بعد التوقعات المخيبة في 2023 .. لماذا يخطئ المحللون كثيرًا في تقديراتهم للاقتصاد والأسواق؟
مع بداية كل عام، يصدر المحللون عشرات التوقعات المتعلقة بكل شيء بداية من أداء الاقتصاد إلى الأصول المالية وحتى قرارات البنوك المركزية المرتقبة.
لكن مع نهاية عام 2023، أثبتت عدة توقعات للمحللين خطأها الكبير، في تذكير جديد على أنه على المستثمرين عدم الاعتماد بشكل كامل على رؤية الآخرين
الركود الذي لم يتحقق
– في نهاية العام الماضي، كانت معظم التوقعات تشير إلى أن الاقتصاد الأمريكي سيدخل في حالة ركود خلال عام 2023، بفعل معدلات الفائدة المرتفعة في إطار معركة الاحتياطي الفيدرالي ضد التضخم.
– وضع محللو “جولدمان ساكس” في بداية 2023 احتمالية تقارب 55% لركود الاقتصاد الأمريكي، كما أظهر نموذج لـ”بلومبرج” في أغسطس 2022 أن فرص الركود تصل إلى 100%.
– لكن الاقتصاد الأمريكي نجح في مواصلة النمو بشكل قوي في أول ثلاثة فصول من 2023، آخرها كان نمو الناتج المحلي الإجمالي 5.2% في الربع الثالث.
– كما استمر معدل البطالة الأمريكي قرب أدنى مستوياته في 50 عامًا عند 3.7% بنهاية نوفمبر الماضي، رغم التوقعات بارتفاعه بشكل قوي مع تداعيات رفع الفائدة.
– استفاد الاقتصاد الأمريكي في 2023 من قوة إنفاق المستهلكين بدعم الأموال المدخرة خلال فترة الوباء، بالإضافة إلى تباطؤ التضخم بشكل حاد وقوة سوق العمل.
– اعترف بنك “جيه بي مورجان” بأنه أخطأ في توقعه ركود الاقتصاد الأمريكي في 2023، مشيرًا إلى أن إنفاق المستهلكين كان وراء نصف الزيادة الفصلية في الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، كما أن الشركات وظفت نحو 2.5 مليون عامل في العام المنقضي.
– بعد فشل تقديرات الركود في 2023، تحولت معظم توقعات المحللين إلى فرضية “الهبوط السلس” للاقتصاد الأمريكي في العام الجديد، ما يعني استمرار تباطؤ التضخم بدون ارتفاع حاد في معدلات البطالة أو ركود الاقتصاد.
أخطاء السياسة النقدية
– لم تتوقف أخطاء توقعات المحللين في 2023 على جانب الاقتصاد الكلي فحسب، لكنها امتدت إلى السياسة النقدية.
– بدأ عام 2023 بتوقعات تشير إلى أن البنوك المركزية الكبرى سترفع معدلات الفائدة بوتيرة محدودة، بعد التشديد النقدي القوي في 2022.
– أشارت توقعات الأسواق المالية إلى أن الاحتياطي الفيدرالي سيرفع الفائدة إلى 5%، بينما ستصل معدلات الفائدة على الودائع في منطقة اليورو إلى 3%.
– مع الاضطرابات المصرفية وإفلاس بعض البنوك الأمريكية في شهر مارس الماضي، بدأ بعض المحللين في توقع تحول السياسة النقدية في الاقتصادات الكبرى إلى خفض الفائدة في 2023 مع تصاعد احتمالات الركود.
– لكن مع نهاية 2023، قامت البنوك المركزية العالمية برفع معدلات الفائدة بوتيرة تتجاوز توقعات الأسواق، حيث أنهى الفيدرالي الأمريكي العام بمعدلات فائدة عند نطاق 5.25% و5.5%، كما رفع المركزي الأوروبي الفائدة على الودائع إلى 4%.
– على جانب مواز، لم تتحق أيضًا توقعات المحللين والأسواق المالية في نهاية 2022 بإنهاء بنك اليابان عصر الفائدة السالبة.
