواذ، خاصة في حقل بيرميان، حيث تعرضت بعض الشركات الخاصة الصغيرة والتي كانت أكثر حرصًا على زيادة الإنتاج إلى عمليات استحواذ من جانب مشغلين أكبر.
– في عام 2023، استحوذت الشركات العامة على حوالي 39 شركة خاصة في قطاع النفط الأمريكي، بحسب بيانات “إنفيروس”.
– قال “جيسي جونز” المحلل في شركة “إنرجي أسبكتس” إنه مع استحواذ الشركات العامة على الكيانات الخاصة الصغيرة، يشهد السوق الأمريكي تغيرا في ملامح النمو للتركيز على عوائد المساهمين.
– اهتم العديد من المنتجين في السنوات الأخيرة بتوزيعات الأرباح وإعادة شراء الأسهم، بدلاً من التركيز على زيادة إنتاج النفط، بعد فرار المستثمرين من قطاع الطاقة بسبب سنوات من العوائد المنخفضة.
– كما ذكر “مايكل أوستمان” الرئيس التنفيذي لشركة “تال سيتي إي في” أن الشركات العامة لا تقوم بالتنقيب عن النفط بقدر ما تستطيع، مع مطالبة المستثمرين بالحصول على عوائد أكبر بدلاً من استثمار الأموال في عمليات حفر جديدة.
– تتوقع “إنفيروس” استمرار صفقات الاستحواذ على الشركات الخاصة في الولايات المتحدة خلال العام الجاري، وإن كان بوتيرة أبطأ من 2023.
– ذكرت وكالة “رويترز” في ديسمبر الماضي أن شركة “إنديفور إنرجي” الخاصة والتي تنتج حوالي 400 ألف برميل يومياً من النفط والغاز معروضة للبيع مقابل حوالي 30 مليار دولار.
نهاية الطفرة؟
– يشعر المنتجون الأمريكيون بالقلق بشأن آفاق الطلب على الخام مع ضعف الاقتصاد العالمي وتوقعات وكالة الطاقة الدولية حيال قرب الوصول لذروة الطلب على النفط.
– أظهر مسح لبنك الاحتياطي الفيدرالي في دالاس تراجع التفاؤل بين منتجي النفط، مع التباطؤ الكبير في معدل نمو إنتاج الخام خلال الربع الأخير من العام الماضي.
– رغم التباطؤ الحاد المتوقع في المعروض، لا تزال توقعات الوكالة الحكومية الأمريكية تشير إلى تسجيل إنتاج النفط الأمريكي مستوى قياسياً عند 13.10 مليون برميل يومياً هذا العام، من متوسط بلغ 12.92 مليون برميل يومياً في العام الماضي.
– في عام 2025، من المتوقع أن يواصل الإنتاج الأمريكي من النفط الارتفاع لمستوى قياسي جديد عند 13.49 مليون برميل يومياً.
– تتوقع الوكالة ارتفاع الإنتاج الشهري للنفط في الشهر الجاري قرب القمة المسجلة في ديسمبر عند 13.3 مليون برميل يومياً، قبل أن يتراجع بشكل طفيف حتى منتصف هذا العام، مع عدم تجاوز الذروة المسجلة في ديسمبر الماضي قبل فبراير 2025.
– بينما تقدر وكالة “إس آند بي جلوبال” إنتاج النفط الأمريكي عند 13.23 مليون برميل يومياً في ديسمبر الماضي، متوقعة نمو الإمدادات إلى 13.76 مليون برميل يومياً في ديسمبر المقبل، و14.23 مليون برميل يومياً في ديسمبر 2025.
– قال “كريس دنكان” مدير الاستثمارات في “براندز إنفيسمنت بارتنرز” إنه من المرجح أن يستمر نمو إنتاج النفط الأمريكي، لكن بوتيرة أبطأ مما شهدناه خلال العامين الماضيين.
– أشار “دنكان” إلى أن كيفية تطور الطلب على النفط في الفترة المقبلة ستحدد إلى كبير سعر النفط، وهو ما سيلقي بظلاله على نمو أو انخفاض إنتاج النفط الأمريكي.
– لا تقدم الأسعار الحالية للنفط والتي شهدت انخفاضاً بنحو 10% في العام الماضي عاملاً محفزاً للشركات الأمريكية لزيادة الإنتاج.
– سيتعين على المنتجين الأمريكيين للنفط ضخ المزيد من الإنفاق لزيادة الإمدادات، لكن ذلك يتوقف على تقييمهم بشأن ما إذا كان الأمر يستحق ذلك.