المراقبة في بيئات العمل المختلط: هل هي الحل أم التحدي؟
في عالم الأعمال المعاصر، حيث تتداخل حدود العمل والحياة الشخصية، يواجه أصحاب العمل تحديات كبيرة في قياس أداء موظفيهم.
وقد اختار البعض اتباع أسلوب المراقبة الصارمة كحل لهذه المشكلة، لكن هناك أدلة متزايدة تشير إلى أن هذه السياسات ليست فعالة بل قد تؤدي إلى تراجع الإنتاجية وتدمير الروح المعنوية.
في استطلاع أجرته شركة جلاس دور في عام 2023، شمل أكثر من 2300 متخصص في الولايات المتحدة، تبين أن 41% من الموظفين يواجهون انخفاضًا في إنتاجيتهم عند خضوعهم للمراقبة من قبل رؤسائهم، خاصة في قطاعات مثل التمويل والتكنولوجيا.
و تعكس هذه الظاهرة “جنون العظمة الإنتاجية”، الذي يدفع بعض الشركات الكبرى مثل جي بي مورجان وبنك باركليز إلى تتبع حركات موظفيها بكل دقة، بما في ذلك مراقبة رسائل البريد الإلكتروني.
وعلى الرغم من أن 96% من أصحاب العمل الذين يعتمدون على العمل عن بُعد يبررون المراقبة باعتبارها وسيلة لزيادة الإنتاجية، تشير الدراسات إلى أن المراقبة تؤدي في الواقع إلى زيادة التوتر وتقويض الثقة بين الموظفين، مما ينعكس سلبًا على الأداء العام.
تكشف دراسة حديثة نُشرت في مجلة هارفارد بيزنس ريفيو أن بيئة العمل التي تعزز الثقة والاستقلالية هي أكثر إنتاجية من تلك التي تعتمد على المراقبة المستمرة.
فبينما خضع جزء من الموظفين لمراقبة مستمرة في العمل، كان الموظفون الآخرون في بيئة عمل حرة، أظهرت النتائج أن الموظفين الذين خضعوا للمراقبة كانوا أكثر عرضة للانخراط في سلوكيات مخالفة للقواعد مثل التوقف عن العمل دون إذن أو تجاهل التعليمات، وحتى التورط في أعمال غير قانونية مثل الغش.
أثبتت دراسة تجريبية أخرى أن الموظفين الذين كانوا على علم بمراقبتهم كان لديهم ميل أكبر للغش مقارنة بالآخرين الذين لم يشعروا بأنهم مراقبون.
هذه الظاهرة تُشبه الاستجابة النفسية التي قد تظهر عندما يشعر الموظف بتقليص استقلاليته، فيقوم بسلوكيات منافية للأخلاقيات.
تكمن المشكلة في أن المراقبة المستمرة قد تقوض إحساس الموظف بالقدرة الأخلاقية، حيث يشعر أن المسؤولية تقع على عاتق المدير وليس عليه شخصياً، ما يدفعه إلى اتخاذ سلوكيات غير أخلاقية. لذلك، تؤكد الدراسة على أهمية بيئة العمل التي تعزز الاستقلالية والثقة، حيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى تعزيز السلوك الأخلاقي وتحفيز الموظفين لتحقيق نتائج أفضل.
و من الضروري أن يعثر القادة في بيئات العمل الهجينة على التوازن بين الرقابة والاستقلالية. بدلاً من التركيز على المراقبة، يجب أن يتم تعزيز ثقافة الثقة والاحترام المتبادل، حيث يشعر الموظفون بالمسؤولية الشخصية ويصبحون أكثر مشاركة وتحفيزًا.
و يمكن للقادة تحقيق ذلك من خلال تحديد توقعات واضحة، تقديم ملاحظات دورية، وتعزيز التواصل المفتوح.
لا يجب أن يكون مستقبل العمل الهجين عبارة عن مراقبة مستمرة تضر بالثقة بين الموظفين وأرباب العمل. بل يجب استغلال هذه الفرصة لإعادة تشكيل معايير العمل التقليدية وبناء بيئات عمل قائمة على الثقة، مما يحفز الموظفين على العطاء بأفضل ما لديهم. في النهاية، يتوقف نجاح بيئات العمل الهجينة على مدى قدرتنا على تحقيق توازن بين الرقابة والثقة، مما يعكس بدوره نمو وتطور بيئات العمل في المستقبل.