المرأة المغربية…شريك أساسي في تحقيق التنمية الاقتصادية
يؤكد الخبير في الدراسات الاستراتيجية ووزير سابق، لحسن حداد، على الأهمية الاقتصادية لدمج المرأة في سوق العمل والمناصب القيادية.
وفي مقاله، أكد حداد على ضرورة أن “تعزز الدول العربية جاذبية القطاع الخاص من خلال التركيز على المساواة في الأجور والحفاظ على الحد الأدنى للأجور وتقدير الشركات التي تُعيِّن النساء في مناصب قيادية”، معتبراً أن “تحرير نصف المجتمع من القيود التي تعيق مشاركته في تعزيز وتطوير اقتصادات الدول العربية يحميها من المخاطر ويحد من التخلف والركود”.
وأشار المقال إلى أن تحقيق العدالة تجاه المرأة ليس مجرد قضية أخلاقية أو سياسية، بل هو ضرورة اقتصادية بامتياز، حيث تظهر الدراسات أن المجتمعات التي تحقق توازناً في تمثيل الجنسين في سوق العمل والمناصب القيادية تحقق مكاسب اقتصادية هامة، سواء من حيث الكم أو النوع.
وأشارت دراسة لكاطاليست، التي تعمل في مجال تعزيز المناصفة داخل الشركات، إلى أن شركات فورتشين 500 التي تشمل النساء في مناصب قيادية تحقق أرباحاً أعلى بنسبة 35% مقارنة بتلك التي تفتقر إلى تمثيل نسائي قيادي. وهذا يظهر أن المرأة تقدم إضافة قيمة بارزة في القيادة، نابعة من تجربتها الفريدة وتنوعها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي.
ومن خلال تحليلات “فورين بوليسي أناليتيكس”، يتضح أن الشركات التي تمتلك قيادة مختلطة تحقق أرباحاً 47% أعلى من تلك التي تديرها قيادة ذكورية فقط، مما يؤكد أن التنوع في القيادة يسهم في تحسين الأداء المالي وتعزيز المسؤولية الاجتماعية للشركات.
وأشار تقرير لمعهد ماكنزي العالمي إلى إمكانية إضافة 12 تريليون دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2025 من خلال دمج المرأة وتحقيق المساواة بين الجنسين في سوق العمل، مما يظهر أن الاستثمار في تمكين المرأة يعود بفوائد اقتصادية هائلة على المستوى العالمي.
تزدهر الاقتصادات عندما تتقدم السلع الرأسمالية، وسوق العمل، والتكنولوجيا، والرأسمال البشري (“كيف ينمو الناتج الداخلي الخام؟” إنفاستوبيديا).
وفي هذا السياق، تسعى العديد من الدول، خاصة في العالم العربي، إلى تعزيز الاعتماد على السلع الرأسمالية واستيراد التكنولوجيا، ومع ذلك، فإنها لا تتخذ الإجراءات اللازمة لفتح سوق العمل أمام النساء وتطوير رأسمالها البشري بالشكل المناسب.
وهنا نجد أن نسبة إدماج المرأة في سوق العمل في الدول العربية لا تتجاوز 19% مقارنة بالمستوى العالمي الذي يبلغ 47%، ومقارنة بالمتوسط في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط الذي يبلغ 46% (حسن شرّي، ربيكا متري ومريم تحصلدار، “دوافع مشاركة المرأة المنخفضة في القوى العاملة في العالم العربي، السياسية-الاقتصادية مقابل الثقافية”).
هذا يعني أن الدول العربية قد لا ترى تطورات اقتصادية مماثلة لتلك المشاهدة في الدول الغربية، والآسيوية، وحتى الأمريكية والإفريقية، لأن أربعة أخماس النساء في العالم العربي لا يساهمن في الدورة الاقتصادية.