– كانت الأسواق تسعر رفع بنك اليابان معدلات الفائدة 30 نقطة أساس في عام 2023، بعد أن ظلت عند -0.1% منذ عام 2017.
– رغم تراجع الين الياباني لأدنى مستوى في 3 عقود، حافظ بنك اليابان على السياسة النقدية التيسيرية للغاية ومعدلات الفائدة السالبة مع استمرار استهداف وصول التضخم للمستهدف البالغ 2% بشكل مستدام.
أداء مختلف للأصول المالية
– مع بداية العام المنقضي، كانت توقعات معظم المحللين تتفق على 3 توصيات أساسية: بيع الأسهم الأمريكية وشراء سندات الخزانة وصعود الأسهم الصينية.
– لكن الواقع يشير إلى أن أيا من هذه التوقعات الثلاثة لم تتحقق بنهاية العام، حيث ارتفعت الأسهم الأمريكية وتراجعت أسهم الصين وشهدت سندات الخزانة تقلبات حادة.
– فيما يتعلق بالأسهم الأمريكية، كان “مايك ويلسون” المحلل في “مورجان ستانلي” ضمن أبرز المحللين الذين توقعوا الهبوط الحاد للسوق في النصف الأول من العام، لدرجة أن التعافي في النصف الثاني لن ينجح سوى في إنهاء “إس آند بي 500” للعام دون تغيير.
– “ويلسون” كان ضمن عدد محدود من المحللين الذين توقعوا بشكل صحيح هبوط سوق الأسهم الأمريكي في 2022، ما جعله الاستراتيجي الأفضل لعامين متتاليين في استطلاعات للمؤسسات الاستثمارية.
– شارك “ويلسون” في توقعاته المتشائمة الكثير من محللي وول ستريت، حيث كشف متوسط التوقعات إلى عدم تحقيق الأسهم الأمريكية أي مكاسب تقريبًا في 2023.
– لكن مؤشر “إس آند بي 500” أنهى عام 2023 بمكاسب تتجاوز 24%، كما ارتفع “ناسداك 100” بأكثر من 50%.
– أما فيما يتعلق بسندات الخزانة الأمريكية، قاد محللو “بنك أوف أمريكا” توقعات المحللين في وول ستريت بارتفاع الديون الحكومية وتراجع العائد على السندات لأجل 10 سنوات إلى 3.25% بنهاية 2023.
– لكن عوائد سندات الخزانة الأمريكية ارتفعت في وقت من العام الماضي لمستوى 5%، قبل أن تتراجع إلى نفس مستويات بداية العام عند 3.8%.
– بينما يتمثل التوقع الخاطئ الثالث في رؤية معظم المحللين بقيادة “جيه بي مورجان” بشأن ارتفاع الأسهم الصينية في 2023، بعد مكاسب ملحوظة في آخر شهرين من العام السابق مع إنهاء إغلاق الاقتصاد جراء الوباء.
– لكن الاقتصاد الصيني فشل في تحقيق طفرة بعد إعادة الفتح، وسط أزمات القطاع العقاري وضعف الطلب، ما دفع مؤشر “هانج سانج” للأسهم للهبوط بنحو 15% في 2023، مع تراجع بوتيرة أقل لمؤشر “شنغهاي”.
– قال “أندرو بيز” كبير استراتيجيي الاستثمار في “راسل إنفيسمنتس” التي تشرف على أصول بقيمة 290 مليار دولار إنه لم ير أبدًا إجماعا من التوقعات الخاطئة مثلما حدث في عام 2023.
سجل سيئ في وول ستريت
– تتواصل تنبؤات المحللين في وول ستريت، رغم السجل السيئ لتوقعاتهم خلال السنوات الماضية.
– تشير بيانات جمعها “بول هيكي” مؤسس “بيسبوك إنفيسمنت جروب” التي تعود إلى عام 2000 إلى أن وول ستريت تخطئ في اتجاه السوق بشكل متكرر.
– منذ عام 2000 وحتى 2023، توقع محللو وول ستريت ارتفاع مؤشر “إس آند بي 500” بنحو 9% سنوياً في المتوسط، بينما يشير الواقع إلى أن متوسط الصعود السنوي بلغ 6%.
