المديرون التنفيذيون عن بُعد: هل يشكل العمل من المنزل تهديدًا لفعالية القيادة؟
تسببت جائحة “كوفيد-19” في تغيير أنماط العمل، وتزايد خلالها الاتجاه نحو العمل من المنازل أو العمل الهجين الذي يوفر مرونة للموظفين، ولكن الآن أصبح هناك تركيز على اتجاه آخر وهو عمل المديرين التنفيذيين عن بُعد.
الأمر ليس مستحدثاً، لأن اتجاه المديرين التنفيذيين للعمل بعيدًا عن مقار شركاتهم له تاريخ طويل قبل الوباء لكنه أصبح أكثر شيوعًا مؤخرًا.
وفي أحدث مثال على هذا الاتجاه، عينت “ستاربكس” مديرًا تنفيذيًا جديدًا الأسبوع الماضي وهو “براين نيكول” – الذي يعيش في كاليفورنيا – وأوضحت أنه لن يُطلب منه الانتقال إلى المقر الرئيسي لسلسلة المقاهي الأكبر في العالم في سياتل، لكنه سيتوجه إليه حسب الحاجة لأداء واجباته.
أيضًا، لن تنتقل “هيلاري سوبر” المديرة التنفيذية الجديدة لشركة “فيكتوريا سيكريت” للمقر الرئيسي في أوهايو، لأنها تقيم في نيويورك.
وقاد “تشارلز شارف” المدير التنفيذي لـ “ويلز فارجو” الذي يقع مقره في سان فرانسيسكو من نيويورك البنك منذ تعيينه في عام 2019، ويقسم “سي إس فينكاتاكريشانان” المدير التنفيذي لبنك “باركليز” وقته بين نيويورك ولندن.
وكان “باسكال سوريوت” المدير التنفيذي لشركة الأدوية “أسترا زينيكا” مقيمًا بشكل مؤقت في أستراليا خلال الوباء، لكنه كان يعمل طوال الوقت للبقاء على اتصال مع زملائه في أوروبا وأمريكا الشمالية قبل العودة للمملكة المتحدة.
لكن من ناحية أخرى، رفض “جاك دورسي” خطة طرحت عام 2020 لانتقاله بشكل مؤقت إلى إفريقيا مع استمرار إدارة شركتي “تويتر” و”سكوير”.
يرى البعض أن ذلك الاتجاه لن يُسفر عن استياء الموظفين فحسب من غياب مديريهم عن الحضور في المكاتب، بل قد يؤثر سلبًا على الشركة نفسها.
واتفق خبراء على أن وجود رئيس يعمل عن بُعد بينما يعمل الموظفون في المركز الرئيسي للشركة قد يؤدي إلى إحباط فرق العمل والحد من فعالية القائد.
وذكر “أندريه سبايسر” العميد التنفيذي لكلية “بايز” للأعمال وأستاذ السلوك التنظيمي: غالبًا ما تشمل القيادة على الكثير من التفاعلات المحيطة مثل التواصل والمراقبة وأشكال التواصل الأخرى، ويمكن أن يكون التواجد بشكل مباشر جزءًا مهمًا من ذلك .
وبالفعل تعرض “إيدي لامبرت” المدير التنفيذي للشركة الأمريكية “سيرز” لانتقادات لاذعة بسبب اختياره العيش في فلوريدا وزيارته النادرة للمقر الرئيسي للشركة في إلينوي.
وكذلك “رون جونسون” المدير التنفيذي السابق لشركة “جيه سي بيني” الذي تمت الإطاحة به، تعرض لانتقادات بعدما رفض الانتقال إلى مقر شركة البيع بالتجزئة في تكساس عام 2013، رغم مشاكل المبيعات العميقة في ذلك الحين.
على النقيض، زعم العديد من الخبراء أن المديرين التنفيذيين للشركات الكبرى يقضون حتمًا قدرًا هائلاً من الوقت في السفر، بغض النظر عن مكان إقامته.
وذكرت “ليندا جراتون” أستاذة ممارسات الإدارة بكلية لندن للأعمال أن في الشركات متعددة الجنسيات مثل “ستاربكس” سيضطر المدير التنفيذي كثيرًا لزيارة الشركات التابعة والموردين والتحدث للمساهمين وممثلي الحكومات، فلذلك حتى لو كان مقيدًا بالعمل من المقر الرئيسي، فلن يتواجد هناك لجزء كبير من الوقت.
وكذلك ترى “ديبي لوفيتش” المديرة لدى مجموعة “بوسطن” الاستشارية: وظيفة المدير التنفيذي بطبيعتها تتضمن الإشراف على العمليات الكاملة للشركة، وغالبًا ما تكون أكثر ملاءمة للسفر المتكرر والعمل عن بُعد.
وجدت دراسة أجريت عام 2021 لقياس العلاقة بين الرؤساء التنفيذيين الذين يعملون عن بُعد وصحة شركاتهم أن هناك بعض الفوائد لهذه المرونة، ولكن عيوبها أكبر بشكل عام.
وأن الشركات التي يعمل مديروها التنفيذيون عن بُعد عانت أكثر مقارنة بتلك التي لديها قادة يحضرون للعمل بالمكتب بشكل متكرر.
أوضح “ران دوشين” أستاذ التمويل في كلية “كارول” للإدارة في بوسطن كوليدج والذي شارك في إعداد الدراسة أن المرونة التي توفرها الإدارة عن بُعد تسمح لمجالس الإدارات باختيار مديرين تنفيذيين على مستوى رفيع ربما لن يكونوا على استعداد للانتقال إلى مكان آخر – غير مكان إقامتهم – من أجل الوظيفة.
لكن أشار “دوشين” إلى تصور البعض للمدير التنفيذي على أنه يستمتع بحياته حقًا ربما على حساب الموظفين والمساهمين، مضيفًا من المحبط أن نرى الرئيس التنفيذي يستخدم طائرة الشركة للتنقل ذهابًا وإيابًا بين منزله على الشاطئ في فلوريدا والمقر الرئيسي للشركة.
لذلك يزعم البعض أن الإدارة عن بُعد يمكن أن تخدم مصالح المدير التنفيذي على حساب المساهمين.