و هناك عوامل متعددة تسهم في هذا الوضع، بما في ذلك العوامل الثقافية والتشريعية والسياسية (مثل غياب البرامج التحفيزية). ومع ذلك، فإن معظم العوامل تعتبر اقتصادية في الطبيعة. على سبيل المثال، عندما لا يتم منح المرأة مسؤوليات عليا في الإدارة العامة، فإن هذا يؤثر سلبًا على فرص الترقية للنساء ورواتبهن في القطاع العام.
وبالتالي، حتى في القطاعات العامة التي يفترض أن يتم التعامل مع الرجال والنساء بالمساواة، يظل هناك تمييز هيكلي: حيث تكون الرواتب الأساسية متساوية، ولكن يستفيد الرجال من فرص الترقية أكثر من النساء، وهذا يؤثر سلبًا أيضًا على مستويات الرواتب.
في القطاع الخاص، يوجد تمييز أكبر حيث يتم تفضيل النساء في بعض الوظائف ذات الطابع اليدوي، مثل النسيج
والصناعات الغذائية، ومع ذلك، فإن أجورهن تكون أقل من الحد الأدنى للأجور ونادرًا ما تتم ترقيتهن إلى مراتب الإشراف أو القيادة الوسطى والعليا.
لذلك، تظل جاذبية القطاع الخاص، الذي يعتبر مصدر الشغل الرئيسي في الاقتصادات الحرة، منخفضة في الدول العربية.
بالإضافة إلى ذلك، تظل الوظائف التقنية في القطاعات التي تتطلب مهارات هندسية متقدمة محصورة بالرجال، وذلك لأن المرأة تُوجَّه نحو قطاع الخدمات، ولأن تعليم العلوم والرياضيات والتكنولوجيا يُعتبر قضية ذكورية في كثير من الدول العربية.
ولهذا السبب، فإن وجود نسبة منخفضة من النساء في وظائف مسؤولية تقنية متقدمة يُعزى إلى تدني العرض (عدد المهندسات، على سبيل المثال) والطلب (الاعتقاد بأن الرجال هم الأكثر ملاءمة للوظائف التقنية الميدانية المعقدة).
لذا، فإن الحل يكمن في تحسين جاذبية القطاع الخاص عبر تعزيز المساواة في الأجور واحترام الحد الأدنى للأجور ومكافأة الشركات التي تعين النساء في مناصب القيادة، بالإضافة إلى تحسين شروط العمل وتوفير مرافق خاصة للنساء، مثل دور الحضانة والرعاية الصحية داخل أماكن العمل.
كما ينبغي وضع تشريعات تلزم الشركات بتقديم تقارير سنوية حول الفجوة بين الرجال والنساء على كافة المستويات: عدديًا وفيما يتعلق بالرواتب وفرص الترقيات في الإنتاج والإدارة الوسطى والقيادة العليا.
على الدول العربية الاستفادة من الإمكانات الكبيرة التي تمثلها المرأة، خاصة في ظل توسيع نطاق التعليم وزيادة الوصول إلى التعليم العالي.
لكن لن يتم تقليص الفجوة التي تفصل الدول العربية عن الدول الأخرى إلا من خلال سياسات إرادية تشمل التمييز الإيجابي والاستثمار في جاذبية القطاعات الاقتصادية وتعزيز المساواة في الأجور والفرص.
إدماج المرأة ليس فقط ضرورة اقتصادية، بل سيسهم أيضًا على المدى البعيد في زيادة نقطتين في النمو الاقتصادي في الدول العربية. لذا، يجب الاستفادة من هذه الفرصة الهامة من خلال ا
تخاذ إجراءات عملية بدلاً من الغوص في نقاشات فارغة حول دور المرأة في المجتمعات العربية التي دامت لفترة طويلة. إنه الوقت المناسب لتحرير نصف المجتمع من القيود التي تحول دون مشاركته الفعّالة في نمو وتطور اقتصاديات الدول العربية، والحفاظ عليها من المخاطر والتخلف والركود.