شهدت أسعار الكاكاو ارتفاعًا غير مسبوق في عام 2024، حيث تجاوزت مستوياتها ثلاثة أضعاف بسبب النقص الكبير في الإمدادات الناجم عن التغيرات المناخية المستمرة في غرب إفريقيا. حتى الآن، لا تشير أي دلائل إلى أن الارتفاع الحالي في الأسعار يوشك على الانتهاء.
تجاوزت مكاسب الكاكاو تلك التي حققتها البيتكوين، التي استفادت من فوز “دونالد ترامب” في الانتخابات الأمريكية، أو تلك التي سجلتها سوق الأسهم الأمريكية.
وفقًا لبيانات “داو جونز”، ارتفعت أسعار الكاكاو بنسبة تقارب 185% خلال هذا العام، مما ألحق الضرر بمستهلكي الشوكولاتة في مختلف أنحاء العالم، في تجسيد واضح لكيفية تأثير التغير المناخي على الاقتصاد والمجتمع.
و في الأسبوع الماضي، وصلت العقود الآجلة للكاكاو التي سيتم تسليمها في مارس إلى 11,938 دولارًا للطن، محققة أعلى مستوى تاريخي لها، في ظل المخاوف المتجددة بشأن الظروف الجوية السيئة ونقص الإمدادات في غرب إفريقيا، المنطقة التي تُنتج حوالي 75% من إنتاج الكاكاو العالمي.
وكانت أسعار الكاكاو قد تجاوزت لأول مرة في مارس 2024 مستوى 10,000 دولار للطن في سوق العقود الآجلة، بينما تراجعت وتيرة الارتفاع في أبريل بعد أن كانت الأسعار قد اقتربت من 12,000 دولار، بدعم من توقعات بحصاد أفضل في غرب إفريقيا.
ومع ذلك، عاودت الأسعار الارتفاع في نونبر مع تحول الطقس إلى غير مواتٍ لزراعة المحاصيل، مما أدى إلى تدهور الآمال في تعافٍ كبير.
تُعد الأحوال الجوية السيئة العامل الرئيسي وراء الزيادة الكبيرة في أسعار الكاكاو، وهو ما لا يظهر أي بوادر لتحسنه مع بداية العام المقبل. في هذا السياق، أشار “أوران فات دورت”، محلل السلع لدى “رابوبنك”، إلى أن التأثيرات المناخية أدت إلى حصاد أقل من المتوقع.
في أكتوبر 2024، تسببت الأمطار الغزيرة في غرب إفريقيا في تأخير حصاد الكاكاو ومعالجته، إلى جانب استمرار المشاكل مع فيروس تورم براعم الكاكاو الذي ينتقل بين الأشجار ويتسبب في موتها بعد بضع سنوات.
بالإضافة إلى ذلك، أدت ظروف الجفاف في البرازيل إلى تأثيرات سلبية على مجموعة من المحاصيل الأخرى مثل القهوة، مما أسهم في ارتفاع أسعار العقود الآجلة للكاكاو والقهوة وعصير البرتقال على مدار العام، متفوقة بذلك على أداء الذهب والنفط الخام.
الكاكاو الرابح الأكبر هذا العام (وفقا لتغيرات الأسعار حتى نهاية الأسبوع الماضي) | |
الفئة | نسبة الصعود المسجل هذا العام |
الكاكاو | %185 |
البيتكوين | %128 |
العقود الآجلة لعصير البرتقال | %75 |
القهوة | %73 |
الغاز الطبيعي | %43 |
الذهب | %26 |
مؤشر الأسهم الأمريكية (إس أند بي 500) | %25 |
ووفقًا لـ “دارين نيوسوم”، كبير محللي السوق لدى “بارتشارت”، لم تتغير الظروف التي أثرت على سوق الكاكاو منذ بداية العام، حيث لا يزال الطقس السيئ في كوت ديفوار في غرب إفريقيا هو العامل الأكثر تأثيرًا.
يشير “نيوسوم” إلى أن العقود الآجلة الحالية تظهر استمرار الارتفاع في الأسعار، حيث يتم تسعير العقود الآجلة قصيرة الأجل أعلى من العقود طويلة الأجل، وهو ما يدل على القلق المتزايد بشأن العرض والطلب في المستقبل القريب.
وأضاف أنه مع استمرار الطقس السيئ، من المتوقع أن تتجه المزيد من الاستثمارات إلى السلع التي تزرع مثل الكاكاو.
من جهة أخرى، يرى استراتيجيو بنك “آي إن جي” أن النقص المستمر في المعروض من الكاكاو والقهوة، إلى جانب عدم اليقين حول الأحوال الجوية، قد يؤدي إلى تقلبات مستمرة في الأسعار خلال العام المقبل.
وحسب بيانات منظمة الكاكاو الدولية، سجلت سوق الكاكاو أكبر عجز لها منذ أكثر من 60 عامًا في العام التسويقي 2023-2024، نتيجة الضرر الذي لحق بالمحاصيل في ساحل العاج وغانا.
ورغم أن التوقعات تشير إلى زيادة الإنتاج في غرب إفريقيا، فإن هناك مخاطر كبيرة بسبب الظروف الجوية السيئة في الآونة الأخيرة.
يرى “سكوت باور”، رئيس أكاديمية “بروسبر” للتجارة، أن تأثير التغير المناخي أصبح واقعًا ملموسًا، مع توقعاته بزيادة أسعار السلع الأساسية في جميع القطاعات، ليس فقط في السلع الزراعية مثل الكاكاو، ولكن أيضًا في المعادن مثل الحديد والليثيوم.
ويشير إلى أن التغير المناخي سيستمر في فرض تحديات على الإنتاج، سواء من خلال درجات الحرارة المرتفعة أو الجفاف أو الأمطار الغزيرة والرياح الشديدة.
وفي توقعاته لسوق السلع لعام 2025، أكد “رابوبنك” أن تحديد التأثير الدقيق لتغير المناخ على السوق ما زال يمثل تحديًا كبيرًا.
يبدو أن أزمة سوق الكاكاو التي دفعت بأسعاره إلى مستويات تاريخية قد لا تكون قد انتهت بعد، في ظل استمرار التحديات التي يفرضها التغير المناخي على الإنتاج.
