بعد الصعود 90% في 3 أشهر .. هل انتهت رحلة تعافي الغاز الطبيعي سريعًا؟
شهدت أسعار الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة حالة من التعافي الملحوظ خلال الشهرين الماضيين، مع تراجع الإنتاج وتحسن آفاق الطلب على الخام.
لكن العقود الأجلة للغاز شهدت تراجعات في الأسبوع الماضي، ما أثار التساؤلات حول ما إذا كانت حالة التعافي تقترب من النهاية.
نهاية رحلة التعافي؟
– تراجعت العقود الآجلة للغاز الطبيعي في نيويورك تسليم شهر يونيو بنحو 5% يوم الجمعة الماضية، لتصل إلى أدنى مستوياتها منذ السادس عشر من مايو.
– في إجمالي الأسبوع الماضي، انخفضت العقود الآجلة للغاز الطبيعي تسليم يونيو بحوالي 4% لتسجل 2.520 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية.
– جاء هبوط العقود الأمريكية للغاز الطبيعي الأسبوع الماضي بعد حالة من التعافي شهدها الخام مؤخرًا من المستويات المتدنية المسجلة في بداية هذا العام.
– كانت أسعار الغاز الطبيعي قد تعرضت لموجة من الهبوط الحاد، لتصل في فبراير الماضي إلى 1.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وهو أدنى مستوى منذ ذروة وباء “كورونا” في عام 2020.
– حتى شهر مارس الماضي، كانت أسعار العقود الأجلة للغاز الطبيعي متراجعة بحوالي 40% منذ بداية عام 2024.
– لكن الغاز الطبيعي نجح في التعافي القوي في الشهرين الأخيرين، ليقفز بحوالي 90% من القاع المسجل هذا العام، قبل أن يقلص مكاسبه مؤخرًا.
– في الشهر الأخير، ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي الأمريكية تسليم الشهر التالي بنحو 54%، كما صعدت بحوالي 58% في الثلاثة أشهر الأخيرة.
– تتجه الأسعار للارتفاع للشهر الثاني على التوالي خلال مايو، بعد أن صعدت في أبريل الماضي بنحو 13% في أول ارتفاع شهري منذ أكتوبر 2023.
– لكن رغم حالة التعافي المسجلة في الأشهر القليلة الماضية، فإن أسعار الغاز الطبيعي لا تزال دون 3 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، كما تظل بعيدة عن الذروة المسجلة في منتصف 2022.
– وصلت أسعار الغاز الطبيعي في أغسطس 2022 إلى ذروة عند 9.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية.
– لكن منذ تلك الذروة، فقدت العقود الآجلة للغاز الطبيعي في نيويورك حوالي 73% من قيمتها.
عوامل وراء التعافي الأخير
– جاء تعافي أسعار الغاز الطبيعي في الشهرين الماضيين مع رهان المتداولين على تباطؤ الإنتاج الأمريكي، ووسط توقعات تعافي الطلب المدعوم بأغراض التبريد مع دخول فصل الصيف.
– كشفت بيانات “إل إس إي جي” أن إنتاج الغاز الطبيعي من الولايات الـ 48 الأدنى سجل متوسط 97.4 مليار قدم مكعبة يومياً في شهر مايو الجاري، بهبوط من 98.2 مليار قدم مكعبة يومياً في أبريل، ومقارنة بالقمة القياسية في ديسمبر عند 105.5 مليار قدم مكعبة يومياً.
– لكن على جانب آخر، ارتفع إنتاج الغاز الطبيعي الأمريكي بنحو 0.9 مليار قدم مكعبة يومياً منذ بداية شهر مايو الجاري، حيث إن ارتفاع الأسعار مؤخرًا شجع الشركات على زيادة نشاط التنقيب.
– رغم التعافي، لا يزال الإنتاج الإجمالي للغاز الطبيعي في الولايات المتحدة منخفضًا بحوالي 8% في العام الجاري، بفعل عمليات خفض الإمدادات السابقة التي قامت بها شركات كبرى مثل ” إي كيو تي” و”تشيسابيك إنرجي”.
– أعلنت “تشيسابيك” خفض عدد منصات الحفر للتنقيب عن الغاز، لتقلص توقعاتها لإنتاج الغاز في الربع الثاني من هذا العام بمقدار 400 مليون قدم مكعبة يومياً، ما يعتبر ضعف التخفيضات المعلنة في مارس.
– كما ذكرت شركة “إي كيو تي” أنها ستخفض إنتاجها اليومي من الغاز بمقدار مليار قدم مكعبة يومياً حتى نهاية مايو، للسيطرة على تخمة المعروض في السوق الأمريكي.
– من جانبه، يرى “بافيل مولتشانوف” المحلل في “ريموند جيمس” أن الاتجاه المناخي يشير إلى فصول صيف أكثر حرارة وشتاء أكثر دفئاً.
– أشار المحلل إلى أنه مع توقعات ارتفاع درجات الحرارة بشكل قوي خلال فصل الصيف، فإن ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي مرة أخرى كان أمرًا بديهياً.
– تلعب التغيرات الموسمية دورًا كبيرًا في تحديد أسعار الغاز الطبيعي، حيث يشهد فصل الشتاء عادة طلبًا مرتفعًا على الغاز الطبيعي لأغراض التدفئة، ما يجعل المنتجون يستخدمون المخزونات التي تم تعبئتها من الربيع وحتى منتصف الخريف، ليتم استنفاد هذا المخزون خلال الشتاء.
