المعهد الملكي للدراسات الإستراتيجية يحذر من “كارثة” تهدد الفلاحة المغربية في ظل الجفاف المتواصل
حذر المعهد الملكي للدراسات الإستراتيجية من مخاطر “كارثة” تهدد القطاع الفلاحي المغربي في ظل استمرار الجفاف للسنة السادسة على التوالي.
أرجع المعهد هذه المخاطر إلى تدهور الموارد الإنتاجية الأساسية، وتزايد الاعتماد على الاستيراد، ونقص الاستثمارات، وضعف التأهيل التقني للفلاحين، والنزاعات حول ملكية الأراضي.
دعا المعهد إلى إعادة إطلاق النقاش الوطني حول مستقبل الفلاحة، وإعادة النظر في نموذج إدارة القطاع، وتعزيز حماية الأراضي، وتفعيل قوانين الاستثمار الزراعي، ومكافحة التلوث، وتعزيز الإنتاج ذي البصمة المائية المنخفضة.
وأكد التقرير أن “الاعتماد على رحمة السماء لا يمكن أن يكون حلاً كافياً لمشاكل القطاع الفلاحي”، مشدداً على ضرورة “تغيير السياسات العمومية واختيار نماذج التنمية الزراعية المتكاملة المرتبطة بالتنمية الإقليمية. فمستقبل الفلاحة الوطنية يهم المجتمع ككل، ولا يمكن ربط مصيرها باتباع نهج قطاعي محدد”.
و علل التقرير تأكيده على “الوضعية الحرجة غير المسبوقة للفلاحة الوطنية” بـ”التدهور المستمر للموارد الإنتاجية الأساسية، وتفاقم اعتماد المغرب على الاستيراد لسد العجز المتزايد في المنتجات الغذائية الأساسية، بما في ذلك منتجات لم تكن الدولة تعتمد على استيرادها إلا بشكل هامشي”.
وأشار التقرير إلى أن “التحدي الذي يواجه الفلاحة الوطنية اليوم هو الاستمرار في وظيفتها الغذائية من خلال حماية المغاربة من مختلف المخاطر المتعلقة بالغذاء مع النمو الديمغرافي واتساع نطاق التحضر”، مضيفًا: “ندرة المياه المتزايدة من المرجح أن تؤدي إلى الإضرار بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية للمملكة”.
وشدد التقرير على ضرورة “الأخذ بعين الاعتبار السياق الدولي المتغير والذي ينذر بتغيرات جيوسياسية كبرى، ما يغذي الشكوك حول التجارة وأسعار المنتجات الغذائية، وسط دعوات كبريات الدول المنتجة إلى اعتماد الحماية والسيادة الوطنية”، ضاربا المثل بـ”الصراع الأوكراني الذي وضع قضية الغذاء في قلب القضايا الجيوسياسية”.
كما سجل التقرير “افتقار الفلاحين الصغار والمتوسطين إلى المؤهلات الفنية الكافية، إذ إن 78.3% من المشتغلين بقطاع الفلاحة وصيد الأسماك لا يحملون شهادات جامعية، مما يعيق وصولهم إلى الممارسات والتقنيات الزراعية الحديثة”، مشيرا إلى أن “النزاعات حول ملكية الأراضي تطرح عقبات كبيرة أمام الاستثمار في هذا القطاع الحيوي”.
وأوصى التقرير بـ”إعادة إطلاق النقاش الوطني حول مستقبل الفلاحة المغربية، سواء بالمناطق المسقية أو البعلية”، فضلا عن “إعادة النظر في نموذج إدارة القطاع الزراعي بشكل يعيد تأسيس أهمية البعد الاقتصادي والاجتماعي في تطوير السياسات المعتمدة”.
وشدد التقرير على “تعزيز حماية الأراضي المنتجة من الزحف العمراني عبر سياسات استخدام الأراضي، مع الاستفادة من التجارب الدولية الجيدة في إدارة المياه، خصوصا في الدول ذات الوضعية المناخية المماثلة، إلى جانب إنشاء نظام لرصد وتقييم السياسات الفلاحية والابتعاد عن التقييم الذاتي”.
ودعا التقرير إلى “إصدار قوانين جديدة وتعزيز القوانين المتعلقة بالقطاع الفلاحي، ووضع قانون شامل للاستثمار الزراعي يركز بشكل أساسي على الري”، مبرزا “ضرورة إنشاء ضرائب بيئية تهدف إلى مكافحة التلوث وتدهور الأراضي وسوء إدارة المياه”.
كما أكد التقرير أهمية “إعادة تنشيط المرصد الوطني للجفاف، وتوسيع صلاحيات شرطة المياه لتشمل قوات الدرك بهدف مكافحة الممارسات غير القانونية لسحب الموارد الجوفية في المناطق القروية”، مشيرا إلى “ضرورة تعزيز الإنتاج الزراعي ذي البصمة المائية المنخفضة وتوجيه الإنتاج ذي القيمة العالية نحو السهول الساحلية، وتشجيع الري بالمياه المحلاة”.