– في عام 2018، تراجع مؤشر “إس آند بي 500” للأسهم الأمريكية 6.9%، في حين كانت توقعات المحللين تشير إلى صعود 7.5%.
– كما كانت توقعات المحللين تشير إلى ارتفاع الأسهم الأمريكية بنحو 12.5% في عام 2022، لكن السوق أنهى ذلك العام بهبوط حاد تجاوز 23%.
– فشل متوسط توقعات محللي وول ستريت في الوصول للمستهدف بفارق 13.8% سنوياً في الفترة بين 2000 و2023، ما يعتبر ضعف المتوسط السنوي الفعلي لأداء السوق في نفس الفترة.
لماذا يخطئ الاقتصاديون كثيرًا؟
– يأتي فشل توقعات المحللين مؤخرًا في إشارة إلى تغيير الأساسيات الاقتصادية بعد وباء “كورونا”، مع ازدهار الطلب الاستهلاكي والذي دعم النمو والتضخم.
– تسبب هذا التغيير في إرباك المحللين في مجال التمويل، بالإضافة إلى دوائر صنع السياسات حول العالم.
– كان السبب الجذري لخطأ معظم المحللين في توقع أداء الأسواق المالية خلال عام 2023 يتمثل في توقع وقوع الولايات المتحدة ومعظم الاقتصادات الكبرى في براثن الركود الاقتصادي.
– لم تكن توقعات المحللين حيال الركود غير منطقية، مع استمرار رفع الفائدة عالمياً ومنطقية اتجاه إنفاق المستهلكين والشركات إلى الهبوط.
– لكن النمو الاقتصادي استمر حول العالم مع تباطؤ التضخم بشكل حاد واستمرار قوة إنفاق المستهلكين، بالإضافة إلى طفرة الذكاء الاصطناعي والتي ساهمت في صعود أسهم شركات التكنولوجيا.
– اعترف “جيمي ديمون” رئيس بنك “جيه بي مورجان” بخطأ توقعات المحللين في آخر 18 شهرًا، مطالباً بالحذر فيما يتعلق بتوقعات ما قد يحدث في العام المقبل.
– برر بعض المحللين خطأ توقعاتهم في السنوات الثلاث الماضية بتداعيات الوباء والتغيرات التي تسبب فيها، بالإضافة إلى التوترات الجيوسياسية المفاجئة مثل الغزو الروسي لأوكرانيا.
– ذكر “تورستن سلوك” المحلل في “أبولو جلوبال مانجمنت” لإدارة الأصول أن التوقعات كانت خاطئة بشكل محرج، مشيرًا إلى أن المحللين ما زالوا يحاولون معرفة كيفية عمل الاقتصاد الجديد بعد الوباء.
– لكن الأمر لا يتعلق بالتغيرات في الاقتصاد العالمي في السنوات الأخيرة فحسب، حيث إن توقعات المحللين أثبتت خطأها كثيرًا في السنوات التي سبقت ظهور وباء “كورونا” أيضًا.
– يرجع خطأ توقعات الكثير من المحللين عادة إلى عدة أسباب، أبرزها التحيزات التي تحد من جودة تقديراتهم، حيث يختار البعض المعلومات التي تدعم وجهات نظرهم الخاصة مع تجاهل تلك التي تتعارض معها.
– الأمر الآخر هو أن المستقبل معقد للغاية، كما تقع أحداث لا يمكن التنبؤ بها وتؤثر على النتائج النهائية، حيث قد يواجه الاقتصاد صدمات مفاجئة مثل التضخم أو الحروب، بينما تشهد الشركات ظهور منافسين جدد أو عمليات اندماج غير متوقعة.
– يظل توقع الأداء المستقبلي للاقتصاد أو الأسواق من أصعب المهام التي قد يواجهها أي محلل، مع حقيقة أن توقع السلوك البشري الذي يقود كل المتغيرات الأخرى يعتبر من أكثر الأمور تعقيدًا على الإطلاق.