مخزونات أعلى ومنصات أقل
– رغم حالة التعافي النسبي مؤخرًا، فإن سوق الغاز الطبيعي لا يزال يشهد مخاطر مستمرة فيما يتعلق بالمخزونات المرتفعة.
– ارتفعت مخزونات الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة إلى 2.711 تريليون قدم مكعبة في الأسبوع المنتهي في السابع عشر من مايو، بزيادة 78 مليار قدم مكعبة عن مستويات الأسبوع السابق له.
– تظل مخزونات الغاز الطبيعي الأمريكية أعلى من مستويات نفس الفترة من العام الماضي بنحو 402 مليار قدم مكعبة، كما ترتفع 606 مليارات قدم عن متوسط الخمس سنوات.
– تعتبر بيانات مخزونات الغاز الطبيعي مؤشرًا رئيسياً عن ميزان العرض والطلب للخام، كما تؤثر عادة على الأسعار في السوق.
– ترتفع المخزونات بسبب زيادة الإنتاج الأمريكي من الغاز الطبيعي بوتيرة تتجاوز نمو الطلب على الخام، بالإضافة إلى فصل الشتاء الذي شهد درجات حرارة أعلى من المتوسط خلال السنوات الأخيرة.
– على جانب آخر، تعتبر منصات التنقيب عن الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة دون مستويات نفس الفترة من هذا العام بنحو 27%، ما يمنح إشارات بشأن ضعف الإنتاج المستقبلي.
– كشفت بيانات “بيكرهيوز” أن عدد منصات التنقيب الأمريكية عن الغاز الطبيعي تراجع إلى 99 منصة الأسبوع الماضي، وهو أدنى مستوى منذ أكتوبر 2021.
توقعات متباينة للسوق
تتباين وجهات نظر المحللين حيال آفاق أسعار الغاز الطبيعي خلال الفترة المقبلة، بالنظر إلى أن الخلاف حول توقعات الطلب والمعروض من الخام.
– قالت “ناتاشا كانيفا” المحللة في “جيه بي مورجان” إن الغاز الطبيعي من المتوقع أن يكون الأفضل الأداء بين السلع الأساسية هذا العام، متفوقًا على الذهب.
– لكن حتى الآن، تتداول أسعار الغاز الطبيعي عند نفس مستوياتها تقريبًا في بداية هذا العام.
– ذكرت “كانيفا” أن الغاز الطبيعي في “هنري هاب” انتقل إلى قمة قائمة “جيه بي مورجان” للسلع، مشيرة إلى أنه لا توجد سلعة أخرى بإمكانها أن تضاهي العائد المحتمل للغاز الطبيعي هذا العام.
– يُنظر إلى “هنري هاب Henry Hub” في لويزيانا باعتباره المعيار الأمريكي للغاز الطبيعي، مع حقيقة أنها أكبر نقطة تداول للغاز في الولايات المتحدة.
– يتوقع فريق “جيه بي مورجان” وصول سعر العقود الآجلة للغاز الطبيعي إلى 4 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية بحلول الربع الأخير من العام الجاري.
– لكن استراتيجيي “جولدمان ساكس” أشاروا إلى أنه رغم أن عودة الغاز الطبيعي أعلى دولارين لكل مليون وحدة حرارية بريطانية كان أمرًا يتماشى مع توقعاتهم، فإنهم لا يرون مساحة كبيرة لمزيد من الصعود من المستويات الحالية.
– يعتقد محللو البنك أن سعر الغاز الطبيعي أعلى دولارين يقلل من القدرة التنافسية للغاز مقارنة بالفحم، ما قد يؤدي إلى خفض الطلب على الأول لصالح الثاني.
– كما يخشى آخرون من أن ارتفاع الأسعار مؤخرًا قد يؤدي إلى إعادة تشغيل الآبار التي كانت مغلقة سابقًا، حيث أشارت شركة “إي كيو تي” -أكبر منتج في منطقة أبالاتشيا- إلى أنها ستستأنف الإنتاج إذا تجاوزت الأسعار 1.50 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية بشكل مستدام.
– على المدى الطويل، يراهن “جيه بي مورجان” على استفادة الغاز الطبيعي من ارتفاع الطلب على الكهرباء المرتبط بالذكاء الاصطناعي، مع عدم قدرة الطاقة المتجددة على تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء.
– كما توقع محللو “جولدمان ساكس” ارتفاع طلب مراكز البيانات على الطاقة بأكثر من الضعف بحلول عام 2030، بدعم طفرة الذكاء الاصطناعي.
– قال البنك الاستثماري إن ارتفاع الطلب على الكهرباء من مراكز البيانات سيحتاج استثمارات بقيمة 50 مليار دولار لتدشين قدرة توليد جديدة للطاقة، مع سيطرة الغاز الطبيعي على 60% من الطلب مقابل 40% لمصادر الطاقة المتجددة.
– في حين تتوقع شركة “إس آند بي جلوبال كوموديتي” أن يصل الطلب على الغاز الطبيعي في قطاع الطاقة الأمريكي إلى ذروته هذا العام، بفعل ارتفاع المعروض من مصادر الطاقة المتجددة.
– ترى الشركة أنه رغم التوقعات بارتفاع الطلب على الطاقة من جانب مراكز البيانات، فإن ارتفاع كفاءة الاستخدام وتسارع استخدام الطاقة المتجددة سيعوضان زيادة الطلب.